أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه يريد تجنّب السياسات التي تجعل من الصعوبة بمكان على الدول الأخرى التعامل تجاريًا مع الولايات المتحدة، رغم أنّ إدارته تتبع سلوكًا معاكسًا تمامًا، في حين أشار إلى مباحثات لـ"صفقة تجارية" كبيرة مع الهند.
ترامب، الذي فرض رسومًا جمركية على واردات بقيمة مليارات الدولارات، ودخل في نزاعات تجارية مع معظم الشركاء التجاريين لبلاده في السنوات الثلاث الماضية، قال في سلسلة تغريدات على "تويتر" الثلاثاء: "لا نريد أن نجعل التعامل التجاري معنا مستحيلًا. هذا سيعني فقط أنّ الطلبات ستذهب إلى مكان آخر".
وأضاف: "لا يمكن للولايات المتّحدة أن تكون مكانًا يصعب التعامل معه فيما يخص شراء الدول الأجنبية منتجاتنا، بما في ذلك ذريعة حماية الأمن القومي المستخدمة دائمًا، مما سيجبر شركاتنا على المغادرة للحفاظ على قدرتها التنافسية"، مشيرًا إلى اهتمامه ببيع محركات طائرات نفاثة أميركية إلى بكين.
وفرض ترامب رسومًا على منتجات الصلب والألمنيوم في جميع أنحاء العالم، واصفًا تلك الواردات بأنّها تهديد للأمن القومي، وهدّد بالقيام بالمثل بالنسبة للسيارات الأوروبية.
وفي نزاعه التجاري الأكثر تكلفة، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية على جميع البضائع المستوردة من الصين تقريبًا، غير أنّ التوصل إلى هدنة مع بكين في يناير (كانون الثاني) الماضي أدى إلى تعليق أكثرها ضررًا، لكنّ معظم الرسوم بقيت في مكانها.
من جانبهم، لم يقف الشركاء التجاريون للولايات المتحدة مكتوفي الأيدي، فقاموا بفرض رسوم عقابية على البضائع الأميركية، مثل البوربون والدراجات النارية والمنتجات الزراعية، مما أجبر الحكومة الأميركية على تقديم مساعدات بالملايين لمزارعيها.
وفي النزاع الأخير حول الدعم الذي تتلقّاه شركة "إيرباص" من حكومات أوروبية، فرضت واشنطن رسومًا بنسبة 25 في المائة على مجموعة سلع بينها النبيذ الفرنسي والإسباني والأجبان البريطانية. كما فرض ترامب رسومًا على بضائع فرنسية ردًّا على الضريبة الرقمية.
ومع ذلك كتب ترامب: "أريد أن أجعل التعامل مع الولايات المتحدة سهلًا"، مؤكّدًا أنّ "الولايات المتحدة مفتوحة للأعمال التجارية".
وفي الواقع كانت الشركات الأميركية قد اضطرت إلى تغيير طبيعة عملياتها أو تقديم التماسات لنيل إعفاءات من السياسات التجارية المفروضة. وبطريقة مماثلة تحوّل الزبائن الأجانب للبضائع الأميركية إلى مصادر أخرى في كثير من الحالات.
وقالت تشاد باون، الخبيرة التجارية بـ"معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"، في دراسة حديثة إنّه "مع الجولات المتعاقبة من فرض الرسوم الجمركية، كان ترامب يدفع بمزيد من الشركات الأميركية كي تصبح حمائية". وأضافت: "بالنسبة لكثير من الأميركيين، فإن التكاليف المرتفعة التي ترتّبها رسومه، تعني أنّه ليس باستطاعتهم بعد الآن منافسة الشركات الأجنبية سواء في الولايات المتحدة أو في الأسواق العالمية".
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن هذا التدخل الرئاسي يمثل تراجعًا عامًا نادرًا عن السياسة المتشددة للإدارة الأميركية تجاه الصين، حيث تفرض الأولى قواعد أشد صرامة على مبيعات التكنولوجيا الأميركية الحيوية من أشباه الموصلات إلى محركات الطائرات للصين.
كما يأتي هذا التصريح في الوقت الذي يروج فيه ترامب للاتفاق التجاري المرحلي الأول بين الولايات المتحدة والصين، والذي يستهدف بيع منتجات أميركية بقيمة 200 مليار دولار؛ بما في ذلك الطائرات التجارية وغيرها من المنتجات الصناعية.
ومن المتوقع أن يقرر كبار المسؤولين الأميركيين بنهاية الشهر الحالي ما إذا كانوا سيحظرون بيع المحركات النفاثة التي تنتجها شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية بالاشتراك مع شركة "سافران" الفرنسية، إلى الصين لاستخدامها في صناعة طائرة الركاب ذات الممر الواحد "سي 919" الصينية التي يجري اختبارها حاليًا، من إنتاج "مؤسسة الصين للطائرات التجارية"، بحسب مصادر مطلعة.
ويخشى مسؤولون أميركيون من أن يؤدي بيع هذه المحركات للصين إلى مساعدة شركات "الهندسة العكسية" الصينية في استخدام تكنولوجيا هذه المحركات لتسريع وتيرة برامج تطوير المحركات النفاثة الخاصة بها.
من جهة أخرى، قال ترامب إن بلاده والهند تعكفان على اتفاق تجاري كبير، لكنه ليس واثقًا بما إذا كان سيُستكمل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومع توجه ترامب إلى الهند للقيام بزياته الرسمية الأولى يوم الاثنين، يسعى مفاوضون منذ أسابيع لوضع اتفاق محدود يمنح الولايات المتحدة وصولًا أكبر إلى أسواق منتجات الألبان والدواجن الهندية وخفض الرسوم الجمركية على سلع أخرى.
لكن لم يتم الإعلان عن انفراجة بعد، وجرى إلغاء زيارة مقررة للممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر، مما يبرز الصعوبات التي يواجهها الطرفان في تضييق هوة الخلاف قبيل زيارة ترامب.
وقال ترامب للصحافيين الثلاثاء خارج طائرة الرئاسة الأميركية بقاعدة "أندروز" المشتركة في ماريلاند: "يمكننا أن نحظى باتفاق تجاري مع الهند، لكنني أدخر الصفقة الكبرى لوقت لاحق". وأضاف في نص تصريحات وزعه البيت الأبيض: "نجري صفقة تجارة كبيرة جدًا مع الهند. سنحصل عليها. لا أعرف ما إذا كانت ستتم قبل الانتخابات، لكننا سنحصل على صفقة كبيرة جدًا مع الهند".
والولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين؛ إذ بلغ حجم تجارة السلع والخدمات بينهما مستوى قياسيًا عند 142.6 مليار دولار في 2018. وفي العام الماضي، سجلت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا سلعيًا بقيمة 23.2 مليار دولار مع الهند؛ تاسع أكبر شريك في تجارة السلع مع واشنطن.
قد يهمك ايضا
ترامب يستغل طول قامته للسخرية من خصومه والفوز في الانتخابات
لجنة لبسط سيادة إسرائيل على غور الأردن والبحر الميت بأوامر الرئيس الأميركي
أرسل تعليقك