واشنطن - يوسف مكي
أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه سيرشح تولي القاضي ميريك غارلاند رئاسة المحكمة العليا مدى الحياة، مطالبًا الشيوخ الجمهوريون الرافضين النظر في ترشيحه إلى منحه جلسة استماع عادلة بحُكم أنه يحظى بتقدير كبير في جميع أنحاء واشنطن.
وقدّم أوباما القاضي غارلاند لأفراد عائلته والنشطاء وموظفي البيت الأبيض في حديقة الورود، صباح الأربعاء، واصفًا إياه بأنه مؤهل للغاية لشغل هذا المنصب في المحكمة العليا عقب وفاة القاضي أنطونين سكاليا في فبراير/ شباط الماضي، وأفاد بأنه يعد واحدًا من أفضل العقول القانونية في البلاد وشخص يضفي على عمله روح الحياء والتواضع والنزاهة والحياد والتميز، وأدت هذه الصفات والتزامه الطويل في الخدمة العامة إلى اكتسابه الاحترام والاعجاب من القادة، مضيفًا "القاضي غارلاند سيعمل في المحكمة العليا وهي المؤسسة التي كان مستعدًا لخدمتها فورًا بشكل فريد"، وبيَّن أن الأمر مغريًا لجعل عملية التأكيد امتدادًا لسياستنا التقسيمية، ومحذرًا من أن الذهاب في هذا الطريق سيكون من الخطأ.
وطالب الرئيس الأميركي باستماع عادل للقاضي غارلاند، موضحًا أن رفض النظر في ترشيحه من شأنه أن يثير دوامة لا تنتهي من منطق العين بالعين، وهو ما يؤدي إلى تقويض العملية الديمقراطية في الأعوام المقبلة، وأضاف "أطلب من الجمهوريين في مجلس الشيوخ ببساطة منحه جلسة استماع عادلة وبعدها يصوتون له أو ضده، وإذا لم يتم ذلك فلن يكون ذلك تخليًا عن الواجب الدستوري فقط في مجلس الشيوخ، لكنه سيشير أيضًا إلى أن عملية الترشيح وتأكيد القضاة غير قابلة للإصلاح".
ووصف غارلاند في تصريحات مقتضبة مسيرته القانونية في منصب المدعي العام والقاضي قائلاً "الإخلاص للدستور والقانون كان حجر الزاوية في حياتي المهنية"، ووعد باستكمال هذا النهج، وبعد انتهاء الاحتفال في حديقة جاردن روز التي تمتلئ بأشجار التيوليب رحب الكثير من القادة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بالسيدة لين غارلاند زوجة السيد غارلاند وواحدة من أبنائه، وتلقت الأولى، حفيدة محامي الرئاسة، الترحيب بابتهاج باعتبارها سيدة معروفة بين نخبة المدينة، وابتسمت عند سؤالها عن ترشيح زوجها لكنها لم تقل شيئًا.
وكان أوباما جريئًا في اختياره للسيد غارلاند الذي يحظى بدعم الحزبين الرئيسيين وهو ما يضغط على الجمهوريين في حربهم بشأن قاضي أشادوا به أنفسهم علنًا، وهو ما يجعل رفضه صعبًا، لاسيما حال فوز مرشح ديمقراطي في انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل واحتمال مواجهة مرشح أكثر ليبرالية العام 2017.
وناضل غارلاند من خلال معركة سياسية طويلة في منتصف التسعينات، والتي أجلت ترشيحه لمحكمة الاستئناف في الولايات المتحدة عن دائرة كولومبيا لأكثر من عام، واقترح السيناتور الجمهوري تشارلز غراسلي أنه يجب ألا يتم شغل المنصب، وبعد 20 عامًا وقف الأخير وغيره من الجمهوريين مرة أخرى في طريق تعيين القاضي غارلاند؛ بحجة أن الرئيس المقبل يجب أن يختار خليفة القاضي سكاليا.
وتعهد الجمهوريون في مجلس الشيوخ وفي الحملة الانتخابية الرئاسية بالوقوف بحزم ضد أي شخص يختاره أوباما، وانتقدهم الأخير لاتخاذهم هذا الموقف، مطالبًا مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بالوفاء بمسؤوليته في النظر في ترشيح غارلاند وإجراء التصويت على ترشيحه في الوقت المناسب، مشيرة إلى أن فعل أي شيء آخر سيكون تصرفًا غير مسؤول.
ويوصف غارلاند بأنه شخصية رائعة، ويبلغ من العمر 63 عامًا ما يجعله مرشحًا كبيرًا بعض الشيء للمحكمة العليا، فهو أكبر بعامين عن رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، الذي يعمل في المحكمة منذ أكثر من 10 أعوام، وعمل الاثنان معًا في محكمة الاستئناف ويقال إنهما أصدقاء، ويصل عمر المرشحين للمحكمة العليا إلى مرحلة الخمسينات، إلا أن اختيار أوباما للسيد غارلاند في منصب سيعمل فيه لمدة ثلاثة عقود يتغاضى عن شرط العمر ما يفرض حد إكتواري على الترشيح، ويقدم للجمهوريين في مجلس الشيوخ حلاً وسطًا في الإيديولوجية وفترة تولي المنصب.
وساعدت قضية تفجير أوكلاهوما سيتي العام 1995 في تشكيل الحياة المهنية للقاضي غارلاند، حيث قام بتنسيق استجابة وزارة العدل والتي بدأت بقضية ضد المهاجمين في النهاية والإشراف على محاكمتهم، وذكرت جيمى جورليك نائب المدعي العام حينها أن القاضي غارلاند أصرّ على إرساله إلى مكان الحادث حيث يتم سحب الجثث من حطام الطائرة، وأضافت جورليك "كان يعمل بلا كلل على مدار الساعة ولا تشوبه شائبه".
وأشار مسؤولو البيت الأبيض إلى أن القاضي غارلاند تأكد توظيفه في منصبه الحالي العام 1997 بدعم من سبعة جمهوريين وهما السيناتور دان كوتس من ولاية انديانا، وثاد كوكران من ولاية ميسيسيبي، وسوزان كولينز من ولاية مين، وأورين هاتش من ولاية يوتا، وجيمس إنهوف من أوكلاهوما، وجون ماكين من ولاية أريزونا، وبات روبرتس من كنساس.
وذكر أحد المسؤولين قبل ظور أوباما ليعلن ترشيح غارلاند رسميًا أن هاتش أوضح أن أوباما يمكنه ترشيح غارلاند بسهولة هذا العام وهو رجل جيد، ونقل عن هاتش قوله في العام 2010 "القاضي غارلاند سيتم التوافق عليه كمرشح إذا أختير هذا العام"، واستشهد البيت الأبيض بتعليقات إيجابية عن القاضي غارلاند من رئيس المحكمة العليا روبرتس والحكام الجمهوريين لأوكلاهوما وأيوا ومسؤوليين جمهوريين سابقين في وزارة العدل.
وظل القاضي غارلاند بسبب شعبيته على قائمة المرشحين بواسطة أوباما لعدة أعوام، وعندما التقيا العام 2010 بشأن أحد المناصب أوضح هاتش علنَا أنه حث أوباما على ترشيح القاضي غارلاند، مضيفًا "أعرف غارلاند جيدًا، وسيتم دعمه من جميع الأطراف"، وبيّن أوباما في رسالة بالبريد الإلكتروني للمؤيدين أنه راعى ثلاثة مبادئ في اختياره، وهي أن يمتلك الشخص عقلًا مستقلًا وأوراق اعتماد غير قابلة للشك، وإتقان غير قابل للشك في القانون، وما إذا كان المرشح يعرف حدود دوء القضاء، وأن يكن على علم بأن العدالة ليست مجرد نظرية قانونية مجردة، وأفاد أوباما "أثق بأنكم تشاركونني القناعة بأن غارلاند ليس فقط مؤهل لهذا المنصب، لكنه يحتاج جلسة استماع عادلة ومن ثم التصويت له بنعم أو لا".
وذكر أوباما أن "الجمهوريين عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا يريدو اتباع الدستور والالتزام بقواعد اللعبة العادية التي هي أساس الديمقراطية حتى لا تصبح المحكمة العليا امتدادًا لسياساتنا المستقطبة"، فيما حثّ أعضاء مجلس الشيوخ الرئيس على الامتناع عن الترشيح قائلين إن الرئيس المقبل يجب أن يختار بعد أن يعبر المصوتون عن تفضيلاتهم في الانتخابات الرئاسية.
وذكر السيناتور ميتش ماكونيل وزعيم الجمهوريين مرارًا أنه سيعارض أي ترشيح حتى العام المقبل، مضيفًا "يحاول الرئيس أوباما تضييق مجال المرشحين المحتملين للترشح للمحكمة العليا في الولايات المتحدة"، وتسفر نتائج الاشتباك في واشنطن عن تحديد مصير الفقيه الأميركي لمدة عقود مقبلة، حيث انقسمت المحكمة العليا بعد وفاة سكاليا الشهر الماضي بين أربعة قضاة ليبراليين وأربعة محافظين، وربما يكون تعيين القاضي الجديد بواسطة أوباما الصوت الحاسم في عدة حالات وثيقة.
أرسل تعليقك