نيويورك – صوت الإمارات
ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمة خلال مُشاركته في الحوار رفيع المستوى حول تنفيذ اتفاقية باريس حول تغير المناخ، والذى عقد تحت عنوان «نحو مؤتمر الدول الأطراف الرابع والعشرين وما بعده»:
وجاءت الكلمة على النحو الآتي:
«أصحاب الفخامة.. السادة الرؤساء،
السيد/ أنطونيو جوتيريش.. سكرتير عام الأمم المتحدة
السادة الوزراء،
أود التوجه بالشكر إلى سعادة السكرتير العام أنطونيو جوتيريش، على مبادرته بالدعوة لهذا اللقاء التشاوري، إعداداً للقمة المرتقبة المقرر عقدها العام المقبل، لتنسيق المواقف وحشد الجهود لمواجهة هذه الظاهرة بالغة الخطورة.
السادة الحضور،
لعله لن يكون من قبيل المبالغة، القول بأنه من بين القائمة الطويلة من التحديات التي تواجه عالمنا، فإن تغير المناخ يُعد أوسعها نطاقاً، وأكثرها إلحاحاً وحاجة للتحرك العاجل. فآثار تغير المناخ لا تقتصر على نطاق جغرافي دون آخر، ولن يقتصر التضرر منها على مستوى اقتصادي دون غيره، فالكل معرض دون استثناء لتحمل الثمن الباهظ، لذلك فعلينا العمل جميعاً على رفع الوعي بهذه القضية، وحشد الدعم لها، وإشراك كافة أصحاب المصلحة في جهود التوصل لحلول خلاقة، بحيث تحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية قبل نهاية القرن الحالي إلى أقل من درجتين مئويتين، قياساً بالفترة ما قبل الثورة الصناعية، مع العمل على رفع الطموح في هذا الخصوص لبلوغ هدف الدرجة والنصف مئوية.
من هنا، يأتي تمسكنا في مفاوضات تفعيل اتفاق باريس بصفتنا الوطنية – وأيضاً كرئاسة لمجموعة السبعة والسبعين والصين، فضلاً عن رئاستنا لمجموعة المفاوضين الأفارقة – بضرورة التوصل لصفقة متكافئة وعادلة، تتسق مع وتحفظ التوازن الذي عكسه اتفاق باريس بين كلٍ من الإجراءات المطلوبة والدعم المتوفر. وفى هذا المقام نشير مجدداً إلى ترحيبنا بالأفكار البناءة، الرامية لحشد التمويل من مصادر غير حكومية، إلا أننا في الوقت ذاته ننبه إلى أهمية عدم تحميل دولنا النامية أعباء إضافية جراء ذلك، أو التوسع في الاعتماد على القروض التجارية أو غيرها من أدوات تمويلية، قد يترتب عليها تفاقم في أعباء المديونية على الدول النامية.
فقد تنبهنا في مصر منذ فترة للآثار السلبية لتغير المناخ، سواء فيما يتعلق بالمخاطر التي قد تهدد دلتا نهر النيل بسبب ارتفاع منسوب البحر المتوسط وازدياد ملوحة التربة، فضلاً عن الآثار المحتملة لتغير المناخ على نهر النيل شريان الحياة للمصريين عبر آلاف السنين، كما نشهد ظواهر غير معهودة ومتزايدة في القسوة وفي الوتيرة على السواء في شكل عواصف ترابية وتزايد في التصحر وموجات من السيول، وكذلك تأثّر الحياة البرية والبحرية وتنوعنا البيولوجي سلباً بالتغير والتقلب الذي نشهده في الظواهر المناخية.
ورغم احتياجنا الملح لمصادر متنوعة وغير مكلفة من الطاقة لدفع جهودنا التنموية، فقد خطونا خطوات هامة على طريق الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما اتخذنا القرار الصعب بالخفض التدريجي للدعم الحكومي على الوقود الأحفوري، ونفذنا العديد من المشروعات الرامية لتقليل الانبعاثات الكربونية.
ومصر ليست وحدها في التضرر من هذا كله، فقارتنا الإفريقية تُعد ربما الأشد تضرراً من بين جميع القارات بهذه الظاهرة، على الرغم من كونها الأقل إسهاماً في مسبباتها، ولذلك فقد شاركت بصفتي رئيساً للجنة الرؤساء الأفارقة المعنيين بتغير المناخ في مؤتمر باريس عام 2015، وأسهمنا قدر استطاعتنا في التوصل إلى التوافق الصعب الذي تحقق حينذاك، كما حرصنا على الإسهام في الجهد الدولي، باطلاق مبادرتين إفريقيتين مهمتين، تتناول إحداها موضوع الطاقة المتجددة والأخرى موضوع التكيف في إفريقيا.
ختاماً، أود أن أؤكد قناعتنا الراسخة بإمكانية التوصل لحلول لمشكلاتنا هذه، حال توافرت الإرادة السياسية لذلك، كما أن النجاح في جهودنا يتوقف بالكامل على قناعة كل الأطراف الدولية، حكومات ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدني ورجال أعمال وباحثين ومبتكرين وغيرهم، بأن مستقبل هذا العالم الذي نعيش فيه يتوقف على صدق تعاونهم وتكامل جهودهم، فالالتزام كبير، والخطر أقرب مما نتخيل، وبالتالي فعلينا جميعاً تحمل مسئولياتنا أمام الأجيال المقبلة.
كما أؤكد لكم سعادة السكرتير العام، استعدادنا الكامل للتعاون معكم في تحرككم الهادف لحشد الجهود في هذا الخصوص، وعلى رأس ذلك ما يخص القمة التي تعتزمون الدعوة لها عام 2019، والتي سيسعدنا الإسهام فيها بكل إيجابية وبروح التعاون مع كافة الشركاء.