ماكرون يفقد الأكثرية النيابية وينتظره حكمًا عصيًا
آخر تحديث 00:22:13 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

ماكرون يفقد الأكثرية النيابية وينتظره حكمًا عصيًا

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - ماكرون يفقد الأكثرية النيابية وينتظره حكمًا عصيًا

إيمانويل ماكرون
باريس - صوت الإمارات

انطلق العهد الثاني للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعيد انتخابه قبل شهرين، في أسوأ الظروف بعد الصفعة التي تلقاها يوم الأحد بخسارته الأكثرية المطلقة في البرلمان الجديد، بعد أن تمتع خلال السنوات الخمس الماضية بأكثرية مريحة مكنته من استصدار القوانين التي أرادها وإدارة شؤون البلاد على هواه. ومع حصول كتلة «معا» الداعمة له على 246 مقعداً في الندوة البرلمانية، فإن ماكرون يكون قد خسر ما لا يقل عن 104 مقاعد وما يزيد على مليون صوت بين انتخابات عام 2017 وانتخابات هذا العام.

وبذلك، يجد الرئيس الفرنسي نفسه وحكومته وحزبه أمام معادلة عصية على الحل إذ يتعين عليه، كلما طرحت حكومته مشروع قانون أمام البرلمان الجديد اجتذاب 43 نائباً إضافياً كرديف للأكثرية النسبية التي تحصل عليها ولتمرير ما يريده. والحال أن خياراته محدودة للغاية ولا يجد أمامه سوى مجموعة نواب حزب «الجمهوريين» اليميني المعتدل الذي فاز، رغم انهيار فاليري بيكريس مرشحته في الانتخابات الرئاسية، بـ61 مقعداً يضاف إليها ثلاثة مقاعد لحلفائه. وما يميز خسارة ماكرون عن غيره أنه «الوحيد» الذي فشل في الحصول على أكثرية مطلقة بعد فترة قصيرة على إعادة انتخابه، ما يضع عهده الثاني على باب المجهول.

وقبل أن تنطلق المفاوضات والمساومات، ثمة أمر ثابت يتمثل في وجود شرخ عميق داخل هذه المجموعة المنقسمة أصلاً على نفسها إلى ثلاثة توجهات. ثمة من يدعو، كالوزير السابق جان فرنسوا كوبيه، إلى إقامة تحالف أو ائتلاف حكومي على أساس برنامج حكم واضح مع ماكرون، بينما يرهن توجه آخر تقديم الدعم للحكومة بناء على طبيعة مشروع القانون المطروح على البرلمان. أما التوجه الثالث فإنه يرفض تماماً التعاون مع الرئيس الفرنسي، وأن يلعب لصالحه دور «العكاز» الذي يستند ويتكئ عليه من أجل الالتفاف على الهزيمة الانتخابية التي حلت به رغم أن تكتله يبقى الأكبر عدداً في البرلمان الجديد. وفي أي حال، فإن هذه الكتلة ستطلب «ثمنا سياسيا» لدعمها الذي لن يكون مجانا بحيث ستتمسك بأن يؤخذ بوجهات نظرها في مشاريع القوانين التي ستقدمها الحكومة تحت طائلة حرمانها من الدعم. ومن غرائب نتيجة الانتخابات أنها وفرت لليمين المعتدل الذي كان على وشك الانهيار تماما وخسر نصف عدد نوابه، منصة لتعويمه ولتمكينه من أن يلعب دور الحكم للسنوات الخمس القادمة.

والمؤكد أن ماكرون الذي دفع النظام السياسي الفرنسي إلى أقصى حدود ما يتيحه النظام الرئاسي يجد اليوم نفسه أمام معطى جديد تماما. فالسلطة كانت بالأمس في قصر الإليزيه الذي كان الآمر الناهي، إذ إن برلمان الأمس كان بمثابة غرفة تصادق على ما يريده ماكرون وتنقله حكومته في إطار مشاريع القوانين. وطيلة خمس سنوات، كانت مناقشات المجلس النيابي في حدودها الدنيا لأن هيمنة الأكثرية الداعمة للحكومة كانت مطلقة. أما اليوم، فإن الأمور ستختلف جذرياً ليس فقط لأن الحكومة فقدت الأكثرية المطلقة، بل أيضاً وخصوصا لوجود مجموعتين نيابيتين عازمتين على إضعاف ماكرون وإنهاك حكومته. الأولى هي كتلة اليسار بتلاوينه المختلفة التي يقودها جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب فرنسا المتمردة، وقد حصلت على 142 مقعداً بحيث فرضت نفسها كقوة المعارضة الأولى في المجلس النيابي.

ورغم أن ميلونشون لم يحقق كافة طموحاته النيابية وأولها تمكينه من أن يفرض نفسه رئيسا للحكومة، فإنه نجح في إيصال اليسار بقوة إلى البرلمان وسيخوض معارضة شرسة ضد ماكرون وحكومته. وأول الغيث قرار التحالف طرح الثقة برئيسة الحكومة إليزابيث بورن في الخامس من يوليو (تموز) القادم. واستبق نواب من تكتله هذا الاستحقاق بالمطالبة باستقالة بورن من منصبها رغم فوزها في الانتخابات.

وطالب ثلاثة من نواب حزب ميلونشون برحيلها عن رئاسة الحكومة فاعتبرت النائبة ماتيلد بانو أنها تفتقر لـ«السلطة والقدرة، وهي غير مؤهلة» من أجل البقاء في منصبها ومواجهة البرلمان الجديد، فيما شدد زميلها مانويل بومبار على ضرورة رحيلها «لأن ماكرون لم يعد بوسعه أن يمارس الحكم كأن شيئا لم يحصل». أما لويس أليو، نائب رئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف فقد رأى من جانبه أن بورن «قد ألم بها الوهن إلى درجة أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في منصبها». إلا أن الناطقة باسم الحكومة الوزيرة أوليفيا غريغوار فقد نفت أي رغبة رئاسية في رحيل رئيسة الحكومة التي عينت قبل شهرين. إلا أنها لم تنجح في فرض نفسها لا على الكتلة الرئاسية ولا أن تكون «سياجا» يحمي الرئاسة. ولم تكن هزيمة ماكرون عددية فقط إذ إن مسؤولين مقربين منه لحقتهم الهزيمة وفي مقدمتهم رئيس البرلمان المنتهية ولايته ريشار فران، ورئيس مجموعة نوابه وزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير، فيما خسر ثلاثة وزراء حاليين المنافسة، وهم وزيرات النقلة البيئوية والصحة وشؤون ما وراء البحار.

يمثل فوز الحزب اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبن الظاهرة الأبرز في الانتخابات الأخيرة. لوبن التي خسرت مرتين المنافسة الرئاسية في وجه ماكرون، كان لها في البرلمان السابق ثمانية نواب. أما في البرلمان الجديد فقد ارتفع العدد إلى 89 نائباً رغم أن نظام الاقتراع الأكثري وفق الدائرة الصغرى لا يعمل لصالحها. وما فتئ حزبها، إلى جانب أحزاب أخرى، مثل الخضر والحركة الديمقراطية، ينادي بتبني نظام انتخابي آخر أكثر عدلاً. والثابت اليوم وما أكدته نتائج يوم الأحد أن اليمين المتطرف أخذ يعد في فرنسا القوة السياسية الثالثة، الأمر الذي لم يعرفه في أي دولة أوروبية رئيسية، وهو الأقرب بالتالي لما يمكن تسميته «زلزالاً سياسياً».وجاء في تحليل مطول لصحيفة «لو موند» بقلم رئيس تحريرها، أن جانبا من المسؤولية يقع على ماكرون وتكتله وحكومته وحزبه الذين لم يحترموا آلية إيجاد «جبهة جمهورية» تقف في وجه زحف اليمين المتطرف العنصري والدعوة صراحة للاقتراع لمرشحي «الاتحاد الشعبي الاجتماعي والاقتصادي الجديد» أي تحالف اليسار في حال تنافس مرشحوه مع مرشحي الجبهة الوطنية. وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون يدين في إعادة انتخابه لأصوات اليسار التي انصبت لصالحه وحرمت منها لوبن.

يعطي الدستور الفرنسي رئيس الجمهورية حق حل المجلس النيابي. وسبق للجنرال ديغول وللرئيس جاك شيراك أن قاما بهذه الخطوة التي تعد بمثابة سلاح الردع الأخير بين يدي رئيس الجمهورية. بيد أن سلاحاً كهذا لا يمكن استخدامه بخفة، بل يجب أن يكون مبرراً وأن تتوافر مؤشرات تدل على أن نتائج انتخابات لاحقة ستكون مختلفة عن التي ظهرت يوم الأحد. وفي أي حال، ثمة جدل بين الحقوقيين حول هذه المسألة وإمكانية استخدامها وزمنها.

وقد سارعت الناطقة باسم الحكومة إلى نفي هذا الاحتمال من غير أن تستبعده تماما معتبرة ضمناً أن أداء المجلس الجديد هو الذي سيكون الفيصل. والحال أن كافة المحللين والمراقبين يتوقعون نقاشات حامية وصاخبة تحت قبة البرلمان الذي سيشكل حلبة الصراع بين السلطة التنفيذية والمعارضة العازمة على إنهاك ماكرون، رغم انقسامها بين يمين متطرف ويسار متشدد.

 يبقى أن إضعاف ماكرون على الساحة الداخلية سيكون له أثره على حضوره الخارجي، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي ستشهد في الأيام القادمة ثلاث قمم رئيسية «الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع والحلف الأطلسي»، وكل ذلك على خلفية استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.

ويعطي الدستور الفرنسي رئيس الجمهورية سلطة رسم السياستين الخارجية والدفاعية للبلاد، فضلاً عن كونه القائد الأعلى للقوات الفرنسية المسلحة وحامل «مفتاح» السلاح النووي. لكن في المقابل، يستطيع البرلمان محاسبة الحكومة التي تنفذ السياسة الرئاسية وأن يطرح الثقة فيها، وأن يقدم مقترحات قوانين تخالف توجهات السلطة التنفيذية، ما يعني عملياً أن المعارضة قادرة على إزعاج ماكرون وحكومته بسبب فقدانهما الأكثرية التي هي السلاح السري لأي سلطة تنفيذية.

 قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

الرئيس الفرنسي يُشدد لهجته بشأن روسيا قبل زيارة كييف

بوادر انفراجة جزائرية ـ فرنسية بعد أول اتصال بين وزيري الخارجية

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكرون يفقد الأكثرية النيابية وينتظره حكمًا عصيًا ماكرون يفقد الأكثرية النيابية وينتظره حكمًا عصيًا



GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 01:44 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

جيمي أيوفي يستمتع مع أسرته في "أتلانتس دبي"

GMT 10:11 2012 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الطاقة الإثيوبي: في طريقنا لاستكمال مشروع سد النهضة في 2015

GMT 19:07 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اسباب تضخم الكبد وطرق العلاج

GMT 18:36 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

صفّ السيارات يتسبب في مشاجرة بالضرب بين رجل وفتاة في تكساس

GMT 20:58 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

أول اجتماع لرئيس التليفزيون لبحث تطوير القنوات المصرية

GMT 06:43 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

الطقس في الإمارات الجمعة مغبرًا جزئيًا

GMT 01:51 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

افضل التصاميم البارزة لأحذية ربيع 2016

GMT 11:53 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام مسابقة الخطابة باللغة العربية للجامعات الصينية

GMT 22:33 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

إطلالة مثيرة للموديل هايدي كلوم في حفل "أمفار"

GMT 02:28 2014 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

"الإسلاميّون" يعتبرون "العلمانيّة" ارتدادًا عن الدين

GMT 14:55 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

طاهية تصنع قطار من خبر الزنجبيل "بالحجم الطبيعي" في سيدني

GMT 22:11 2013 الأربعاء ,29 أيار / مايو

الموسيقى المعاصرة على "راديو فرنسا" الأربعاء

GMT 03:26 2013 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مجدي يعقوب يجري 3 عمليات "قلب مفتوح"

GMT 15:12 2013 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

جامعة عثمانية إحدى أبرز جامعات الهند وآسيا

GMT 18:29 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الجامعة الأميركية في الإمارات تنظم مؤتمرًا عن "الناتو"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates