الاصلاحات الاقتصادية السعودية امام تحدي خفض البطالة

 في احد المعاهد التقنية في الرياض، ينكب طلاب سعوديون على خوض امتحاناتهم املا في النجاح والتخرج مزودين مهارات تؤهلهم لسوق العمل وكسب مدخول، وتساعد بلادهم في تطوير يد عاملة متنوعة الخبرة.

ويوفر المعهد العالي للصناعة البلاستيكية الواقع في احدى المناطق الصناعية بالعاصمة، لطلابه مهارات صناعة الاكياس والانابيب والزجاجات، وهي مهارات سيطبقونها فور انتقالهم الى الحياة العملية.

ويشكل الحد من البطالة احدى ركائز - ومن أبرز تحديات - "رؤية السعودية 2030"، الخطة الاقتصادية التي اعلنتها المملكة في نيسان/ابريل لتنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط وتعزيز دور القطاع الخاص. وتسعى الخطة ليس فقط لتعزيز القوة العاملة السعودية، بل تنويع مهاراتها بما يساهم في تنويع النشاط الاقتصادي وقطاعاته، للحد من الاعتماد المفرط على الايرادات النفطية.

ومن ضمن "رؤية السعودية 2030"، اطلقت السلطات "برنامج التحول الوطني 2020" الذي يشمل خطوات تنفيذية على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها تقليص البطالة من 11,6 بالمئة الى تسعة بالمئة.

ويعد المجتمع السعودي شابا الى حد كبير، اذ ان اكثر من خمسين بالمئة من السعوديين هم دون سن الخامسة والعشرين. وحذر صندوق النقد الدولي العام الماضي من ارتفاع نسبة البطالة وتزايدها وسط الشباب، داعيا الى مواجهة هذا الامر بشكل طارىء.

ويرى خبراء ان القيام بذلك يمثل تحديا كبيرا، لاسيما وان جزءا كبيرا من المجتمع السعودي اعتاد لاعوام طويلة على نظام الرعاية الاجتماعية والدعم الحكومي، ما حد من حوافز العمل بالنسبة الى كثيرين.

ويقول هادي الحربي (18 عاما) الذي عمل سابقا كحارس امني في مكة، انه مستعد للعمل مجددا بشرط ان تكون الوظيفة "مريحة" وتوفر اجرا جيدا.

- زيادة الفرص للنساء -

وبحسب تقرير لشركة "جدوى للاستثمار"، يعمل في السعودية اكثر من 6,5 ملايين اجنبي، علما ان عدد المواطنين في المملكة يناهز 21 مليونا. وتتوزع العمالة الاجنبية في مجالات متنوعة، من المناصب الادارية العليا الى المهام الصغيرة كتنظيف الشوارع او الخدمة في المطاعم والمنازل، وهي وظائف عادة ما يحجم السعوديون عن القيام بها.

ويبلغ عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص نصف عددهم في القطاع العام حيث امتيازاتهم افضل، كساعات عمل اقل واجازات اطول. الا ان الحكومة تعتزم بحلول سنة 2020، تقليص نسبة أجور القطاع العام من الموازنة، من 45 بالمئة حاليا الى اربعين بالمئة.

كما يسعى برنامج التحول لتعزيز دور النساء في القوة العاملة. وبحسب "جدوى للاستثمار"، سجلت نسبة البطالة لدى النساء العام الماضي 33,8 بالمئة. وترتفع هذه النسبة لدى النساء في العقد الثالث من العمر.

وتقول سليمة شاكر المالكي (30 عاما)، وهي ربة منزل لم يسبق لها العمل، "في ثقافتنا من الصعب الذهاب الى العمل (...) لم يكن الامر مسموحا".

وتعرب المالكي، وهي ام لثلاثة اولاد، عن املها في ان يساهم برنامج التحول في نيلها وظيفة مناسبة "لاخرج من روتين الحياة واحقق احلامي".

- مرحلة انتقالية صعبة -

ويشكل تحسين مستوى التعليم احد اهداف "رؤية السعودية 2030" التي تنص على تعزيز التعليم المهني ورفع مستوى التعليم الاساسي.

ويرى خبير اجنبي في مجال التعليم ان الاصلاحات ستتطلب سنوات. ويوضح الخبير الذي فضل عدم كشف اسمه، ان المعاهد في السعودية موجودة وفاعلة، الا انها معاييرها لا تزال دون المستوى المطلوب.

ويعد المعهد العالي للصناعة البلاستيكية من الاكثر تطورا بين زهاء 240 معهد ومدرسة تتبع للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. وتؤكد المؤسسة الحكومية ان مقاربتها فريدة، اذ ان التعاون بين المعاهد والشركات يتيح للطلاب الحصول على تدريب ووظيفة في الوقت نفسه.

ويقول المدير التنفيذي للمعهد خالد الغفيلي ان المنشأة تتماشى مع اهداف خطة الاصلاحات الاقتصادية "منذ اليوم الاول لبدء تدريب" الطلاب.

ويوضح ان النشاط يوميا يبدأ ببعض التمارين الرياضية والتحقق من زي الطلاب، معتبرا ان ذلك يعزز "الانضباط" واخلاقيات العمل.

ويختتم الطلاب برنامجهم في المعهد باختبارات قبل الانتقال الى العمل.

ويرى عبد الله العامري (23 عاما) الذي سينال شهادته هذه السنة ان العديد من طلاب المعهد يطمحون لتأسيس شركات خاصة بهم "وهكذا يوفرون فرص عمل للاخرين".

وخرّج المعهد اكثر من الف طالب منذ تأسيسه عام 2007، سبعون بالمئة منهم يعملون في القطاع الخاص.

ويعرب الغفيلي عن رضاه عن نتائج المعهد، سيما وان الصناعات البلاستيكية في المملكة اعتمدت لفترة طويلة على العمالة الاجنبية.

الا انه يرى ان النجاح الاضافي سيكون عبر تطور القطاع من التركيز على السلع الاستهلاكية الى انتاج "اكثر اهمية"، ما سيزيد فرص العمل.

وحذر الغفيلي من ان "هذه المرحلة الانتقالية لن تكون سهلة".