ملكوت هذه الأرض لهدى بركات تصف حروب لبنان
آخر تحديث 16:54:37 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

"ملكوت هذه الأرض" لهدى بركات تصف حروب لبنان

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - "ملكوت هذه الأرض" لهدى بركات تصف حروب لبنان

بيروت ـ وكالات

في رواية «ملكوت هذه الأرض» تكتب الروائية اللبنانية هدى بركات بطريقة أخاذة مؤثرة ووصف جذاب، وقدرة على نقل الأفراح والأحزان إلى القارئ فتصور جماعة لبنانية في معقلها الجبلي، وتتحدث عن حروبها وأيامها الحلوة، وعن تقاليدها وأوهامها وعن تحكم الإقطاعي ورجل الدين فيها. تبدأ هدى بركات سردها متناولة فترة من الزمن، تمتد نحو قرن في الماضي، لتصور لنا هذا المجتمع الصغير، وما لحق به من تطورات مع دخول مظاهر الحياة الحديثة اليه. في أحيان كثيرة، تدخل اللغة المحكية إلى روايتها وهو أمر رغم غرابة بعض تعابيرها ومصطلحاتها، يجعل النص أكثر حياة وواقعية. نستطيع ان نقول بموضوعية إن هدى بركات في هذه الرواية تكتب بطريقة ساحرة، وأن نصها يمسك بالقارئ، بل يشده إليه بمتعة وشبه خدر لذيذ. وهي في الحديث عن حروبه وعداواته، تشير الى عداوة قديمة قامت بين بلدة هذه الجماعة، وهي بشري وبين بلدة مسيحية مارونية أخرى أيضا في جبل لبنان الشمالي هي زغرتا التي ينتقل أهلها صيفا إلى أهدن القريبة من بشري. وقد تحولت البلدتان الان إلى مدينتين. الرواية الطويلة، جاءت في ?351 صفحة متوسطة القطع، وصدرت عن «دار الآداب» في بيروت. كتب الناشر عن الرواية كلاما لابد للقارئ من أن يخرج بما يشبهه بعد قراءتها. فقال «بين الخرافة السحرية والوقائع المدونة بخفة الحكاية الشعبية لتاريخ لبنان، تعيش شخصيات عائلة (المزوّقية) في المرتفعات الشمالية حيث يتحصن هؤلاء الموارنة من أعدائهم الكثيرين وحيث تمر الحروب على مدى قرن». فيموت المزوّق الأب بردا على قمم ضهر الجرد الثلجية، فيسير ابنه طنوس بالحكاية ثم تلتحق به أخته سلمى. بين أديرة الوادي المقدس، وسير البطولات المحلية الآسرة، يختلط حب الموطن بغياب الوطن. في «ملكوت هذه الأرض»، نقرأ عن أفراح هؤلاء الناس البسيطة، وعن شظف عيشهم، عن لهوهم السعيد وأوهامهم الكثيرة، وحكايات الأقدار الآيلة إلى الأسى. تسيطر على كثير من افراد هذه الجماعة عقد ذنب، ومصائر تبدو مكتوبة عليهم، بعضها ليس من صنعهم هم، بل ورثوه عبر تراثهم الايماني، وهو «الخطيئة الأصلية»، التي تلحق بالمسيحي، وعليه أن يكفر عنها طوال عمره. إلا أن مشاعر الذنب الأخرى، تنتج عن أحداث في حياتهم الحالية، نحن الآن نتكلم عن عائلة المزوّقية. طنوس، الشخصية الأبرز في الرواية مع شقيقته سلمى، يمر بأكثر من حال من حالات الشعور بالذنب. وسيطر عليه شعور بأنه وهو الولد الصغير ما كان يجب أن يطيع والده الذي أمره بأن بتجه الى القرية، وبقي هو في الجبل حيث قضى «وافترسته الذئاب والضباع». وفضلا عن الشعور الموروث وهذا الشعور الجديد، نجده بعد أن حاول الانضمام الى الرهبان، والتحول إلى واحد منهم وبعد عدم قبوله في سلك الرهبنة، وقد تفاقمت حدة مشاعره، إذ خيل اليه ان المسيح لا يحبه ولذا فقد رفض في سلك الرهبنة. ثم إن طنوس وشقيقته وصهره نجيب وجدوا أنفسهم في وضع لم يكونوا يتصورونه، انجروا اليه بسبب الخمر اذ اضطروا بل اضطر نجيب إلى قتل ضابط فرنسي، كانوا في سبيل القيام بنوع من العمل التجاري السري معه. هرب طنوس الى سورية، وأشيع في البلدة أنه سافر الى استراليا. وغاب سنوات هناك حيث بقي سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجلاء الفرنسيين. عمل في الغناء، اذ كان صوته جميلا كما كان صوت والده الراحل. بعد هذا الحادث رافقه كما رافق اخته سلمى هذا الشعور الجديد بالذنب. وبدا طنوس أحيانا حيث كان يحاكم نفسه بمرارة أشبه ببطل فيدور دوستويفسكي في «الجريمة والعقاب»، كأنه يبحث عن عقوبة. وزاد من شعوره بالذنب وبعدم الجدوى أنه كان قد احب حلا ابنة عمه، وتركها تذهب الى شخص غيره تتزوجه. اما سلمى تلك التي كانت مثل شمعة تحترق من اجل العائلة فهي بعد أن كبرت كانت تحاكم نفسها وتقول لذاتها إنها لم تفعل ذلك تضحية من اجل إخوتها وأخواتها، بل لأنها لم تعرف الحب ولم تهتم بأحد من الرجال ربما لخلل في نفسها، كما صارت تعتقد. وتتغير أمور في البلدة، إذ ان هذا المجتمع الزراعي البسيط سرعان ما دخلت إليه مظاهر الحضارة، في صورة الفنادق ومؤسسات التزلج على الجليد، في تلك المنطقة التي تعتبر الأكثر ارتفاعا في لبنان. وكبطل ارنست همنجواي في «العجوز والبحر»، الذي نظر الى السمكة الكبيرة التي اصطادها، فوجد لما وصل إلى المرفأ انها ليست أكثر من عظام. حدّث طنوس سلمى عن العمر ومرّ الزمن، فقال «افكر اننا بعد خروجنا هكذا من الحياة وبعدما عدنا الى مرتفعاتنا الثلجية هذه كرعيان خائبين، قد اضاعوا قطعانهم ينبغي ان ننسى، ينبغي ان نترك الكلام لمن سيأتي بعدنا، فنحن الذين لم نفهم ما الذي حدث لحيواتنا في الماضي، علينا ان نترك الرواية لفصول آتية لا نقدر الان على ان نتخيلها، ولو في الاحلام». «وأعرف كم شاخ صوتي، وكيف انطفأ في حلقي وفمي، ومع هذا يخطر لي احيانا ان أغني بما تبقى لي منه، فأغني لوحدي، هكذا، أكوّر كفي حول أذني، وأغني». رواية هدى بركات هذه، عمل مهم وقراءة ممتعة نادرة.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملكوت هذه الأرض لهدى بركات تصف حروب لبنان ملكوت هذه الأرض لهدى بركات تصف حروب لبنان



GMT 01:28 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

"أنت تشرق. أنت تضيء" رشا عادلي ترسم لوحة مؤطرة

GMT 05:28 2022 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حسن خلف يصدر دراسة أسلوبية لسورة القمر

GMT 01:16 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 00:28 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 12:02 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates