دبي – محمود عيسي
شهد الموسم الكروي الجاري تراجعًا واضحًا في أسهم المدرب المواطن، بأسلوب يؤكد أنه في طريقه لأن يصبح خارج حسابات الأندية بشكل نهائي، والدليل على ذلك أن هذا الموسم لم يشهد وجود مدرب مواطن مع وجود عدد قليل من الأسماء في دوري الهواة، في ظل سيطرة تامة للأجانب، والتي تميل الأندية للتعاقد معهم كونهم أصحاب عيون خضر فقط، وليس لمهنيتهم حسب رأي المدرب عيد باروت، ونتيجة للغياب الحالي صرخ بعض المدربين المواطنين بالصوت العالي، مؤكدين أن الأندية أجبرتهم على أخذ مقاعد المتفرجين مثل المشجعين، بسبب قلة الثقة، وذلك على الرغم من التأكيد بوجود كفاءات تدريبية تحتاج إلى الفرصة.
وقدم بعض المدربين المواطنين أسباباً مختلفة عن أسباب غيابهم عن الساحة الكروية، على أمل أن تكون هناك نتائج إيجابية في المستقبل القريب، على الرغم من أن المدربين أنفسهم يعيشون، حالة من الإحباط ويعتقدون أن التغيير لن يحدث قريبًا.
وقال عيد باروت، مدرب الفجيرة السابق، الذي سبق له العمل مع 5 من أندية دوري المحترفين إن إدارات الأندية تفضل المدرب الأجنبي على المواطن وتميل بطريقة واضحة لأصحاب العيون الخضر لأن أعينهم خضر فقط وليس لأنهم أفضل من المواطنين، وأضاف "أيضا بعض الإداريين (سماسرة) يستفيدون من الأجنبي لذلك يحرصون عليه ويرفضون التعامل مع المدرب المواطن". وتابع "لا أتحدث من فراغ ولكن مر عليّ في مشواري التدريبي إداريون سماسرة وأمتلك أدلة عليهم، هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال، لذلك المدرب المواطن لا يحظى بالفرصة الكافية لأن مصلحتهم في التعاقد مع الأجنبي".
وأشار عيد باروت، إلى توفير الحماية الكاملة للمدرب الأجنبي بعكس المدرب المواطن وقال "أحياناً المدرب الأجنبي يقود فريقه لخسارة كبيرة ولا يحاسبه احد، ولو كان في موقعه مدرب مواطن فإن البعض يمكن أن يقدمه للمحاكمة مع إقالته مباشرة كما حدث كثيرا في مرات سابقة، مبيناً أن أفضل إنجازات الكرة الإماراتية تحققت على أيدي مدربين مواطنين مثل جمعة ربيع ومهدي علي وغيرهم، لكن المواطن مهما حقق من إنجازات فإنه لن يجد الدعم الذي يجده الأجنبي لأن المشكلة إدارية بحتة، وحتى الأندية التي تتعاقد مع مدرب مواطن تنتظر خسارته في أقرب فرصة لتستغني عنه، بينما الأجنبي يخسر عدة مرات دون أن تتم إقالته أو محاسبته، كما أكد باروت، أن الكفاءات التدريبية المحلية موجودة وتحتاج إلى الدعم والثقة فقط من الأندية وبإمكانهم تقديم مردود افضل من الذي يقدمه الأجانب".
وأوضح سالم ربيع مدرب العربي السابق، أن إدارات الأندية تمتلك حق اختيار المدرب الذي تراه مناسبا، سواء كان مواطنا أو أجنبيا، لكن معظم الإدارات تفضل الأجنبي خوفا من غضب الجمهور، وأضاف "عندما يحقق المدرب المواطن نتائج سلبية فإن الإدارة تتعرض للهجوم والانتقاد ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، لكن عندما تتعاقد مع أجنبي فإنها تعفي نفسها من المسؤولية".
وأضاف ربيع "الثقة مفقودة في المدرب المواطن من قبل مجالس إدارات الأندية والجمهور أيضاً، رغم وجود العديد من الكفاءات، ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنجد أسماء بارزة عملت مع أندية المحترفين مثل جمعة ربيع وخليفة مبارك وعيد باروت وعبد الله مسفر وغيرهم، والآن الساحة بها مدربون يستحقون الفرصة لكن من الصعب إقناع الأندية، خاصة أن نتائج المنتخبات الوطنية التي يشرف عليها مدربون مواطنون غير مشجعة بالنسبة لهم". واعتبر ربيع، أن المدرب الأجنبي يحظى بدعم كبير لا يتوفر للمدرب المواطن، مبيناً أن الأجنبي يعمل براحة نفسية خاصة أنه يعلم جيدا أن إقالته تعنى انتقاله للعمل مع أندية أخرى عن طريق الوكلاء، الذين يروجون له بشكل جيد بعكس المدرب المواطن، الذي يظل في حالة ضغط مستمر مع ضعف حظوظه في حصوله على فرصة أخرى.
وتابع لاعب النصر الأسبق، إحدى المشاكل التي تواجه المدرب المواطن عدم التسويق، فإذا كان لديك منتج جيد إذا لم تحسن تسويقه يمكن أن يرفضه السوق، فالتسويق جزء مهم من النجاح، وهذا لا يتوفر لدى المدرب المواطن بعكس الأجنبي الذي يتم عرض بضاعته بطريقة جميلة تشجع الأندية على التعاقد معه. ورأى ربيع أن عودة المدرب المواطن للواجهة ومنحه الثقة يتطلب تحقيق نتائج جيدة بواسطة المدربين، الذين يشرفون على منتخبات المراحل السنية، مبيناً أن هؤلاء المدربين عندما ينجحون في قيادة هذه المنتخبات فإنهم بذلك يرفعون من أسهم المدرب المواطن ويجبرون الأندية على التعاقد معهم، لكن إذا كانت نتائجهم سلبية فإن ذلك يعني عدم منحهم الثقة.
وأكد سالم ربيع أن اتحاد الكرة أيضاً مطالب بمنح المدرب المواطن قدراً كافياً من الاهتمام، مشيراً إلى أن افضل فترات المواطن كانت وقت تولي محمد خلفان الرميثي رئاسة اتحاد الكرة، لأنه منح المواطن الثقة ووفر له كافة الاحتياجات، وأعتقد أنه بدون ثقة ودعم من الاتحاد والأندية فإن المدرب المواطن لن يجد الفرصة أبدا.
وألقى محمد سعيد الطنيجي، مدرب الذيد مسؤولية ابتعاد المدرب المواطن عن تدريب الأندية على الطرفين، موضحاً أن المدرب لا يريد إرهاق نفسه بالعمل والتطوير، وفي ذات الوقت الأندية لا توفر له الدعم الكافي بمنحه الفرصة الكافية. وأضاف الطنيجي يجب أن تمنح إدارات الأندية المدرب الفرصة حتى يبرز قدراته، لكن حتى من يختارون المدرب المواطن يتعجلون إعفاءه من مهمته لأن ثقتهم به ضعيفة، لذلك مع أول نتيجة سلبية يقررون إقالته مع أن المدرب الأجنبي يخسر عدة مباريات ولا تكون له بصمة لكن ينتظرون منه الأفضل.
وأكد مدرب الذيد أنه لا يريد أن يجعل من إدارات الأندية وحدها مسؤولة عن غياب المدرب المواطن في قيادة الفرق المختلفة لأنه يرى أن المدرب أيضا يتحمل جزءا من هذه المسؤولية، وأضاف "في الإمارات عندما يتحصل المدرب على شهادة عليا في التدريب فإنه يريد أن يدرب ناديا كبيرا". وقال "المدرب المواطن يرفض المراحل السنية وهذا خطأ كبير لأن التدرج في العمل مهم حتى لاكتساب الخبرة بعيدا عن الشهادات العلمية". وأوضح محمد سعيد الطنيجي أن اتحاد الكرة، يمنح الشهادات أيضا لمدربين، لم يسبق لهم تدريب الفريق الأول لذلك البعض يتحصل على الشهادة وينتظر الوظيفة دون تجربة.
واعتبر الطنيجي أن حل المشكلة يتطلب إصدار تعميم من قبل اتحاد كرة القدم يلزم الأندية بالتعاقد مع مدربين مواطنين فقط لقيادة المراحل السنية وفرق الشباب أيضا، حتى تتاح للمدربين الفرصة مع العمل على تطوير مقدراتهم بالكثير من المحاضرات، وأضاف "إذا كان هنالك مدرب أجنبي للفريق الأول فإنه يمكن أن يكون مشرفاً على كل مدربي فرق المراحل السنية من المواطنين حتى ينقل لهم تجاربه وخبراته، لكن إذا تمت الاستعانة حتى في المراحل السنية بمدربين أجانب فمن الطبيعي ألا يجد المواطن فرصته في تدريب الأندية والوصول إلى الفريق الأول، مؤكداً ضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة في الوقت القريب حتى لا يحدث اندثار كامل للمدرب المواطن ويصبح غائبا عن تدريب الأندية بكل مراحلها المختلفة".
وقدم محمد العامري عضو مجلس الوصل، المدير التنفيذي للنادي، وجهة نظر مختلفة، رافضا فكرة إهمال المدرب المواطن وانحساره، مع تأكيده في ذات الوقت أن معيار الأندية في أختيار المدرب يرتكز على الكفاءة وليس الجنسية وقال "كل ناد يسعى الى الأفضل وإذا وجد مدربا مواطنا يتناسب مع متطلباته سيتعاقد معه". وأكد العامري في ذات الوقت عدم فقدان الثقة في الكوادر الوطنية التي تعمل في مجال التدريب، وأضاف "أبلغ دليل على ذلك أن المنتخب الوطني الأول كان يقوده مهدي علي حتى قبل أيام قلائل، وهذا تأكيد على أن الثقة في المدرب المواطن متوفرة".
واعتبر المدير التنفيذي لنادي الوصل أن الثقة التي ينالها المدرب المواطن في الوقت الجاري، لم تكن موجودة في السابق، مشيرًا إلى أن كل المشرفين الفنيين في فترة الثمانينات بمختلف الأندية كانوا من الأجانب وحاليا معظم من يقود المراحل السنية من المواطنين. وأضاف "عندما تمنح الكادر الوطني فرصة تدريب المراحل السنية والإشراف على الصغار فهذا أيضا دليل على الثقة لأن أبناء المراحل السنية هم مستقبل الكرة الإماراتية والاهتمام بهم متوفر في كل الأندية".
وقال محمد العامري إن كل ناد لديه حساباته الخاصة، حسب المرحلة والهدف الذي يبحث عنه واختياراته للمدربين، تقوم وفق معطيات كثيرة لكن في كل الأحوال دائما فإن الثقة في الكادر الوطني متوفرة ويكفي المدرب المواطن فخراً أن يستعين منتخب شقيق، مثل المنتخب الأردن بالدكتور عبد الله مسفر لتدريبه ليكون ذلك تأكيداً على أن هناك مدربين أكفاء يستحقون الثقة". ومنحت الإمارات من خلال العمل مع المنتخبات والأندية فرصة العمل لعشرات المدربين الأجانب عبر التاريخ، لكن يظل أسم البرازيلي كارلوس البرتو الأشهر والأبرز عندما قاد (الأبيض) في مونديال ايطاليا 1990.
ويعتبر المصري محمد صديق شحته أول مدرب يشرف على تدريب منتخب الإمارات في الفترة من 1972 وحتى 1975، ليسجل اسمه بمداد من ذهب في سفر الكرة الإماراتية، وقاد شحته منتخبنا الوطني في كأس الخليج الثانية بالمملكة العربية السعودية. وشجع الإنجاز الذي حققه المدرب وليد عبيد بقيادته لفريق حتا إلى دوري المحترفين، أندية دوري الهواة إلى التعاقد مع مدربين مواطنين وكان ذلك واضحاً بظهور 7 من المدربين في القيادة وهم عيد باروت (الفجيرة)، بدر صالح (العروبة)، سليمان البلوشي (مصفوت)، العربي (سالم ربيع)، محمد سعيد الطنيجي (الزيد)، صالح بشير (الحمرية)، أحمد عبد الرزاق (الخليج)، وهي ظاهرة لم تحدث خلال المواسم السابقة التي ظل اعتماد غالبية الأندية فيها على المدربين الأجانب.
وشهد الموسم الماضي ظهور 3 من المدربين المواطنين على رأس الأجهزة الفنية في دوري الخليج العربي هم: عبد الله مسفر (بني ياس)، عبد العزيز العنبري (الشارقة) وعيد باروت (الفجيرة)، ونجح مسفر والعنبري في إنقاذ فريقيهما من الهبوط بينما تولى باروت المهمة في وقت متأخر وكان قريباً من المحافظة على الفريق في دوري الأضواء والشهرة، بينما غاب المدرب المواطن في دوري المحترفين باستثناء وليد عبيد فقط الذي ظهر في مباراتين فقط مع حتا.
ويعدّ إنجاز تأهل حتا إلى دوري الخليج العربي موسم 2016 / 2017 والذي حققه المدرب وليد عبيد بنهاية الموسم الماضي الأفضل خلال الفترة الأخيرة، ويعتبر دليلاً على أن المواطن يمتلك أدوات القيادة وقادر على وضع بصمته وتحقيق الإنجازات الكروية، وخاصة أن الإعصار أبهر الجميع بمستواه وتألقه في دوري الأولى قبل صعوده ووصوله لدوري الأضواء والشهرة. وعلى الرغم من غياب المدرب المواطن عن تدريب فرق دوري المحترفين، لكن يلاحظ أن أكثر من 50 مدرباً، تحصلوا على رخصة مدرب محترف، والتي أصبحت من شروط دوري المحترفين وهي شهادات عليا في التدريب لا تتوافر حتى عند بعض المدربين الأجانب الأندية تحوّل المدربين من الملعب إلى مقاعد المتفرجين.