لندن ـ وكالات
صدر للشاعر العراقي فاضل السلطاني، بالانجليزية قبل أيام كتاب ‘فيليب لاركن .. شاعرا لا منتميا.. تصعيد العزلة، والجنس، والعادي’ عن دار ‘ميرا’ البريطانية.
في المقدمة، كتب المؤلف يقول: ‘لم تزدهر في بريطانيا ظاهرة الأدب اللامنتمي لأسباب اجتماعية وثقافية كثيرة تتعلق بهذا البلد، مثلها مثل السريالية إذا استثنينا الشاعر ديفيد غاسكوين الذي عاش لفترة في فرنسا. وربما لهذا السبب لا نجد دراسات نقدية تناولت هذه الظاهرة، كما في فرنسا، باستثناء كتاب ‘ اللا منتمي، الذي صدر عام 1956، وركز بشكل أساسي على الكتّاب الأجانب، ما عدا تي.إي. لورنس، صاحب’ أعمدة الحكمة السبعة’ وأتش. جي. ويلز. ومن هنا، ربما، لم يتناول النقد البريطاني فيليب لاركن كشاعر منتم، ما عدا إشارات إلى عدم زواجه، وانعزاله. وهذا ليست له علاقة بالطبع بظاهرة الانتماء كنزعة فلسفية ممكن أن نجد جذورها في كتابات الفيلسوف الدانماركي سورين كيركيغارد، وفي ما بعد في الفلسفة والأدب الوجوديين’.
ويرى السلطاني أنه نتيجة غياب هذا المنظور، نُظر إلى لاركن باعتباره شاعرا متناقضاً، أو غامضا . وهما فرضيتان لا تصمدان أمام البحث، إذ أن هناك، خلف التناقض الظاهري، وحدة فكرية تنظم كل قصائد الشاعر منذ الثلاثينيات وحتى الثمانينيات في ما يخص الحياة والفن، والذات والآخر، والعزلة والانتماء، والقلق والوجود، وحرية الاختيار، والحب والجنس. وهي الموضوعات الكبرى التي شغلت الإنسانية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وما تزال تشغلها لحد الآن.
قسّم المؤلف دراسته إلى ثلاثة فصول. تناول الفصل الأول، الذي جاء بعنوان ‘تصعيد العزلة’، القصائد الأولى للشاعر التي يبرز فيها نزوعه المبكر نحو الانعزال، وغربته عن بيئته الأولى وحتى عائلته، وكذلك عدم توافقه مع القيم الزائفة السائدة في مجتمعه. وهنا يناقش السلطاني طروحات قسم من النقاد البريطانيين الذين تناولوا هذا الفترة من حياة وتجربة الشاعر، مفسرينها تفسيرا نفسيا في ضوء منهج فرويد، كالرغبة غير الواعية بالموت، والنزعة النهلستية (العدمية). ويعقد المؤلف مقارنة بين بطل رواية ‘الجحيم’، للروائي الفرنسي هنري باربوس وبين بازروف، بطل رواية ‘آباء وبنون’ لتورجنيف، التي يعتبر أول شخصية روائية نهلستية، بالمعنى الفلسفي، في الأدب الإنساني، نافيا نزعة النهلستية عن لاركن، كما يذهب كثير من نقاده، مستندا إلى مفهوم نيتشه عن’ العدمية، وهو مفهوم أسيء فهمه كثيرا، حسب رأي المؤلف.
أما في الفصل الثاني ‘تصعيد الجنس′، فقد ركز السلطاني على قصيدة واحدة للاركن هي’ نوافذ عالية’، التي لا تتجاوز عشرين بيتاً، لأن هذه القصيدة، كما يقول، ‘تلخص، بأسطر قليلة، كثيرا من رؤى لاركن كشاعر وإنسان، تجاه الحب والجنس، والعزلة والحرمان، بالرغم من تعقيدها الظاهري لأنها تتحرك بين الماضي والحاضر، والعادي والسامي، والشخصي والعام، والذهني والمحسوس، مما قاد إلى تفسيرات نقدية متناقضة’.
ومما زاد من غموض هذه القصيدة التكنيك الذي اتبعه الشاعر في تصعيد موضوعه الحسي إلى درجة ‘السامي’ Sublime، الذي قسمه الفيلسوف (كانت) إلى قسمين: ‘السامي الديناميكي’، ويعني به إدراكنا، بينما نحن نتأمل قوة مروعة، إن هذه القوة ستجلب معها دمارنا. والقسم الثاني هو: ‘السامي الرياضي’، وهو يبزغ، حسب كانت، عندما نتأمل شيئا جسيما، ونحاول أن نستوعبه ككل’.
في الفصل الأخير’تصعيد العادي’ يعالج المؤلف علاقة لاركن بالناس العاديين الأبرياء والتلقائيين، الذين أحبهم لاركن، مقابل الناس المتصنعين، والبرجوازيين الذي لا يهمهم شيء سوى مراكمة المال واستغلال رغبات الناس الطبيعية، وكذلك أولئك الذي يحركهم ‘عقل جماعي واحد’. وشعرياً، يستعرض الكتاب موقف لاركن الرافض للشعر الحديث لأنه ‘يأخذنا بعيدا عن الحياة التي نعرفها’، وكذلك رأيه في شعر اليوت وباوند اللذين لا يستسيغهما لاركن ‘ لامتلاء شعرهما بأساطير العالم القديم التي لم تعنِ سوى القليل’ ومن هذه الناحية، يقارن السلطاني بين لاركن والشاعر جون بنجامين من جهة، وبين لاركن وشعراء مدرسة نيويورك الشعرية، الذين تعاملوا مع الأشياء اليومية من أجل ذاتها، بينما عمل لاركن على إعادة خلق العادي، من خلال عملية التراكم، ثم الارتفاع بها إلى مستوى ‘السامي’.
الكتاب هو أصلا بحث مقدم إلى قسم ‘الأدب الحديث والمعاصر’ في كلية بيربيك، جامعة لندن، وأجيز بدرجة جدارة.
أرسل تعليقك