بطولة أمم أوروبا على مر التاريخ

تعتبر بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم، ثاني أكبر المحافل الرياضية العالمية في كرة القدم، وكما هو الحال في أغلب محطات الحياة، قد تحدث أمور طريفة في أشد المواقف، ومنها ما قد ينطبق عليه مقولة "شر البلية ما يضحك". وسجل التاريخ بعض تلك المواقف في مختلف نهائيات اليورو منذ بدايتها، وحتى نهائي نسخة 2012 الماضية، وأبرزها ما يلي:

 

1-   الحكم الذي ابتلع صافرته:

 

تحمل بطولة يورو هذا العام، والتي سيرفع كأسها إما البرتغالي كريستيانو رونالدو أو الفرنسي هوغو لوريس، اسم هنري ديلوني (1883- 1955)، تكريمًا لرئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم السابق وأول أمين عام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) وصاحب فكرة بطولة أوروبية مجمعة للمنتخبات الوطنية. ولم يقدم ديلوني مسيرة زاخرة كلاعب كرة قدم، وبعد اعتزاله اللعب توجه للتحكيم. وأثناء تحكيمه إحدى المباريات احتسب ركلة حرة لأحد الفريقين، ووقف في مكان غير مناسب على الإطلاق.

 

لم يسجل التاريخ اسم اللاعب الذي نفذ الركلة الحرة، ولكن الأمر المؤكد أن الكرة اصطدمت بوجه ديلوني ليفقد اثنين من أسنانه بل ويبتلع صافرته، في واقعة مؤلمة بما فيه الكفاية لتخرجه من الملعب، ولا تعيده إليه أبدًا. واتجه بعد ذلك للعمل الإداري، ليطرح في عام 1927 فكرة تنظيم بطولة أوروبية مجمعة، لتخرج أول بطولة أمم أوروبية في التاريخ للنور عام 1960، بعد وفاته بخمسة أعوام.

 

2- 70 ألف شخص في انتظار عملة معدنية:

 

تعود هذه القصة لنهائيات بطولة الأمم الأوروبية عام 1968، التي فاز بلقبها منتخب إيطاليا، المضيف، ليصبح اللقب الأوروبي الوحيد للأتزوري حتى الآن. وقتها كانت البطولة مكونة من أربعة منتخبات فقط، هي: إيطاليا وإنكلترا والاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا.

في المباراة الأولى تعادلت إيطاليا مع الاتحاد السوفيتي سلبيًا، ولكن كان يجب أن يتأهل أحدهما لنهائي البطولة. لم يكن وقتها معمولا بنظام الوقت الإضافي ولا ركلات الترجيح، فتم الاحتكام لعملة معدنية لترجيح كفة أحد المنتخبين، فدخل قائدا المنتخبين (الإيطالي غاشينتو فاكيتي والسوفيتي ألبرت شيستينوف) لغرف خلع الملابس مع حكم المباراة الألماني كيرت تشينشير، لينتظر الجمهور في استاد ساو باولو في تورينو نتيجة القرعة، ليخرج "فاكيتي" صارخا بفرح معلنًا اختيار العملة المعدنية لإيطاليا، وعبورها للنهائي.

وفي النهائي، تعادلت إيطاليا مع يوغوسلافيا، ولكن هذه المرة إيجابيا بنتيجة 1-1 ، ولكن تم تغيير نظام اللجوء للعملات المعدنية، لتعاد المباراة بعدها بيومين على الملعب الأولمبي في روما، ويحكم اللقاء الإسباني أورتيز دي مينديبيل، وتفوز إيطاليا أخيرًا بنتيجة 2-0، لتتوج باللقب، وترفع الكأس الأوروبي الوحيد في سجلها.

 

3- بطل غير متوج:

 

شهدت بطولة يورو 1976 في يوغوسلافيا فوز منتخب تشيكوسلوفاكيا "آنذاك" باللقب، إثر تغلبه على ألمانيا بركلات الترجيح 5-3، بعد تعادلهما إيجابيا 2-2 في المباراة، وشهدت ركلات الترجيح تألق لاعب وسط تشيكوسلوفاكيا أنتونين بانينكا، الذي سجل إحداها بطريقة مميزة، حيث عمد إلى رفع الكرة بتسديدة خفيفة وسط المرمى من فوق الحارس الألماني سيب ماير، الذي اتجه لناحية اليسار، حيث عرفت طريقة تنفيذ الركلة بهذه الكيفية بعد ذلك باسمه.

وكان "بانينكا"، بالإضافة إلى الحارس إيفو فيكتور، والمهاجم زدنيك نيهودا، التشيكيين الوحيدين في تشكيلة منتخب تشيكوسلوفاكيا الفائز باللقب، وبعد انفصالهما السلمي في 1 يناير / كانون الثاني عام 1993، لتنقسم إلى دولتين هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا، أصبح هؤلاء اللاعبين محسوبين على المنتخب التشيكي، ليصبحوا أبطالاً غير متوجين.

 

4-الهدف الذهبي والهدف الفضي:

 

اعتمد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" فكرة الهدف الذهبي لحسم اللقاءات في الوقت الإضافي للمباريات المنتهية بالتعادل في الوقت الأصلي، للتقليل من الاعتماد على ركلات الترجيح، مما أدى للجوء الفرق للدفاع أكثر، خوفًا من الخسارة بهذا الهدف، الذي ينهي المباراة لصالح الفريق الذي يحرزه.

وبالفعل انتهت بطولتي يورو بهذا الهدف، أولهما بطولة أمم أوروبا 1996 في إنكلترا، والتي شهدت تسجيل أول هدف ذهبي في تاريخ القارة العجوز، حين أهدى هدف أوليفر بيرهوف الذهبي اللقب للمنتخب الألماني، على حساب التشيك.

 

وبعدها بأربعة أعوام، في نسخة عام 2000، التي استضافتها بلجيكا وهولندا، استطاع ديفيد تريزيجيه تسجيل هدف ذهبي في الدقيقة 113، ليهدي اللقب الأوروبي الثاني للديوك الفرنسية، على حساب الأزرق الإيطالي.

وبعد كثير من الانتقادات لاعتماد الهدف الذهبي، استبدله الفيفا بنظام آخر يسمح للمنتخبين بمواصلة الشوط الإضافي الذي يشهد تسجيل هدف يكسر تعادل الفريقين، ليترك للفريق المهزوم فرصة تعديل النتيجة حتى نهاية هذا الشوط، وسمي بالهدف الفضي.

وكان الهدف الفضي الوحيد الذي شهدته بطولات اليورو لليوناني تراينوس ديلاس، في الوقت بدل الضائع للشوط الإضافي الأول، الذي صعد باليونان لنهائي يورو 2004 في البرتغال على حساب جمهورية التشيك، لتفجر اليونان المفاجأة وترفع اللقب الأوروبي الوحيد لها على حساب المنتخب المضيف.

 

5- حارس إسبانيا يهدي الديوك الفرنسية لقبهم الأول:

 

يتذكر الجميع الحارس الإسباني لويس ميغيل أركونادا، وأكثر ما يذكرونه له خطأه في نهائي يورو 1984، الذي أهدى اللقب الأوروبي لمنتخب فرنسا لأول مرة في تاريخهم.

فعلى الرغم من تألق "أركونادا"، الذي قاد الماتادور الإسباني لأول نهائي في اليورو، بعد عشرين عاما من التتويج باللقب في عاصمتهم مدريد، كان هو صاحب الخطأ الذي يمكن أن يطلق عليه "غلطة الشاطر بألف".

 

حيث فشل الحارس في استقبال الركلة الحرة التي لعبها الأسطورة الفرنسي ميشيل بلاتيني منخفضة من جانب الحائط البشري في نفس زاوية أركونادا، الذي انحنى ليلتقطها، إلا أنها أفلتت من قبضتيه بشكل غريب، لتدخل المرمى، وتسجل فرنسا هدفها الأول في اللقاء، الذي انتهى بنتيجة 2-0 لصالح الديوك.

وبعد هذه الواقعة التي يتذكرها الجميع "لأركونادا"، قام ميشيل بلاتيني، رئيس اليويفا وقتها، بدعوة الحارس الإسباني لحضور المباراة النهائية ليورو 2012 بين منتخبي إسبانيا وإيطاليا، والتي انتهت بفوز الإسبان على إيطاليا بأربعة أهداف نظيفة، حيث صرح "أركونادا" وقتها قائلاً: "لقد كنت أفكر وأنا أحلق ذقني، كيف يمكنني أن أرد له ما فعله".

ولم يتوقف اندهاش "أركونادا" عند دعوة "اليويفا" له، حيث اعتبرها مزحة في البداية، ولكن الأكثر دهشة كان في ارتداء أندريس بالوب، الحارس الإسباني الثالث في بطولة 2012 ، لقميصه الذي كان يرتديه هو منذ 28 عامًا، ويحمل به الكأس.

وكان "بالوب"، المولع بـ"أركونادا" منذ صغره، يعرف صحافيًا إسبانيًا صديقا للأخير، وكان قد أهداه القميص الذي ارتداه في مباراة نصف نهائي 1984، بعد فوز إسبانيا وتأهلها للنهائي، فطلب منه أن يجلبه له في مقر إقامة المنتخب، ليرتديه إذا فاز الماتادور باللقب، وهو ما حدث.