القاهرة -صوت الامارات
يتناول كتاب «غزو المصطلحات.. المجتمع المدني السوري نموذجاً»، لمؤلفته حسيبة عبد الرحمن، موضوع مؤسسات المجتمع المدني في سوريا، منذ نشأتها وحتى اليوم. وهي تعطي حيزاً واسعاً من دراستها لتلك المؤسسات التي ترافقت نشأتها مع الأحداث في سوريا التي بدأت في العام 2011..
وتأتي دراستها، في ظل ومن منطلق، الحاجة إلى تفعيل عمل هذه المؤسسات، وهي حاجة تفرض نفسها في هذه الظروف المأساوية والمؤسفة مع تزايد أعداد المهجرين وطالبي اللجوء، كما تبين الكاتبة، والذين هم بحاجة ماسة إلى مساعدات عينية تشمل الغذاء والكساء والرعاية والمأوى.
لا تعرض الباحثة لموضوعها من موقع المؤرشف والموثّق، فهي واحدة ممن عاش تفتح هذه المؤسسات، وخبرت الهراء والتآكل والاستئثار والطمع وعاينت حجم الفساد وأجندات التمويل المشبوهة ومزاريب الهدر والسرقات فيها. وهذا ما جعل من بحثها مُعاينة ميدانية موثقة بالأسماء والأرقام.
في المقدمة تبين آراء الباحثين والفلاسفة وعلماء الاجتماع لنشأة المجتمع المدني عبر التاريخ، فتعرض لكمٍ من النظريات والمفاهيم والآراء، التي تناولت تعريفاته الأولى.
توضح المؤلفة أنه اختلف الباحثون حول نشأة المجتمع المدني، منهم من اعتبر نشأته تعود إلى الفكر الإغريقي، وإلى أرسطو الذي عرّفه بأنه «المجموعات البشرية المرتبطة بمراكز الحضارة المدنية البعيدة عن صلات القرابة القبلية والدينية».. وآخرون ينسبونه إلى أفلاطون أو فلاسفة آخرين.
لكن مفهوم المجتمع المدني كما توضح الباحثة، برز ظاهرياً مع الثورة الصناعية وصعود الرأسمالية وتطورها.
وتحيل الباحثة تعريفها لمفهوم المجتمع المدني إلى ما جاء في وثائق الأمم المتحدة، وتوجز مندرجاته بالقول، إنه يمثِّل كيانات غير هادفة للربح. أعضاؤه مواطنون ينتمون إلى دولة واحدة. أو أكثر، تتوزعهم منظمات غير حكومية. ومن أبرز مقوماتها: الفعل الإرادي الحر، التسامح وقبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين، عدم السعي للوصول إلى السلطة التمتع بالاستقلالية لا تهدف إلى منفعة أو ربح. وهي تضم النقابات والأحزاب والجمعيات.
وتلقي الباحثة نظرة بانورامية شاملة على نشأة الجمعيات الأهلية في سوريا، وهي ترى في هذا الصدد أن أول جمعية أهلية في سوريا أنشئت في دمشق عام 1880.
في حين تشكّل أول مُنتدى أدبي نسائي قبل هذا التاريخ، وتحديداً في العام 1849.. وأسسته ماريا مراش في حلب. وتُحصي أكثر من 600 جمعية نشطت أيام الاحتلال الفرنسي. وبعد صدور قانون الجمعيات بُعيد الاستقلال، تأسست جمعيات خيرية وصحية عدة. وشرع يتراجع عمل هذه الجمعيات، كما تُوضح الكاتبة، مع صعود حزب البعث إلى السلطة.
وتُجري الباحثة مسحاً ميدانياً لمؤسسات المجتمع المدني، وتحديداً تلك التي فرضت نشأتها الظروف الإنسانية والاجتماعية الملحة، مع اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، وتحولها إلى صراع مُسلح نتج عنه الكثير من المآسي، فبرزت الحاجة إلى مؤسسات ترعى المهجرين والمشردين والمعاقين والجرحى والأيتام والأرامل. وتداعت لتقديم المساعدات الإغاثية والإيوائية والدعم المادي والصحي للأسر المنكوبة.
وتفضح الباحثة دور العديد من هذه الجمعيات والمنظمات والهيئات. فتعاين حالات الفساد وسرقة الأموال ومواد الإغاثة وما رافقها من شبهات، واعتراها من فوضى، سواء في تدفق الأموال والتمويل والسلع وانعدام الشفافية وخضوعها للتلاعب والمساومة والنهب، وهذا الأمر لم يقتصر على منظمات المجتمع السوري بل تعداه إلى الأدوار المشبوهة للمؤسسات الدولية تبعاً للتقارير الواردة عن فضائح الهدر والسرقات.
أرسل تعليقك