عرض قصة آشوربانيبال داخل المتحف البريطاني
آخر تحديث 00:17:15 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

ألواح طينية وجداريات تروي فصولًا مِن حكايته

عرض قصة "آشوربانيبال" داخل المتحف البريطاني

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - عرض قصة "آشوربانيبال" داخل المتحف البريطاني

معرض «أنا آشوربانيبال ملك العالم»
لندن - كاتيا حداد

نظّم المتحف البريطاني معرضا شاملا بعنوان «أنا آشوربانيبال ملك العالم»، وذلك في استعادة هي الأكبر والأبهى للملك والإمبراطورية الآشورية، وما إن يدخل الزائر القاعات الكبيرة التي خُصِصتْ لهذا المعرض حتى يتعرف على سيرة أهم ملوك الحضارات القديمة والإمبراطور الذي سمى نفسه بكل فخر ملك العالم، لأنه وخلال فترة حكمه التي بلغت أربعين عاما من القرن السابع قبل الميلاد (640 - 669 ق.م)، كان وسّع حدود مملكته لتشمل تركيا وقبرص شمالا، وجنوبا إلى الخليج العربي وغربا حتى الأردن ومصر. المعرض الذي أغلق أبوابه يعرّف الزوار بفصول من قصة الإمبراطورية الآشورية والتي دُوّنتْ بالتفصيل وبكلمات آشوربانيبال غالباً، والتي وصلتنا عبر الألواح الطينية والجداريات والشواهد والتماثيل وأدوات الطبخ والزينة وغيرها من اللقى الأثرية.

تُصوّر الجدارية الأولى التي تستقبل الزائر، بدقة وتفصيل مذهل، الملك وهو يصارع الأسود التي ترمز إلى الفوضى والأخطار المحدقة بالإمبراطورية، رغم أن الملك هو سيد الجدارية بقامته التي تفوق الآخرين وبزيه المزركش وحصانه المزين، لكن الفنان الآشوري كان سّيد الإتقان في النحت النافر للأسود وبقية الحيوانات في الجدارية، وتصوير المشهد الملكي بعرباته، بل حتى أزميل الكتابة الذي يمكن تمييزه بسهولة في حزام الملك، والذي يُظهره ليس محارباً شديد القوة والكبرياء فقط، بل محباً للكتابة والعلم، وهو أول حاكم في التاريخ البشري الذي جمع بين الشجاعة والنفوذ وحب العلم والكتابة والتدوين.

إقرا أيضًا: معرض جديد داخل المتحف البريطاني يقدم قصة "آشوربانيبال"

آشوربانيبال، حفيد الملك سنحاريب الذي بنى قصره الكبير في نينوى وزيّن مداخله بالثيران المجنحة، والابن الثالث للملك آسرحدون، عُرِفَ بالنصوص اللاتينية باسم «ساردانابالوس». تلقى العلم صغيراً على يد كاهن اسمه «بلاسي»، وفي لوح طيني معروض في إحدى الواجهات الزجاجية للمعرض، نقرأ ترجمة لشكر الكاهن للملك آسرحدون على اختياره لهذه المهمة، كما نقرأ في لوح طيني صغير رسالة من آشوربانيبال الصبي إلى أبيه وفيها إشارة واضحة إلى إتقانه عدة لغات منها السومرية والأكدية والآرامية: «مولاي الملك من خادمك آشوربانيبال، لقد تعلمتُ حكمة آدابا، والعلم السري للطباعة، بمقدوري الآن التفريق بين نبوءات الآلهة، وبين التكهنات الأرضية ولي القدرة على مناقشتها علانية مع الكهنة، وقد تفحصتُ بعناية كل ما نقش على الحجر، حتى من عصر قبل الطوفان». خصه أبوه بولاية العهد، بينما عيّن أخاه الأكبر (شمش شون أوكين) حاكما على بابل، مما أوغر صدر الأخ حسداً وحقداً عليه، ولاحقاً سيثور عليه أخوه بمساعدة العيلاميين والعرب، مما اضطر آشوربانيبال إلى محاصرة بابل لمدة سنتين وتعريض أهلها للأوبئة والمجاعة، ثم اقتحامها وقتل أخيه، ونقرأ في لوح طيني كلمات آشوربانيبال يصف حال البابليين أثناء الحصار: «بدل أكل الخبز، أكلوا أجساد أولادهم، وبدل شرب الجعة، شربوا دماء بناتهم، شُلّت أطرافهم من ندرة الطعام، وأصبحوا كالجثث المتفسخة».

استعادة زمن الإمبراطورية الآشورية
من خلال الجداريات التي زينت قصر الملك البهيج في نينوى والتي أُريد منها أنّ تُقرأ كأنها سيرته الذاتية، ومن خلال الألواح الطينية التي وصلتنا، والمؤثرات الصوتية وحتى رسم خريطة الإمبراطورية الآشورية على أرضية القاعة الرئيسية، يعيدنا هذا العرض الرائع إلى زمن آشوربانيبال كملك جمع بين القوة والحكمة. ورغم مرور ما يقارب 2600 سنة على هذه الجداريات الفخمة والأنيقة، لكنها لم تفقد بهاءها وقدرتها على التأثير على من يشاهدها، وهي ببساطة تسحب الزائر كلياً إلى التعرف على حضارة الآشوريين بكل تفاصيلها، وساعدت المؤثرات الضوئية الملونة التي أُضيفتْ بإتقان، في توضيح الأحداث المهمة المنقوشة في الجداريات لغرض جذب انتباه الزائر لها. وآشوربانيبال حاضر في مركز هذه الجداريات، رجل مفتول العضلات ومهيب بين جنوده أو بين ضحاياه، وبينما كان الملوك يحكمون بالسيف، كان آشوربانيبال يعلن أن للقلم قوة تضاهي قوة السيف. ففي قاعة العرض الرئيسية، ارتفعتْ مكتبة عملاقة تضم بين رفوفها المئات من الألواح الطينية المكتوبة باللغة المسمارية التي تشقق بعضها، ومن ضمن محتوياتها ألواح ملحمة كلكامش وألواح في الطب والسحر والتنجيم والرياضيات والموسيقى. جمع الملك الآشوري المتناقضات في يد واحدة، فهو محارب قاسٍ وعنيد وفي الوقت نفسه هو عالم حقيقي، يتلذذ بالجري بعربته الملكية في ساحات قصره ومصارعة الأسود ثم يعود إلى عرشه ليتبادل الحوار مع مستشاريه ذوي الخبرة بمواقع النجوم، سحق أعداءه وخرب مدنهم وسجل انتصاراته بتفاصيلها في جداريات فنية باهرة، وصمم الحدائق واعتنى بالزراعة وجلب الحيوانات إليها من مختلف أقاليم الإمبراطورية. كان يولي أهمية متوازية لاحتلال مدينة طيبة المصرية العظيمة، وتهديم أبنيتها واسترقاق أهلها، وجمع المخطوطات والألواح الطينية التي تحفظ كل ما دونته علوم الحضارات قبله في مكتبته التي احتوت على ما يقارب ثلاثين ألف لوح طيني، واعتبرتْ أكبر مكتبة لعلوم ذلك العصر ومعارفه كما يصفها آشور بكلماته: «أنا آشوربانيبال، ملك الآشوريين، ملك العالم، الذي يؤمن بآشور وإنليل، والذي أعطاه نابوتاشيمتو آذانا صاغية، والذي وُهب نفاذ البصيرة، وحكمة نابو، وإشارات الكتابة، وقد كتبتها على الألواح، ورَتبتُ الألواح في سلاسل، وجمعتها، لأجل تأملاتي وتلاواتي الملكية، ووضعتها في قصري».

الهوية التاريخية لنينوى
توسّعت الإمبراطورية في عهده، بفضل تنظيم الجيوش الدقيق، وتقسيم الإمبراطورية إلى مقاطعات وتعيين حكّام يدينون له بالولاء التام، وتأمين طرق التجارة والبريد، رسائل الملك إلى ولاته لا تستغرق سوى بضعة أيام للوصول، وهي عبارة عن ألواح طينية صغيرة، وعُرضت إلى جانبها الظرف الذي وضعت به والختم الملكي الذي خُتمت به. كانت صفوة الناس في الأقاليم التي خضعت للإمبراطورية الآشورية، يصففون لحاهم بطريقة الآشوريين ويرتدون الثياب الطويلة في محاولة منهم لمحاكاة أزياء أهل نينوى عاصمة العالم في فترة آشور. ونتيجة للغزو المتواصل، شهدت الإمبراطورية في عهد آشوربانيبال موجات نزوج بشرية هائلة، استفيدَ منهم في زراعة الأراضي القاحلة وتشييد المدن وإنتاج البضائع، ونتيجة لذلك عمّ الرخاء واتسعت التجارة، واستحدثتْ لغات جديدة وفنون وأفكار وتقنيات لتسهيل حياة الناس.

دمار نينوى عبر العصور
ورغم كل التفاصيل التي دونها آشوربانيبال لتوثيق فترة حكمه، فإنّ سنواته الأخيرة لا تزال مجهولة، فموته لم يُدوّن بأي سنة، فربما مات موتاً طبيعياً أو خُطف أو خُلع عن العرش قسراً، ومن المحتمل أنه دفن إلى جانب أبيه وجده في مدينة آشور. خلفه لفترة وجيزة ابنه (آشور - إتيلياني)، ثم قاد ابنه الآخر (شنشار - إشكون) تمرداً ضد أخيه أدخل الإمبراطورية في حرب أهلية وبدأت مقاطعاتها بالانفصال. عام 612 ق.م حُوصرتْ نينوى وسُلبت وأحُرقت على يد العيلاميين والبابليين والمديين. لكن ألواح مكتبة آشوربانيبال الطينية ازدادت صلابة بفعل النار، وظلت مطمورة تحت التراب لمدة 2500 عام. بدأت التنقيبات الحديثة في النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد القنصل الفرنسي في الموصل ثم بواسطة الدبلوماسي والفنان وعالم الآثار البريطاني أوستن هنري ليارد، الذي رسم لوحات متخيلة لمدينة نينوى في أوج ازدهارها، ومساعده العراقي الآشوري هرمز رسام. ويعود لهما الفضل في العثور على مكتبة آشوربانيبال والقصور الملكية في نينوى ونمرود وكالح. وصل أول الثيران المجنحة إلى لندن عام 1851 واستقر في المتحف البريطاني، حيث كان أعجوبة للزائرين.

ولا تزال هناك فصول تروى في قصة مدينة نينوى لإثبات الهوية التاريخية لهذه المدينة العريقة، والتخريب الذي تعرضت له آثار المدينة على يد «داعش» عام 2015. أحد هذه الفصول المؤلمة. يستعرض المعرض في جزئه الأخير بالأفلام الوثائقية الحديثة من المواقع الأثرية، المساعي النبيلة لإدارة المتحف البريطاني للحفاظ على إرث الفنون الآشورية، من خلال تدريب الآثاريين العراقيين ومساعدتهم بترميم ما يمكن ترميمه من الخراب الذي سببته عصابات «داعش». رافقت هذا المعرض الضخم، الكثير من الندوات والفعاليات التي عرفت الجمهور الغربي بتاريخ وحضارة وادي الرافدين بشكل عام والحضارة الآشورية خاصة.

قد يهمك أيضًا:

اكتشاف أقدم وشم في العالم على مومياوات مصرية

المتحف البريطاني يعرض أسرار المومياوات المصرية بتقنيات متطورة

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عرض قصة آشوربانيبال داخل المتحف البريطاني عرض قصة آشوربانيبال داخل المتحف البريطاني



GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية

GMT 11:42 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المصممون يضعوا لمسة "الأهداب" الأنيقة لأحذية الرقبة

GMT 23:56 2015 السبت ,11 تموز / يوليو

الأمطار تغرق المناطق المنخفضة في روالبندي

GMT 07:31 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

"THQ" تُقرر عدم إصدار لعبة "Avengers"

GMT 09:19 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

واريورز ينتصر على دالاس مافريكس في دوري السلة الأميركي

GMT 08:25 2015 السبت ,14 شباط / فبراير

ظهور ضوء مبهر وصوت هائل في سماء نيوزيلندا

GMT 10:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أمل رزق تستعد للمشاركة في مسلسل "للحب فرصة أخيرة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates