المحكمة الاتحادية العليا

رفضت المحكمة الاتحادية العليا طعن مدير شركة بناء ومشرف عمال، ضد حكم قضى بإدانتهما بالتسبب خطأ في وفاة عامل، لعدم توفير وسائل الأمن والسلامة، وألزمتهما بسداد مبلغ 200 ألف درهم، دية شرعية لورثة المتوفى.

ووجهت النيابة العامة إلى المتهمين التسبب، بخطئهما، في المساس بسلامة عامل، نتيجة إهمالهما، وعدم احترازهما، وإخلالهما بما تفرضه عليهما أصول مهنتهما، ومخالفتهما القوانين واللوائح والتعليمات، إذ لم يوفرا وسائل الأمن والسلامة في موقع العمل، ما نجم عنه سقوط المجني عليه ووفاته، وطلبت معاقبتهما.

وقضت المحكمة الابتدائية بتغريم كل منهما 2000 درهم عما هو منسوب إليه، مع إلزامهما بسداد مبلغ 200 ألف درهم دية شرعية لورثة المتوفى. ولم يرتض المتهمان الحكم، فطعنا فيه بالاستئناف، وقضت محكمة الاستئناف بالحكم الأول.

ولم يلق هذا القضاء قبولًا من طرف المتهمين، فطعنا عليه بالنقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها، طلبت عبرها رفض الطعن.

وأوضح دفاع المتهمَين، إن موكليه دينا على الرغم من توفيرهما مواد الأمن والسلامة، المسؤولين عنها، طبقًا لعقد المقاولة من الباطن، وهي ملابس العمال الخاصة بالعمل (اللباس، والخوذة، وحذاء الأمان، وحزام الأمان)، على الرغم من أنها لا تخدم، ولا تحمي مرتديها في حال سقوطه من مكان مرتفع، مضيفًا أن "وفاة المجني عليه كانت بسبب عدم توفير وسائل الأمن والسلامة المتمثلة في الحواجز أو الألواح المثبتة على السقالات"، شارحًا أن "المقاول الرئيس ــ وهي شركة مقاولات عامة ــ توقف عن استكمالها بعد الطابق الخامس".

وتابع الدفاع أنه طلب إحالة الدعوى إلى النيابة العامة لإدخال المهندس المسؤول في الشركة، كمتهم، لكن المحكمة لم تستجب للطلب، مؤكدًا "عدم وجود خطأ جنائي مرتكب من طرف المتهم الأول، مدير وشريك شركة مقاولات البناء التي تتولى أعمال النجارة في موقع العمل العائد للمقاول الرئيس، ولا المتهم الثاني، وهو مجرد مشرف أعمال نجارة. وبالتبعية فإنهما لم يكونا متسببين في وفاة المجني عليه بأي فعل مؤثم، وما دام أن حكم الاستئناف أسند إليهما الإخلال بما تفرضه عليهما أصول مهنتهما، من دون أن يبرز ذلك الإخلال، فإنه يكون مشوبًا بالقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، بما يستوجب نقضه".

ورفضت المحكمة الاتحادية العليا، طعن المتهمَين، موضحة في الحيثيات، أن من حق محكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه، ما دام لهذا الدليل مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى، ولا تلتزم المحكمة في هذا الصدد بمتابعة المتهم في عناصر دفاعه المختلفة، والرد على كل شبهة أو طلب يقدمه على استقلال.

وأشارت إلى أن حكم الاستئناف بين الواقعة المستوجبة للعقوبة، تحققت فيه أركان الجريمة، والظروف التي وقعت فيها، من كون المجني عليه عاملًا لدى مقاول الباطن، في الشركة التي يعمل فيها المتهمان، الأول مديرًا لها وشريكًا فيها، والثاني مشرفًا على العمال فيها، وأن المجني عليه ــ التابع للمقاول من الباطن ــ سقط أثناء قيامه بعمله من الطابق الـ19 إلى الطابق الخامس، نتيجة هشاشة الخشب الذي كان يقف عليه، وعدم ارتدائه حزام الأمان، ما أدى إلى إصابته بإصابات جسيمة عدة في عموم جسده، أدت إلى وفاته.

واشتمل الحكم المذكور على الأدلة التي استخلص منها إدانة المتهمَين بالمنسوب إليهما، من كون المتهم الأول قرر في تحقيقات النيابة العامة أن طبيعة عمل المجني عليه تتطلب وجوده في الموقع الذي سقط منه، وأنه لا يعلم ما إذا كان العامل المتوفى يضع حزام الأمان من عدمه، وما قرره المتهم الثاني لدى الجهة نفسها من أن المتوفى لم يكن مرتديًا حزام الأمان (الذي لم توفره له الشركة). واستخلصت المحكمة إهمال المتهمين كصورة من صور الخطأ المستوجب للمسؤولية الجنائية، نتيجة إخلالهما بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون، وتحتمها أصول مهنتهما.

وأوضحت أن نشاطهما السلبي، المتمثل في الامتناع عن واجب قانوني، يملي عليهما توفير حزام الأمان، والاطمئنان إلى صلابة الخشب، كان السبب المباشر والفعّال في وفاة المجني عليه