الجزائر ـ عمر ملايني
عندما تبحث عنه في قاعة العرض تجده في الصفوف الأمامية بآلته الفوتوغرافية التي تحفظ له الصور التذكارية، مرة يُصوبها إلى الخشبة وأخرى إلى الجمهور، وهو في ذلك يحاول تثبيت الأشخاص في صورة داخل إطار.
هو الفنان والمخرج غنّام غنّام، الممثل والكاتب المسرحي، من مواليد أريحا في فلسطين عام 1955، بدأ كاتبا للقصة القصيرة، ممثلا مسرحيا فمخرجا، سافر في معظم الأقطار العربية، حضر العديد من المهرجانات المسرحية، فاستحق لقب " الرحالة غين".
وتمكنت "مصر اليوم" من إجراء حوار معه وإليكم نصه.
· ماذا قدم المسرح للقضية الفلسطينية ؟
عندما نتكلم عن المسرح فنحن نقصد الجاد، المنطلق من موقف فكري وفني، يجب أن تعرف أن المسرح طيلة عمره وهو يقدم للقضية الفلسطينية، ذلك أن القضية عالمية إنسانية وقومية، فضلا عن أنها وطنية، بمعنى أنك لما تكون في الجزائر فهي قضيتك، وكعربي هي قضيتك، وكمسلم هي قضيتك، وكإنسان حر هي قضيتك، لذلك الفن لا يمكن إلا أن يكون مع القضية الفلسطينية، والفنان الذي لا يكون مع القضية الفلسطينية فهو في اعتقادي ليس بفنان، لأنه يكون قد خرج من إنسانيته، أضف إلى ذلك أن القضية الفلسطينية أعطت الكثير من المخيال وأعطت الكثير من الدراما للمسرحيين لكي يشتغلوا عليها، ولكي ينجبوا أعمالا تكون إنسانية.
· إلى أي مدى سينعكس ما حدث في الوطن العربي على النصوص المسرحية ؟
يُفترض أنه ينعكس على الأشخاص الذين لم يكن لهم موقف مما حدث قبل أن يحدث، أما الذين تبنوا موقفا قبل الأحداث مدافعين عن الحرية فهم مؤسسون لهذا الكلام، يعني نصوص الكُتاب التَقدميين والمسرحيين التقدميين هي نصوص تدعو إلى الحرية والديمقراطية، وهي دوما نصوص ثورية، فالانعكاسات تحدث عند الذين لم يكونوا يؤمنون بمقولة " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، في الوقت السابق لمّا كنا ننادي بالحرية كان الناس يعتقدون أننا مجانين، ولما كنا نُنادي بالديمقراطية كُنا نُعتقل، وهؤلاء هم الذين كانوا يقومون بالمسرح التافه، في الوقت الذي كانت فيه الناس تحتاج إلى المَسرح التعبوي، فالمسرحُ سيبقى محافظا على موقفه، لكن قد يكون لدى الجماهير موقفا جديدا تجاه المسرح، وليس المسرح تجاه الجماهير.
قد يلتفت الجمهور الآن إلى فنانين لم يكونوا يضعون لهم اعتبارا، وأقول لك بالاختصار" ربما أنا كمسرحي محترف منذ 1984 اكتشفت في السنوات الستة الأخيرة أنه صار لي جمهور أكبر بكثير، ومع امتداد الشارع العربي اكتشف هذا الجمهور أيضا أنني كنت على حق في مغامراتي وفي جنوني، وبالتالي ازداد هذا الجمهور، ورغم هذا الجمهور الغفير إلا أنني لم أتغير من موقف إلى موقف".
· ما رأيك في النصوص المسرحية التي تتناول المواضيع التاريخية ؟
كل نص يمكن محاسبته على حدة، فالمسألة تتعلق برؤية الإعداد والإخراج ورؤية تجهيز النص، لأنه لا يمكن القول بأن كل الأعمال التي تتناول المادة التاريخية هي جامدة ومكررة، أعتقد أن الرؤية الإخراجية هي الأهم في هذا الموضوع.
· وظف نزار قباني عنترة في قصيدة توظيفا ديكتاتوريا، فكيف وظفت أنت عنترة في مسرحية " عنترة زمانو" ؟
أدنته إدانة كبرى، لأن عنترة خان العبيد، بغية الزواج بحبيبته البيضاء، وذهب ليقاتل النُعمان ويَسرق إبله فأصبح عميلاً بغية أن يكون من السادة فقط، وترك العبيد لقضيتهم ولم يقف إلى جانبهم، أنا أرى أن شيبوب أكثر التزاما بقضية العبيد من عنترة، ولذلك لما قدمته في مسرحية " عنترة زمانو و النمر " أدنته إدانة كبرى ومسحت به الأرض.
· ومسرحية الزير سالم ؟
الزير سالم شخصية تراجيدية بالامتياز وأنا أحبه، وإن كنت قد قدمت بطولاته المغامرة التي تصل حد الجنون، لأنه صاحب مقولة"إما كليب حيًا أو لا سلام "، ونحن كفلسطينيين نقول" إما فلسطين أو لا سلام"، وهذا يدخل في طلب المعجزة السياسية، لكنني أدنت هذا البطل التراجيدي في النهاية لأنه اكتفى بالانتصار الذي فعله وأصبح سكيرا، حتى مات هائما بشكل لا يليق ببدايته، إلا أني أحب الزير سالم في الأحوال كلها.
· ما هي رسالتك من خلال مسرحية خمس دمي وامرأة ؟
هي رسالة للحب، لأني أحب الحب وأحب الناس أن تكون متحابة، فدون حب لن تكون هناك إنسانية.
"خمس دمي وامرأة" فيها سؤال وجودي جدا، وفيها سؤال اجتماعي كبير، ستجد في هذه المسرحية سيدة لها خبرة في الشوارع تقول"خبرة الشوارع علمتني أن المجتمع لا يعترف إلا بالقوانين وخارج خط القانون فإنك تستحق العقاب، الزواج قانون وخارج خط هذا القانون تستحق العقاب، كم من العلاقات التي تجري على قارعة الطريق يُغلفها الرضا، وكم من تلك التي تجري تحت مظلة القانون يُغلفها الاغتصاب، وهذا موقف اجتماعي كبير، وتساءل في النهاية" إذا جئنا إلى الحياة كُرهًا فلماذا لا نُمنح فرصة أن نغادرها كما نشاء ولا يفرض علينا موعدا لمغادرتها".
· ماذا كنت تقصد من مسرحية آخر منامات الوهراني؟
الوهراني هو شخصية جزائرية، فالجزائري محمد بن محمد محرز الوهراني، في الحقيقة هو شخصية استثنائية، فالعرب كتبت المقامات، وجاء هذا الوهراني ليكتب لهم المنامات، حتى لا يُحاسب، إذ يقول رأيت في المنام غنام غنام يفعل كذا فيقولون له أخطأت، فيقول لهم" أنا رأيته في المنام ولم أقل لكم أنه يعمل كذا أو كذا"، هذه الشخصية جعلتها تلتقي صُدفة مع الشيخ إمام محمد عيسى شيخ الأغنية السياسية، وجمعت بين هذين الهجائين القادّحين، جمعتهما في لقاء مُفترض بشأن القضايا العربية كلها، أنا أحب محمد بن محمد محرز الوهراني وأحب ما قدمته فيه، لأني عندما كتبت النص عام 2002 وقدمت المسرحية عام 2003، إلى غاية 2006 تجولت بهذا العرض في الكثير من مناطق العالم العربي، وأعتقد أن محمد الوهراني كشف عيوب المجتمع العربي الاسلامي بشكل كبير، ولم يبقِ لوطيا إلا تحدث عنه، ولم يبق مُرْتشيا إلا تحدث عنه، حتى خاطب خليفة المؤمنين على لسان بغلته" أعز الله الأمير بالدعاء الكبير من الجمع الغفير من البغال والحمير". فتخيل أن حياة الأمير مربوطة بدعاء الجمع الغفير من البغال والحمير، محمد الوهراني مجنون حقيقي لكنه قدم كشفا مغايرا للتاريخ الرسمي في تلك المرحلة.
· هل ترى أن حركة النقد المسرحي تساير الحركة المسرحية في الوطن العربي ؟
في الحقيقة هي لا تساير الحركة المسرحية، هي ليست بنفس المسايرة وإن كانت هناك طاقات نقدية عربية كبيرة، لكن نحن الآن ومن خلال الهيئات العربية للمسرح ـــ التي أشتغل فيها كمسؤول للنشر والإعلام ــ نحاول أن نقرب المسافة بين النقد والخشبة، وبين النقد والمشتغلين عليه، العلاقة بين المسرح والنقد المسرحي هي علاقة الجدل، بمعنى أنهما يتطوران بشكل مشترك فهذا يسبق هذا وهذا يلحق بذاك.
· كم تشغل مساحة السياسة في أعمالك المسرحية ؟
أنا لو تكلمت في الطبخ سأتكلم بالسياسة، فهي حياتنا اليومية، فإذا أقمت علاقة مع زوجك فأنت في السياسة، إذا تحدثت في الحب فأنت في السياسة، هذا إذا كنت مهموما بالهم السياسي وبهم قضيتك بشكل أساس وبهم عربي بشكل عام وبهم حرية الإنسان، المواضيع التي قمت بها لا تخلو من السياسة، حتى وإن لم تكن في المقدمة، يعني ربما قد لا تكون في بداية الموضوع لكنها حتما ستكون في خلفية عقل غنام وخلفية عقل من يشتغل في المسرحية، لأنه يصبح مُبتلى بما أحمله من أفكار.
· لو يعود غنام إلى خشبة المسرح أي شخصية يريد أن يتقمصها ؟
أحلم الآن بأن أجسد شخصية كتبتها في العام الماضي، وهي شخصية المناضل الفلسطيني الذي رحل قبل عام و نصف، اسمه صبري غْرَيْبْ، واحدا من أساطير الصمود الفلسطيني رغم أنه لم يحمل بندقية في حياته، ولم يكن في تنظيم سياسي، فقط لأنه تمسك بحقه في بيته الذي أحاطت به يد الاحتلال، وحاصرته من النواحي كلها حتى أصبحت المستعمرة تطوق بيته الصغير، رفض أن يغادره إلا إلى المقبرة، خنقته يد المحتلة هو وأولاده وأحفاده.
صبري غْرَيْب كتبته في نص ــــ صفير في، الرأس صلاة للقدس ـــ وأحلم بأن أجسده لربما قد أكون وفيتُ لهذه الشخصية حقها ولربما أكون قد أعطيت فلسطين بعضا من الشيء الذي تستحق.
· ماذا قدمت إلى الراحل ياسر عرفات ؟
ياسر عرفات رمز من رموز النضال الفلسطيني، لكني أختلف معه سياسيا، ولا أتفق مع البراغماتية التي كان يتمتع بها، لكنني لا أشكك في وطنيته، أنا لا أقدم للأشخاص إلا إذا كان إنسانا بسيطا أو مبدعا، أنا مستعد لتقديم غسان كنفاني، ناجي العلي، ولكن لن أقدم لزعيم سياسي مهما كان، عرفات أو غيره، لأن هؤلاء لهم منصاتهم، ولنا قلوبنا وقلوب الناس، وشوارعنا والأرصفة، نحن الذين نرسم فلسطين، أنا لا أعتقد أني أحلم بفلسطين التي صنعها عرفات، أنا أحلم بفلسطين التي كتب لها غسان كنفاني، ومحمود درويش وأمير حبيبي وناجي العلي، ولكل المبدعين الذين كتبوا ورسموا ومثلوا لها، أنا لا أحلم بالدولة التي سيأتي بها السياسيون.
· كيف ترى توظيف المرأة على الخشبة العربية ؟
المرأة حاضرة بقوة وبإيجابية شديدة في أعمالي، وأنا رجل جريء في طرح صورة المرأة، إلا أننا يجب الاعتراف بأن المجتمع بشكل عام لديه مشكلة تسمى المرأة، رغم ذلك أنا أراها موجودة بقوة في المسرح العربي، فلو استعرضت المسرح في الجزائر فستجدها، ولو استعرضت المسرح في مصر والأردن وفلسطين ولبنان فهي حاضرة، إلا أن المسألة في بعض الدول تتراوح من هنا وهناك، أنا أريد الإشارة إلى وجوب الدفاع عن المرأة، وهذا بعدم الانتقاص لا من حقها ولا من حق الرجل.
كما أني أرى أن الظلام يحاول إنزالنا عن هذا الركن، ويجب أن ندافع على هذا الركن لأنه مكان مقدس، ويجب أن نثبت للمجتمع أن المسرح هو صاحب موقف وصاحب أخلاق، يجب أن نقنع المجتمعات التي لا تصل فيها المرأة إلى خشبة المسرح، أن تصنع بيئة آمنة في المسرح للأسرة وللمرأة ولكل الناس وهذا واجبنا بشكل أو بآخر.
أرسل تعليقك