القاهرة_ صوت الإمارات
أوعز الرئيس عبد الفتاح السيسي في ختام مؤتمر الشباب الشهري، السبت 10/12/2016، إلى الحكومة ومجلس النواب، بالانتهاء من تعديل قانون التظاهر خلال 15 يوما.
هذا الإيعاز يحسم الجدل الذي استمر نحو ثلاث سنوات، شهدت خلالها الساحة المصرية حالة من الخلاف حول ما تضمنه القانون من إجراءات، وما انتهى إليه من عقوبات.
التطور الأهم في هذا الشأن، ترتب على الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في الثالث من ديسمبر /كانون الأول الجاري، والذي قضى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013، الصادر خلال حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، وسقوط نص الفقرة الثانية من هذه المادة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
المحكمة الدستورية أقامت حكمها على سند من أن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود، ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة، وفي الصدارة منها الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي، لكيلا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. وكان تطوير هذه الحقوق وإنماؤها عبر الجهود المتواصلة، الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبا أساسا توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها. وأنه وإزاء ذلك، فإذا كانت الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية قد خالف هذا النظر، فمنحت وزير الداخلية ومدير الأمن المختص حق إصدار قرار بمنع الاجتماع أو التظاهرة المخطر عنها أو إرجائها أو نقلها، فإنها تكون بذلك قد مسخت الإخطار إذنا، مما يوقعها في مخالفات دستوريتها، ومن ثم يتعين القضاء بعدم دستوريتها.
وفي الوقت الذي جاء فيه الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قانون التظاهر، رفض الحكم الطعون كافة التي انصبت على المادتين السابعة والثامنة من القانون، بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، واللتين تنظمان جريمة المشاركة في تظاهرة من دون إخطار الجهات المختصة، ترتب عليها تعطيل مصالح المواطنين، وتعطيل حركة المرور، والعقوبة عنها.
كان الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة العاشرة، يعني بحسب رأي عدد من القانونيين أن المحكمة الدستورية العليا قضت بدستورية قانون التظاهر وسريان مفعوله، وأضفت الشرعية الكاملة على كل الإجراءات التي اتخذت بشأن المتظاهرين في الفترة السابقة، ثم، لم يعد أمام المسجونين على ذمة قوانين التظاهر إلا قرارات العفو الرئاسية، وهو ما دفع بالقوى السياسية إلى مواصلة مساعيها من أجل إحداث تعديلات على قانون التظاهر عبر مجلس النواب، تحدث نوعا من القبول لدى أوساط شبابية.
وكانت جبهة تطلق على نفسها "جبهة الدفاع عن الحريات" قد دعت أكثر من مرة إلى إدخال تعديلات جوهرية على قانون التظاهر، ووضعت عدة معايير، مطالبة الحكومة بالتقيد بها، وأبرزها التزام التعديلات بالنص الدستوري من دون مراوغة، بإلغاء المواد الثامنة والعاشرة والحادية عشرة، وإلغاء المواد كافة التي تتضمن جرائم، مثل العنف وقطع الطرق وغيرها، مما يندرج في قانون العقوبات متصلا بأعمال العنف والشغب، وتطهير القانون الجديد من العقوبات، وأن تكون ممارسة الحق في التظاهر بالإخطار، وتقليل مدته إلى 48 ساعة فقط، وأن تمتنع أجهزة الأمن عن ممارسة النقض في منع وتعطيل المواكب والتظاهرات السلمية، ويكون لزاما عليها التوجه إلى القضاء في حال رفض الأمن للتظاهرة، على أن يكون الفيصل حكم القضاء، والفصل فيه يتم قبل موعد التظاهرة، فضلا عن المطالبة بإلغاء عقوبات الحبس الواردة في القانون الحالي، والتي تصل إلى السجن خمس سنوات، وغرامة 100 ألف جنيه، فيما تسمى جرائم الرأي، والاكتفاء بغرامات محدودة لمخالفي القانون، وضرورة مراعاة أجهزة الأمن مبدأ التدرج في فض التجمعات والتظاهرات السلمية، وإصدار قانون بالعفو العام عن كل سجناء الرأي.
وقبيل التوجيه، الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي مساء السبت الماضي بشأن تعديل قانون التظاهر في غضون خمسة عشر يوما، كانت الحكومة قد أعدت تعديلا للمادة العاشرة من القانون، والتي قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتها، حيث نص التعديل على أنه "لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص في حال حصول جهات الأمن، وقبل الموعد المحدد للتظاهر على معلومات تهدد الأمن العام، يتم إرسال خطاب إلى قاضي الأمور الوقتية والمختصة، إما بإلغاء أو نقل أو إرجاء التظاهرة أو الموكب أو الوقفة الاحتجاجية للبت فيها". هذا التعديل قوبل حتى اللحظة بتحفظات من بعض الجهات، التي رأت أن هذا التعديل يعد التفافا على القانون، وتحايلا من قبل الحكومة لإبقاء سيطرتها على الأوضاع عبر منع التظاهر، الأمر الذي نفاه المستشار بهاء الدين أبو شقة رئيس لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب، والذي أكد أن تعديل الحكومة للمادة العاشرة من قانون التظاهر، جاء تفعيلا لحكم المحكمة الدستورية العليا وما جاء فيه من أسباب، وبذلك نكون أمام نص يتسم بالمشروعية الدستورية، ولا يجوز اتهامه بعدم الدستورية، كما يفعل بعضٌ.
وأكد أبو شقة أن إلغاء وزير الداخلية أو مدير الأمن للتظاهرة أو الاجتماع يجرد فكرة القانون من الحق الذي كفله، وهو "التظاهر بالإخطار"، "لذا ضمنت المحكمة الدستورية هذا الحق، وحق إبداء الرأي، ووضعت الأمر أمام رقابة قضائية، وهو قاضي الأمور الوقتية، لنكون أمام رقابة إدارية، حتى لا تنفرد السلطة التنفيذية بحق منع التظاهر، مشيرا إلى أن البرلمان سيدرس التعديل جيدا عبر إجراء المناقشات، ثم وضع تقرير خاص لعرضه على الجلسة العامة بالبرلمان، للتصويت عليه.
وفي مطلق الأحوال، أصبح الجميع يترقب باهتمام بالغ التعديلات التي سيقرها البرلمان، في حال عرض القانون عليه، في مدة لا تتجاوز الأسبوعين.