دبي - صوت الامارات
ما زالت الساحة الرياضية تواصل حراكها وردود أفعالها حول قرار اتحاد الكرة بتشكيل لجنة للحوكمة والرقابة المالية على الأندية، الذي اعتبرت الأغلبية أنه جاء في الوقت المناسب وواحد من أهم القرارات التي من شأنها أن تصب في إصلاح المنظومة المالية الكروية قبل فوات الأوان.
وتواصلت النقاشات المستفيضة حول الموضوع، ومدى تأثيره واستشراف نتائجه، والحلول التي سيخرج بها للحد من الإنفاق الزائد، إذ طرح برنامج "المنصة" على قناة "دبي الرياضية" القضية بكافة جوانبها مع أطرافها لوضع الأمور في نصابها، وتوضيح ما وصل إليه الحال في الأندية، ومحاولة تحسس الحلول والنتائج التي ينتظرها الجميع للخروج من الأزمة ومعالجة التضخم، الذي وصلت إليه ميزانيات الأندية.
حيث استضاف البرنامج الذي قدمه الزميل حامد الحارثي كل من مروان بن غليطة رئيس اتحاد الكرة، وعارف العواني الأمين العام لمجلس أبوظبي الرياضي، وسامي القمزي رئيس مجلس إدارة نادي الشباب، وأحمد الرميثي رئيس مجلس إدارة شركة كرة القدم في نادي الوحدة.
اتفق المشاركون في "المنصة" على خطورة الوضع الحالي، وأنه وصل لمرحلة حرجة في ظل الأرقام المخيفة وغير المتوازنة للإنفاق، بين الإيرادات والمصروفات، وضرورة تصحيح الوضع قبل فوات الأوان، لأنه يحتاج بالفعل إلى علاج جذري، يسهم في الحد من أزمات قد تكون متوقعة، كما اتفقوا على ضرورة عدم التعامل مع الأمر بنظرة تشاؤمية بحتة، وأن البدء في الخطوات الصحيحة، هو بداية طريق الإصلاح.
ومن جهته، أكد رئيس اتحاد الكرة مروان بن غليطة، أن ملف الحوكمة والرقابة المالية للأندية أحد الملفات المهمة التي تم تكليفه بها من قبل نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، الرئيس الفخري لاتحاد الكرة الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، وتقديم دراسة لتقييم الوضع الحالي والتصورات الممكن وضعها للتصحيح.
ومن هذا المنطلق جاء قرار تشكيل لجنة الحوكمة والرقابة المالية التي تعتبر النواة التي سيتم العمل عليها في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن الاتحاد يسعى لتعديل المنظومة، في ظل خطورة الوضع الحالي الناجم عن تراكمات خلال 8 سنوات، عمر الاحتراف، لافتاً إلى أن الوضع لن يستقيم بين يوم وليلة، وإنما سيحتاج إلى وقت ربما يمتد لثلاث سنوات.
وأشار إلى أن لجنة الحوكمة والرقابة المالية، تقوم على 3 ركائز أساسية، هي: العدالة والنزاهة، والشفافية والإفصاح، والمسؤولية والمساءلة، وقال: "اللجنة ستضع التصور الشامل للوضع الحالي، وسيتم مناقشته في الاتحاد ومع الأندية قبل الموافقة عليه، وهو ما سيأخذ بعض الوقت، قبل أن تتشكل اللجنة التنفيذية التي ستقوم بعملية المراقبة في ما بعد، وحتى نصل إلى موازنات متوازنة ما بين الإيرادات والمصروفات في الأندية بحلول عام 2021".
وكشف بن غليطة الخطوات التي يعتزم الاتحاد القيام بها بخصوص هذا الملف، مؤكداً أن الدراسات أكدت أن 75 في المئة من التضخم المالي في الأندية بسبب رواتب وعقود اللاعبين، لذلك سيعيد الاتحاد تقييم ومراجعة سقف الرواتب الذي بات ملحاً، وسيتم تفعيل غرفة انتقالات اللاعبين، من الموسم المقبل، الذي سيوضح آليات التعاقد، وأسعار العروض المقدمة للاعبين عبر نظام واضح، لضمان أن العقد المقدم شرعي وحقيقي، وليس من تحت الطاولة.
وأضاف: "النظام الأساسي المعتمد من فيفا، يخول اتحاد الكرة بالرقابة، ولا يعتبر تدخلاً حكومياً، بناء على المادة 3، التي لو طبقت بحذافيرها، سيكون هناك عقوبات رادعة على المخالفين، لكننا لا نهدف للعقاب، وإنما الإصلاح، ومن الخطأ التعامل بهذا الشكل حالياً، خصوصاً أننا نتحدث عن عقود سارية وحقوق مكتسبة لا نستطيع تجاهلهــا".
وأكد رئيس مجلس إدارة شركة كرة القدم في نادي الشباب سامي القمزي، أن الحديث عن التضخم الناتج حالياً، لا يجب أن يرتكز فقط على نفقات الأندية، وإنما التركيز بصورة أكبر على منظومة إيرادات الأندية التي تحتاج إلى دراسة ومراجعة شاملة، مطالباً بالعمل على تحديد سقف واضح لميزانيات الأندية، تتحرك على أساسها، وإيجاد الآليات الواضحة اللازمة لها، وليس فقط سقف رواتب اللاعبين، خاصة أنه لا يوجد سقف للإنفاق في الأندية، وهذا خلل كبير، وبالتالي، منظومة الإيرادات تحتاج إلى إعادة دراسة بالكامل.
وقال :"مؤشرات التضخم كانت واضحة، منذ أن بدأنا الاحتراف، لكنها لم تؤخذ مأخذ الجدية في العلاج، ونحن سعداء بالحراك الدائر حالياً، لكني أشك أن المنظومة المقترحة قد تحد من إنفاق الأندية، وتأدية الغرض منها، بناء على المعلومات المتاحة حالياً، لأن المسألة أكبر من ذلك، فنحن اليوم نحتاج أولاً إلى القانون والتشريعات التي سيتم المراقبة على أساسها".
وأضاف :"بالفعل، الصرف زائد عن الحد والأرقام كبيرة، ومتأكد أن الأندية التي حصلت على بطولة الدوري لم تصرف أقل من 300 مليون درهم في المواسم الأربعة الأخيرة، وهذا واقع، لكن المشكلة أن هناك تضخماً يحدث كل عام، وتتزايد تلك المبالغ، فهل يستحق المنتج أن نصرف 300 مليون درهم".
فقد زاد التضخم خلال السنوات الأخيرة بنسبة 100 في المئة، وقبل 8 مواسم، قدمت دراسة لمجلس دبي الرياضي، أكدت على أن 60 مليون درهم تكفي النادي، ولكن الآن أصبحت 120 مليون درهم غير كافية، وإذا ظل الوضع على ما هو عليه، سيزداد التضخم بصورة مخيفة.
وتابع "الموضوع متشعب، ويجب عدم تقييد الأندية من دون وضع بدائل وحلول، لذلك، ذكرت ضرورة دراسة زيادة إيرادات الأندية، وتعديل المنظومة، حتى نحصل على دخل حقيقي، ومن المهم لعلاج هذه المعضلة، زيادة المعروض من المواهب واللاعبين، حتى لا يستمر الارتفاع الجنوني في أسعار العقود".
كما أن الاتحاد مطالب بوضع آلية لذلك، والاعتماد على سبيل المثال على أبناء المواطنات لزيادة المعروض أو اللاعبين الخليجيين، فضلاً عن أهمية وضع نموذج يقوم على آلية للاستثمار لزيادة دخل الأندية، فشركات الاستثمار تحتاج إلى إعادة تشريع وتنظيم، إذا أردنا الوصول إلى التوازن عام 2021، وأعتقد أننا قادرون على الوصول إلى هذه الآليات، بحيث تسهم في رفع سقف الإيرادات، وإحداث توازن في ما بينها وبين النفقات.
وأكد الأمين العام لمجلس أبوظبي الرياضي عارف العواني، أن الوضع المالي للأندية وصل لمرحلة حرجة، وبات في خطر حقيقي لأسباب عدة، نتيجة الممارسات الخاطئة على مدار سنوات، من دون توازن بين الإيرادات والنفقات، مشيراً إلى أن خطوة اتحاد الكرة، التي جاءت بناء على توجيهات نائب رئيس المجلس التنفيذي، الرئيس الفخري لاتحاد الكرة الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، بتطبيق الحوكمة والرقابة المالية، لن تحد من سلطات الأندية، وإنما ستساعدها على تجاوز الوضع الحالي الصعب ولخدمة الكرة الإماراتية، لافتاً إلى أنه لا يجب الخوف من أن هذا الحراك سيتم اعتباره تدخلاً حكومياً من جانب فيفا.
لأن النظام الأساسي للاتحاد يخول له الاستعانة بالمؤسسات الرياضية الأخرى، مثل المجالس الرياضية، كونها تمثل لجاناً أولمبية مصغرة، وليست جهات رقابية بحتة، وذلك لوجود جهات أخرى تقوم بالرقابة المالية، وقال: "لا يجب الشعور بالخوف من فيفا في ما يتعلق بخطوة تشكيل لجنة للحوكمة والرقابة المالية على الأندية"، لأن فيفا نفسه يسعى لوجود أمان في منظومة كرة القدم في كل الدول وحماية الحقوق، سواء اللاعبين أو الأندية، لكن هناك أسباباً عدة أوصلتنا للمرحلة الحالية، منها الابتزاز من جانب وكلاء لاعبين أو حتى أولياء أمور، في ما يخص العقود والرواتب.
وكذلك الانقياد وراء ضغوط جماهيرية أو إعلامية من جانب الأندية، بإجراء تغييرات في لاعبين ومدربين، ساهمت في زيادة التضخم وزيادة الأعباء المالية، وقال: "أعتقد أن أول لاعب سيحترف في الخارج، سيحدد بشكل كبير سعر اللاعب المحلي الحقيقي".
وأضاف: "نحن لا نقوم بالتعميم، فهناك عقليات تدير الأمور في الأندية بطريقة واضحة، لكن هناك البعض الآخر غير مسؤول، اتخذ قرارات أدت إلى الوضع الحالي، بالإضافة إلى ممارسات خاطئة في السابق، من خلال حالات تجنيس بعض الأجانب، وضعتنا في ورطة حالياً، بسبب غياب النظام".
والسؤال الأهم: هل الأندية قادرة على تقديم موازنات بشفافية للاتحاد الآسيوي في 30 يونيو القادم، خاصة الأندية التي ستشارك في دوري أبطال آسيا، حتى يمنحها التراخيص اللازمة؟
أعتقد أننا يجب أن نبني على المكتسبات الفنية التي حققناها مؤخراً، لأن هناك منجزات قدمتها الأندية، لكن بثمن باهظ، وبالتالي، تعديل المنظومة أمر في غاية الأهمية، وضرورة الاستفادة من تجارب الدوريات الأوروبية التي عانت أيضاً من وضع مثلما تمر به أنديتنا مثل التجربة الإسبانية.
حددّ نائب رئيس مجلس دبي الرياضي مطر الطاير، عدة نقاط رئيسة، لبداية تصحيح المسار، مؤكداً أن تشكيل لجنة عليا للحوكمة والرقابة المالية على الأندية، قرار مهم، بشرط أن تضع اللجنة النظام والضوابط والآليات الصحيحة والواضحة حتى تؤتي ثمارها.
وقال في مداخلته الهاتفية خلال برنامج "المنصة": "نعم، توجد مشكلة، وبوجود الاحتراف، بعض الأندية، من دون مسميات، لديها تجاوزات مالية وإدارية وتجاوزت الميزانية المحددة لها، لا يجوز التعميم على كل الأندية، لكن الأرقام التي ذكرت أن بطل الدوري يصرف ما بين 300 إلى 500 مليون درهم للحصول على الألقاب أرقام صحيحة ودقيقة، وأبصم عليها بالعشرة. وهناك أندية تجاوزت حاجز 500 مليون درهم".
وتابع: "قبل فترة تحدثت مع رئيس نادي ليغيا وارسو البولندي، الذي أكد أن ميزانية ناديه 22 مليون دولار سنوياً، وعندما أخبرته أن هناك أندية قد تصل ميزانياتها إلى 100 مليون دولار، أخبرني أنه بهذا المبلغ، بإمكانه الحصول على دوري أبطال أوروبا".
وأكد ضرورة الاعتراف بوجود مزايدات وخروقات، وأن جزءً من الحوكمة، وجود هيكل تنظيمي صحيح، يجب معه اختيار الأشخاص المناسبين، مشيراً إلى أن نقاط بداية التصحيح تشمل أن تتضمن الهياكل التنظيمية لشركات الكرة وحدات رقابية مالية وإدارية ترفع تقاريرها بشكل مباشر إلى رئيس النادي، وضرورة نشر وإعلان الأرقام الحقيقية لميزانيات الأندية، كجزء من الشفافية، كون الحكومة تدعم وتشارك في جزء من ميزانية الأندية.
الأمر الأخير، إعداد تقارير دورية للمجالس الرياضية المختصة كل 3 شهور على الأقل، سواء تقارير مالية أو إدارية، لافتاً إلى أنه يتفق مع خطوة اتحاد الكرة بوضع نظام يلزم شركات الكرة بالرقابة، وطالب رئيس شركة كرة القدم في نادي الوحدة أحمد الرميثي، بالكشف والإعلان عن الأرقام المالية الحقيقية لعقود اللاعبين سواء الرسمية أو التي تمت من تحت الطاولة، ووضعها في ميزانيات الأندية، من خلال فترة يطلق عليها فترة سماح، للبدء بتعديل المنظومة بشكل صحيح كي تظهر الميزانيات من دون تجميل، ما يسهم في وضع أطر وآليات واضحة أمام اتحاد الكرة ولجنة الحوكمة والرقابة المالية للعمل على أساسها.
وقال: "جرس الإنذار بدأ يدق منذ سنوات، والخطوة الحالية فرصة سانحة لوضع حد لإهدار المال، ونحن كأندية، نرحب بالإجراءات التي سيتم اتخاذها في الفترة الحالية للعودة للمسار الصحيح، لأن الوضع بات يحتاج إلى علاج»، مضيفاً أن سقف الرواتب كان يخضع لآلية لا تطبق على أرض الواقع".
ووجه بن غليطة رسالة للاعبين، مؤكداً أن العقود الحالية والحقوق المكتسبة للاعبين، بناءً على هذه العقود، ستحترم، سواء كانت رسمية ومعلنة، أم تمت من تحت الطاولة، ويسعى الاتحاد كذلك لعلاج المنظومة، بزيادة المعروض من اللاعبين لتخفيض الأرقام المبالغ فيها، كما وجه رسالة للأندية التي تريد التعاقد مع لاعبين، أو تجديد عقود لاعبين، بالتفكير ألف مرة في السعر الحقيقي، وقيمة اللاعب الفعلية التي يستحقها، واختتم بن غليطة، مؤكداً أنه لا يرى الصورة ضبابية، مثلما يراها البعض.