أسدل ملتقى الشارقة للسرد الستار - أمس بقاعة المؤتمرات في مدينة الاقصر المصرية - على فعاليات الدورة الـ 14 الذي ينطلق للمرة الأولى خارج الإمارات تنفيذا لتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وبمشاركة روائيين ومبدعين عرب تجاوزوا الستين روائيا يناقشون الاتجاهات الجديدة في الرواية والتداخلات الفنية بين السرد والفنون الأخرى.
وتقدم المشاركون من روائيين وقصصيين وأكاديميين ونقاد عرب بجزيل الشكر الى مقام صاحب السمو حاكم الشارقة على هذه النقلة النوعية للملتقى وثمّنوا دور الشارقة التنويري الذي يصل بإشعاعه الحضاري الى كافة أنحاء الوطن العربي الكبير.
وناقش الملتقى في ختام أعماله ثلاثة عناوين متنوعة إذ بدأت الجلسة الأولى بعنوان "القصة القصيرة جداً ومحاولات التأطير" فيما تناولت الجلسة الثانية "تحولات القصة القصيرة بين الجماليات والضرورة" بينما منحت الجلسة الأخيرة المنصة للقراءات القصصية.
وقد أدار الدكتور يوسف فهري من المغرب أعمال الجلسة الأولى في الوقت الذي شارك فيه كل من عذاب الركابي من العراق والدكتور عادل عوض من مصر وسعاد مسكين من المغرب ببحوث نقاشية أحالت الجلسة إلى تساؤلات سردية من مداخلات المشاركين.
واستهل الركابي حديثه تحت عنوان "القصّة القصيرة جداً كتابة قديمة أم مستحدثة ؟ .. لحظة تجريب إبداعي أمْ محاكاة؟" ..وقال إن تتعدد آراء النقّاد والكتّاب في قديم هذا النوع من الكتابة أو حديثه من دون الخروج من متاهته بلا انتهاء والعودة به تاريخياً إلى أنه " مستورد من أمريكا اللاتينية" .. مشيرا إلى أن القصّة القصيرة جدا قد أخذت تقنية " النثرية الخطابية " أو " النثرية الإخبارية " بنصّ أرنست همنغواي 1952 الذي لا يتجاوز السبع كلمات : " للبيع ، حذاء لطفل ، لم يُلبس قط" .
وتناولت ورقة الركابي آراءً متباينة - متفق ومخالف - حول القصة القصيرة جداً حيث يرى د. جميل حمداوي من وجهة نظره بأنها " جنس يتجدّد فنياً وجمالياً بالاختلاف عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى كالرواية والقصة القصيرة والأقصوصة " .. فيما جاء رأي د. حسين المناصرة " إنها غير قابلة للتأطير الجمالي السردي " أي افتقادها إلى العناصر الفنية للسرد وهي المعيار الفني المتبع في فنّي القصة القصيرة والرواية حيث يشير إلى أن في القصة القصيرة جداً فضاء مبيح للمبتدئين وتجاربهم الضحلة وما أكثرها في هذا النوع من الكتابة" وفقاً لورقة الركابي.
من جانبه قال الدكتور عادل عوض انه "مع كثرة الرؤى والمواقف كثرت الدراسات النقدية وتنوعت المداخل وتعددت المناهج تجاه النص القصصي القصير جدا حتى الانتهاء من قراءاته ومع انتشار المناهج الحديثة كان الوصف وكان التحليل وكان وجوب استخلاص النتائج التي نحسبها - في صورتها الموجبة - ستظل مرتبطة بمكونات النص ومكنونات صاحبه ومعبرة عن دخائله ودخائل علاقاته الإنسانية المتراكبة كما تظل المسائل مرتهنة بعلاقات المنشئ بالموروثات الأدبية وما يزال النص مفتوحا حتى على وجدان المتلقى يخاطبه بألفاظه وصوره المنتقاه الموروثة والمبتكرة مما يحتاج - بدوره - على وقفة تحليلية جامعة لكل هذه الأطراف".
وأشار عوض إلى أن الاهتمام بدراسة النص القصصي القصير جدا أو الإحساس بقيمته أو السعي وراء فهمه كان من وراء تعدد مداخل دراسته وتحليله فمنهم من يبحث عن العوامل الرئيسية المحددة للإبداع الفني للمؤسسات المعايشة للإنسان في الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومنهم من بحث سيرة الأديب ونفسيته من خلال أدبه موضحاً منهم من ركز الاهتمام النقدي حول النص بصرف النظر عن شخصية المبدع وميوله وتجاربه الخاصة ومنهم ذهب إلى البحث عن المعنى الأسطوري في النص من خلال الابتكارات الجماعية للعقل البشري.
من جانبها بدت سعاد مسكين متفقة تماماً مع الفن القصصي المستحدث معتبرة أن القصة القصيرة جدا نوع سردي حديث يندرج ضمن جنس كلي هو "القصة" موضوعه القصصية والقصر جداً هو تجريب لطرق جديدة في الكتابة آخذاً بعين الاعتبار أن التجريب هو إرادة مزدوجة: إرادة اللعب بتقنيات جديدة في الكتابة السردية وإرادة معرفية تنجم عن توليف بين التراكم القرائي وارتفاع سدى التجارب الحياتية.
وتناولت الجلسة الثانية موضوعاً مختلفاً في "تحولات القصة القصيرة بين الجماليات والضرورة" أدارها الدكتور محمد آيت مهيوب وشارك فيها الدكتور صالح الهويدي والدكتورة اعتدال عثمان والناقد شوقي بدر يوسف.
وقدم الدكتور الهويدي قراءة مفصلة حول جدل النقد والإبداع وهو موضوع أخذ حيزا كبيرا نظرا لأهميته في الإبداع السردي ..وأشار حول ما فهمه من عنوان الجلسة أن المقصود بـ"الضرورة " هنا مجموعة القواعد أو المقولات التي سبق للنظريات والمفاهيم الفلسفية أن صاغتها كلوائح أو "مانيفستو" بهدف إنجاز تصور للقالب أو الشكل السردي النظرية الأجناس والأنواع الأدبية للسير بموجبها من قبل الكتّاب فهل يمكن النظر إلى الضرورة على أنها الثابت مثلًا وإلى جماليات الفن القصصي على أنها المتغير .
وقال الهويدي إن القصة القصيرة ليست نبتة برية إنها فن أدبي يتخذ من اللغة أداة للتعبير عن بنيته ودالًا يحاول إيصال دلالته إلى قارئه عبر عنصر اللغة وهذا يعني أن هذا الفن يتضمن بعدًا اجتماعيًا وطبيعة إشارية تخييلية إلى جانب كونه يمثل بنية تخييلية تحمل محتوى يمثل رسالة هذه البنية فمن أين تستمد هذه البنية القصصية محتواها وعناصر بنيتها ووسائلها الفنية وقيمها الجمالية؟ لقد أكدت جلّ النظريات والمناهج النقدية حقيقة العلاقة ما بين الخطاب السردي والمرجعيات السياقية وجدل الحوار بينهما .
وأوضحت الدكتورة اعتدال عثمان التي تناولت القصة المصرية من خلال ورقة عمل إن الرحلة الزمنية الطويلة التي قطعتها الكتابة السردية القصصية منذ القدم حتى اليوم مرت بتحولات كبرى منذ الستينيات وذلك نتيجة لتغير طبيعة التجرية الحياتية التي عاشتها الأجيال المتتابعة وما يترتب على ذلك في المنحنيات التاريخية الفارقة من خلخلة النظم المعرفية السائدة وانعكاس ذلك بالضرورة على جماليات الكتابة وطرق التقنية وتغير طبيعة لغة السرد القصصي .
وذكرت أن هناك متغيرا تكنولوجيا ومعلوماتيا كاسحا أدى إلى تغير الطرق المألوفة في عملية استقبال العالم عبر شبكة المعلومات الدولية والتفاعل مع مستجداته بغير حدود حيث تتوالد المعلومات لحظيا بغزارة تحتمل تعدد التأويلات والاحتمالات كما تجتمع في سياقها المتناقضات وتتصالح الأضداد وقد تتصارع المتشابهات هذا العالم المتحول والمتجدد في كل لحظة يأتي إلينا بضغطة عابرة على لوحة الحاسوب أو الجهاز المحمول مما أدى إلى تغيير كثير من المفاهيم وبروز صيغة جديدة للحياة لم تكن موجودة من قبل أو على الأقل لم تتعرض لها الأجيال الأدبية السابقة بمثل هذه الكثافة.
وأوضح الناقد شوقي يوسف خلال مداخلته أن البناء الفنى يختلف فى القصة القصيرة بحسب رؤية الكاتب واستخدامه للتقنيات التى يراها صالحة لتحرير نصه القصصى وربما يكون المضمون والرؤية المفترض تناولها داخل النص لها دور كبير فى اختيار آليات الكتابة والتقنيات المناسبة لهذا النص والمتخيّل الأدبى له طرحه الخاص فى تحرير نص قصصي حكائي حيث يستمد من الحدس الذاتي رؤيته نحو محاولة فرض جماليات خاصة على النص ربما تأتي عن طريق اللغة وشاعريتها او عن طريق الحدث وحبكته او عن طريق فرض شخصيات بعينها لها دور محورى لتحرير النص .. مشيرا إلى أن القصة القصيرة اختراع إنساني قديم بدأت من الشفاهية والحكائية حتى انتهت إلى ما نحن فيه الآن من تجارب جمالية للقصة ترتبط ارتباطا كبيرا بحركة الحياة ومراحل تطورها وهنا أستطيع أن أقول أن تطور القصة القصيرة مرتبط بتطور القارئ وإقباله عليها".
أرسل تعليقك