تعدّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، آخر مدافع قوي في أوروبا والتحالف عبر الأطلسي، بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لأميركا، إلا أن المقربين منها يقولون إنها تشعر بالتعب بعد 11 عامًا في السلطة، وأنها على ما يبدو تحت الحصار من جميع الاتجاهات. وتتعرض ميركل لضغوط من نفس القوى التي صعدت بترامب في أميركا، والتي يغذيها تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتدفع نفس القوى حاليا الشعبوية ماريان لو بان في فرنسا.
وحصد الحزب البديل اليميني المتشدد، في ألمانيا، انتصارات عدّة في الانتخابات المحلية، وتحتاج ميركل إلى درء روسيا، التي تروج لديمقراطية غير ليبرالية من خلال دعم الأحزاب اليمينية في جميع أنحاء القارة وتأجيج الشعوب، ولكن مع إعجاب ترامب علنًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيصبح حتى الحفاظ على العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، بسبب صراعات شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، تحديًا كبيرًا.
وأعلن سايمون تيلفورد، نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي في لندن، قائلًا "نحن محظوظون لأن ميركل تقود ألمانيا حاليًا، لأنه هناك فرصة أنها ستسرع وتفعل ما تحتاجه أوروبا"، وتتطلع أوروبا إلى ألمانيا، باعتبارها دولة قوية، للتعامل مع العديد من المشاكل، وبعضها طويلة الأمد، مثل النمو المنخفض، واستمرار تدفق اللاجئين، وغضب الناخبين الوطنيين، وتعتبر إيطاليا وأسبانيا هشة سياسيًا، وربما تنتخب النمسا رئيس يميني متشدد الشهر المقبل، وتواجه ميركل مفاوضات صعبة مع بريطانيا بشأن الخروج "بريكست"، وفي ظل تشكيك ترامب في قيمة حلف الناتو، تواجه ألمانيا ضغط للقيام بدور أكبر في الأمن الأوروبي، واعتمدت السيدة ميركل على مدى 8 أعوام مضت، على الدعم الثابت من الرئيس أوباما وقصر الإليزيه في فرنسا، ولكن مع انتخاب ترامب وتراجع شعبية فرانسوا هولاند، فقدت ميركل هذا الدعم الحيوي.
وأكد المقربون من ميركل أنها تشعر بالإنهاك من التعامل مع مشاكل أوروبا، وأن دائرتها القريبة، انسحبت بعد أزمة المهاجرين العام الماضي، ما أضعفها سياسيًا، ولا زالت ميركل تتعرض لضغوط لترشيح نفسها لولاية رابعة لمدة 4 أعوام، وهو القرار المتوقع في أوائل ديسمبر/ كانون الأول. وذكر ستيفان كورنيليوس، أحد كتاب سيرتها الذاتية والمحلل السياسي لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، قائلًا "إنها أخر من تبقى وهذا يجعلها قوية وضعيفة في آن واحد، إنها ركيزة للاستقرار والجدار الأخير، أنها مانعة للصواعق من الأوروبيين الشعبويين، الذين يلومون ألمانيا لكونها قوية وواضعة للقواعد، بما في ذلك الحزب البديل الألماني المتصاعد".
وكان رد فعل السيدة ميركل تجاه ترامب ماهرًا، ففي الوقت الذي تحتفل فيه ألمانيا ليلة الكريستال الممثلة في المذابح النازية ضد اليهود في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1938، وسقوط حائط برلين في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، عرضت السيدة ميركل على ترامب التعاون عن قرب لكنها ذكرت الثمن وهو احترام كرامة الإنسان والأقليات من الرجل الذي سخر منهما، وأضافت ميركل "لدى ألمانيا وأميركا قيم مشتركة من الديمقراطية والحرية واحترام سيادة القانون وكرامة كل شخص، بغض النظر عن أصله أو لون بشرته، أو عقيدته، أو جنسه، أو توجهه الجنسي، أو رأيه السياسي، ويجب أن يقوم التعاون مع أميركا على هذه القيم"، وأضاف السيد كورنيليوس "كان من المذهل كيف أنها هنأت ترامب وحددت له القواعد علنًا".
وكشفت روزا بالفور من صندوق مارشال الألماني في بروكسل، أن بيان ميركل كان من الممكن أن يكون أكثر قوة أن لم يتم قوله فقط باسم ألمانيا، مضيفة "كان من الممكن أن يكون أفضل إذا اقترحته على كل الأوروبيين، وقالت "دعونا نفعل هذا معًا، لكن ذلك لم يحدث"، ويعدّ فوز ترامب بالنسبة لميركل، ضربة قوية شخصيًا، لأنها تحظى بصداقة وإعجاب متبادل مع هيلاري كلينتون، ولأنه سيضر بإرث أوباما.
ويزور أوباما ألمانيا الأسبوع المقبل، وسيتوقف أيضًا في اليونان، فيما يعدّ زيارته الأخيرة إلى أوروبا كرئيسًا للبلاد، وتعدّ لحظة حلوة ومرة بالنسبة لاثنين من القادة، كانا يعتمدان على بعضهما البعض حتى بعد انتقادات أوباما لموقف ألمانيا بشأن اليورو والتقشف وأزمة الديون اليونانية، وتعاني ألمانيا من شقوق قبل نحو 27 عامًا، بعد سقوط حائط برلين حيث يتجنب الاقتصاد رقم 1 في أوروبا إجراء أي تغييرات حقيقية، ولا يزال يعتمد على الجيش الأميركي والمخابرات في المجال الأمني، على الرغم من كثافة الإنفاق على الاستخبارات، ويستفيد المصدرون بشكل كبير من العملة الأوروبية الموحدة، فيما تستمر الحكومة في تأجيل المهمة المكلفة سياسيًا ممثلة في تعزيز منطقة اليورو.
وكانت ميركل حازمة في العامين الماضيين في التعامل مع روسيا، والحفاظ على اتحاد أوروبا بشأن عقوبات الكرملين، لاستيلائه على شبه جزيرة القرم والقتال في شرق أوكرانيا، إلا أن قبول ميركل لمئات الآلاف من اللاجئين معظمهم من المسلمين، أضعف شعبيتها في الداخل وأدى إلى توتر العلاقات مع بلدان أوروبا الوسطى والشرقية الذين شعروا بالتجاهل، وربما يزيد انتخاب ترامب بعض هذه العقوبات لأن سياسته في الدفع أولًا بأول مع حلف "الناتو"، ربما تدفع دول أوروبا الوسطى والشرقية نحو الاتحاد الأوروبي وألمانيا كمصدر أكثر موثوقية للحماية.
وبيّن أوغينيوز سمولار من مركز العلاقات الدولية في وارسو، أن "الأوروبيين بحاجة إلى صدمة وربما يكون انتخاب ترامب صدمة مفيدة لتركيز عقولهم، وبعد عقود من دفع ضريبة كلامية، ربما يجتمع الأوروبيون أخيرًا لإنتاج الأسلحة، أو توسيع وتعزيز منطقة اليورو، إلا أن ضعف فرنسا والسيد هولاند، وصعود اليمينيين في بولندا والمجر وفرنسا وألمانيا، وضع عبئًا جديدًا على السيدة ميركل، وبعد نجاح ترامب في الفوز بالرئاسة الأميركية، فربما تنجح لوبان في الفوز بفرنسا أيضا، وإذا أرادت ميركل منع تفاقم الوضع السياسي في فرنسا، فيعني ذلك أنه عليها التساهل في منطقة اليورو والاستثمار في المنطقة، ووضع حدًا للتقشف ما يعني أنه عليها مواجهة حزبها مباشرة، والحزب البديل في ألمانيا، ووزير ماليتها فولفغانغ شويبله ".
وأشار مارك ليونارد مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إلى أنه من الممكن أن تبرز استجابة أوروبا، لانتخاب ترامب انقسامات في القارة، مضيفًا "ربما يخلق ذلك نوع من السباق في واشنطن، حيث يحاول الجميع القيام بصفقات خاصة مع صانع الصفقات السيد ترامب"، ولا يعدّ أسلوب إدارة ميركل الدراماتيكية مجديًا مع ترامب الذي هاجمها بشراسة لقبول المهاجرين، إلا أن ميركل أظهرت ذوق في التعامل مع الرجال الأقوياء، حيث توصلت إلى اتفاق واجه الكثير من النقد مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لوقف وصول اللاجئين في الشرق الأوسط إلى أوروبا، كما تفاوضت مع الرئيس بوتين، وربما يمكنها استخدام فوز ترامب كميزة لها في الانتخابات".
وأعرب دانييل موك ،23 عاما، طالب الهندسة في جامعة برلين، عن إعجابه بتصريح ميركل تجاه ترامب والطاعن له تحت السطح، فيما انتقد فنسنت سزلانغ، وفنسنت فريبيل، طلاب الاقتصاد وجهة النظر الألمانية الناقدة لترامب، أضاف سزلانغ "مثلت الانتخابات رفضًا لاثنين من أنماط الحياة المختلفة الأول هو الليبرالية القديمة، والثاني هو محاولة المحافظة على النظام القديم من خلال البراغماتية"، ويرى فريبيل أن فرصة أفضل، لتحسين العلاقات مع روسيا كما أن التعامل مع كلينتون كان من الممكن أن يكون أكثر قسوة على ألمانيا من السيد ترامب، وتثير مثل هذه التصريحات المخاوف بين الأجيال الأكبر سنًا من إعجاب الكبار والشباب بالسيد ترامب كقائد قريب من روسيا، وعبرت جريدة B.Z النصفية في برلين عن هذا التحول في عنوان "برلين تصبح برلين مرة أخرى"، كما وصفت انتخاب ترامب بـ " ليلة مقتل الغرب".
أرسل تعليقك