عمان _صوت الامارات
رغم حملات التوعية التي تجريها المنظمات المدنية والنسائية، والتعديلات القانونية للسيطرة على الأوضاع، ما زالت قضية حرمان الإناث من حصصهن في الإرث قضية شائعة في المجتمع الأردني، وفي هذا الصدد تقول جمعية معهد تضامن النساء الأردني: "أصبح شائعًا التنكر للحقوق الإرثية المشروعة للنساء، وبرزت تقاليد وأعراف اجتماعية بعيدة عن عدالة الشرع والقانون مستندة إلى الفكر الذكوري المتسلط والمستند إلى تفوق الرجل وأولويته في التمتع بالسلطة والحقوق".ويقول مراقبون إنه على الرغم من تعديل قانون التخارج (التنازل عن الإرث)، ومحاولة المشرع السيطرة على هذه الظاهرة، إلا أن وجود بعض الاستثناءات في القانون يتم استغلالها بشكل خاطئ، مطالبين بضرورة تعديل الأمر وزيادة حملات التوعية.
اقرأ أيضا:
الجامعة العربية تشيد بدعم القيادة الرشيدة للمرأة الإماراتية
أحد أوجه التمييز
وتؤكد جمعية تضامن أن "ضعف التزام المكلفين بالإنفاق على النساء والأطفال نفقات تكفي معيشتهم فعليا وخاصة الأشقاء الذين غـالبا ما يتم التنازل لصالحهم، واكتفاء القضاء بالحد الأدنى في أحكام النفقة (على فرض لجوء النساء لطلب النفقة قضائيًا وخاصة من الأشقاء وهو نادرا ما يحدث)، وزيادة نسبة النساء المعيلات لأسرهن بسبب الطلاق أو الترمل أو الهجر أو غير ذلك من الأسباب".
وتابعت: "وضرورة الحد من العقلية التقليدية والعصبية القبلية المتمثلة في رغبة الذكور في عدم تكمين (الغرباء) زوج وأبناء الوريثة من التمتع بمال المورث، ومعاناة النساء من الفقر والحاجة ضمان حد من القدرة المالية تعينهن وتنتشلهن منه، وضرورة الحد من انتشار القيم المادية والنزعة الفردية التي أدت إلى المزيد من التفتت الأسري وإنكار المسؤوليات والطمع في اموال الأخوات والبنات والسعي بكل السبل في الاستيلاء عليها، وضرورة ضمان حقوق النساء في الملكية لتشجيعهن على الانخراط في عجلة الاقتصاد من خلال الاستثمار وتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فجميع هذه الأسباب تدفع باتجاه تعديل تعليمات التخارج وفرض مزيد من القيود عليها".
وأكملت: "يعتبر حرمان النساء من الحصص الأرثية أحد أبرز أوجه التمييز ضد المرأة، وقد أحسن المشرع صنعا بوضع قيود على معاملات التخارج (التنازل الطوعي عن الأموال بمقابل أو بدون مقابل وقد يكون شاملًا جميع الحصص الإرثية أو خاصًا ببعض الأموال) فما جاء في المادة1 من تعليمات تنظيم وتسجيل حجج التخارج لسنة 2011 يعتبر إجراءً في غاية الأهمية ونعتقد أنه جاء نتيجة العديد من الجهود والعمل الدؤوب لمنظمات المتجمع المدني والنشطاء والمنظمات النسويه التي عايشت العديد من القضايا بهذا الخصوص".
وتنص المادة (1) من تعليمات تنظيم وتسجيل معاملات التخارج لعام 2011، بأنه يمنع تسجيل أي تخارج عام أو خاص إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على وفاة المورث. ولكن التعليمات نصت أيضا على أنه وعلى الرغم مما ورد في الفقرة (ا) من هذه المادة يجوز وبموافقة قاضي القضاة تسجيل التخارج العام أو الخاص قبل مضي المدة المشار إليها في الفقرة السابقة حال وجود مسوغ شرعي أو قانوني".
وتقول "تضامن" إن "هذه النصوص لا تسعف كثيراً في تحقيق النتيجة المرجوة وهي منع إكراه النساء على التنازل عن حصصهن الإرثية، وتقترح تعديلات على هذه التعليمات تتضمن رفع المدة إلى ستة أشهر، وتقييد إمكانية تسجيل التخارج بشكل استثنائي قبل انتهاء المدة بحيث يمنع إتمام معاملة التخارج قطعيا وتحت طائلة البطلان إذا تم قبل ثلاثة أشهر".
وأردفت: "بالإضافة إلى النص على إلزامية إحضار حصر للتركة وإرفاقه بمعاملة التخارج، والتأكد من أن مواصفات المال المتخارج عنه وقيمته الفعلية معروفة لجميع المتخارجين مع أخذ إقرار منهم بذلك، ومنع أشكال التصرف الأخرى بالمال الموروث قبل مرور هذه المدة كالوكالات غير القابلة للعزل، والتشدد في الملاحقة الجزائية للإقرارات المزيفة بقبض الثمن أو قبض قيمة الحصص، وتجريم أساليب الضغط والإكراه في سبيل الحصول على التنازل وإبطال التنازل الذي يتم بالإكراه خلال مدة لا تقل عن سنة من وقوعه والحكم بالتعويض عنه خلال مدد التقادم العادي".
وتربط "تضامن" ما بين تدني مستوى ملكية النساء الأردنيات لأصول الأسرة من أراضي وشقق وماشية وأدوات وآلات، وبين حرمانهن من الميراث، وهو ما يؤدي الى نتائج سلبية كبيرة وهامة على الأمن الغذائي وعلى إمكانية خروجهن من دائرة الفقر والجوع. وإن التعامل مع النساء على أنهن شريكات في عملية التنمية المستدامة لا ضحايا لها سيعود بالفائدة على الجميع وسيؤدي إلى انتعاش سريع لإنتاج الأغذية والقضاء على الفقر والجوع.
تقييد الاستثناءات
ومن جانبها قالت كلثم مرئيس، رئيس الاتحاد النسائي، إن "القضية موجودة في كل الدول العربية، خاصة في مناطق الريف البعيدة عن المدن، لكن لا يمكن أن نطلق عليها في الأردن مسمى الظاهرة"، موضحة أن "هناك في الأردن تعليمات تسجيل معاملات التخارج، وتم تعديل القانون عام 2017، بحيث يمنع تسجيل أو تخارج عام أو خاص إلا بعد مرور 3 أشهر من وفاة المورث، حتى لا يكون هناك عاطفة لدى السيدات فتتنازلن عن حقوقهن".
وتابعت: "لكن في نفس المادة هناك استثناء، بحيث يجوز لقاضي القضاة تسجيل التخارج قبل المدة، إذا وجد مصوغًا شرعيًا أو قانونيًا، فأحيانا تكون الأخت مسافرة للخارج وموجودة لفترة قصيرة"، مؤكدة أن "هناك مطالب بتقييد مادة التخارج في القانون بحيث يتم وضع شروط صعبة ومقيدة، لأن عندما تقل ملكية الأراضي عند النساء، تزيد من الفقر والعوز لديهن".
وأشارت إلى أن "حرمات الإناث من الميراث يكون إما لتنازل الآباء لأبنائهم على حياتهم، أو التخارج عن طريق التودد أو ممارسة الضغط والتهديد، أو عدم وعي السيدات بحقوقهن"، قائلة: "حرمان السيدات من الميراث يعتبر تمييزًا ويضعف مواردها المالية والاقتصادية خصوصا الآن في وقت الفقر والجائحة، يحاول الرجال السيطرة على ميراث النساء، لكن القانون موجودًا ويحد من هذه الإجراءات، تظل هناك حاجة لحملات توعية".
ثغرات قانونية وحلول مطروحة
من جانبه قال حمادة أبونجمة، أمين عام وزارة العمل الأردنية الأسبق، والخبير الدولي العمالي، إن "القانون الأردني يسمح بالتخارج، وهو اتفاق الورثة على أن يتنازل بعضهم عن نصيبه في الإرث لغيره من الورثة مقابل التعويض".
وأضاف أن "هذا الحكم القانوني الذي أجازته الشريعة الإسلامية والمستمد من قواعد فقهية راسخة، كثيرا ما يتم استغلاله في كثير من الحالات، من قبل بعض الورثة خاصة الأخوة والآباء لإخراج الإناث من التركة أحيانا مقابل تعويضات أقل من القيمة الفعلية لحقهن، وأحيانا أخرى دون أي تعويض بممارسة أشكال مختلفة من الضغوط عليهن للتنازل".
وتابع: "قد حاول المشرع في قانون الأحوال الشخصية لعام 2010 أن يوقف هذا التجني على الإناث، فمنع تسجيل أي تخارج قبل مرور ثلاثة أشهر على وفاة المورث، إلا أنه في نفس الوقت منح القاضي الشرعي استثنائيا صلاحية الإشراف على معاملات تخارج قبل مضي هذه المدة في حالة وجود مسوغات قانونية أو شرعية يقتنع بها، الأمر الذي أبقى الباب مفتوحا أمام التجاوزات".
وأكد أن "حرمان النساء من الميراث من قبل الآباء أو الإخوة، يكون في الغالب من خلال استغلال ضعفهن وإشعارهن بأن الذكور أولى بالإرث منهن لما يترتب عليهم من مسؤوليات إعالة أسرهم والإنفاق عليهم، بينما الإناث لا يترتب عليهن مثل هذه المسؤوليات، ضاربين بعرض الحائط حكم الشرع في هذا الشأن، رغم تمسكهم بالأحكام الشرعية الأخرى، وفي كثير من الأحيان يتم إجبارهن على التنازل بالتهديد المباشر أو المبطن، وبالنتيجة يقع الكثير من النساء في براثن العوز والفقر خاصة في حالة ترملهن أو طلاقهن".
وبشأن طرق حلول هذه الظاهرة، قال: "يتم تعديل القانون بحيث تمنح النساء مهلة إضافية للتفكير، مع حصر الصلاحيات الاستثنائية الممنوحة للقاضي نهاية المدة فقط، وفي حالات محددة حصرا في القانون، وأن ينص القانون على حصر التركة وإحصائها بالكامل قبل إجراء أي تخارج حتى تكون المرأة على علم تام بقيمة التركة"، موضحًا: "وأن تتأكد المحكمة من وجود مبررات مقنعة للتنازل، ومن عدم تعرض المرأة لضغوطات من أي نوع، ومن استلامها فعليا للتعويض المتفق عليه، وأن يكون تعويضا مجزيا وعادلا".
قد يهمك أيضا:
"المرأة الجديدة" تكشف عن الإرث الأدبي النسوي الإفريقي والعربي
أرسل تعليقك