شهدت أعداد المسافرين عبر مضيق جبل طارق ارتفاعًا حادًا، على الرغم من أن معظم من يخططون للقيام بتلك الرحلة على دراية بمخاطرها، حيث تهب الرياح على تلال طريفة، المدينة الإسبانية التي تواجه المغرب عبر مضيق جبل طارق وأقصى نقطة في جنوب البر الرئيسي في أوروبا، فتدير التوربينات، وبالنسبة لراكبي الأمواج الذين يملأون فنادق المدينة، فإن الريح علامة لمقدم أمواج عالية، ولكن بالنسبة لخفر السواحل الإسباني والمنظمات غير الحكومية، فإن العواصف تمثل تحذيرًا من أن الأعداد الكبيرة للمهاجرين واللاجئين الذين يحاولون عبور المضيق، الذي يبلغ طوله 10 أميال، معرضون لخطر شديد.
ويزداد عدد اللاجئين والمهاجرين الذين يخاطرون بالقيام بالرحلة البحرية بين المغرب وإسبانيا تزايدًا كبيرًا، وشهد الأسبوع الماضي انشغال رجال الإنقاذ أكثر من المعتاد، وفي يوم الأربعاء، أنقذت وكالة السلامة والإنقاذ البحرية الإسبانية، بالتعاون مع الصليب الأحمر الإسباني، ما يقرب من 600 شخص على الأقل من 15 سفينة مختلفة قبالة ساحل طريفة، وهذا أكبر عدد يُنقذ في يوم واحد منذ أغسطس 2014، عندما هبط نحو 1300 شخص على الساحل الإسباني في 24 ساعة فقط.
ويحاول معظم المسافرين عبور المضيق باستخدام قوارب تجديف، ولكن البعض الآخر يستخدم زلاجات مائية، والمراكب التي تُنفخ وقوارب الصيد متهالكة، ووفقًا لوكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي "فرونتكس"، يموت المزيد من المهاجرين في البحر هذا العام أكثر مما كان عليه في عام 2016، ومعظم الذين يواصلون في رحلة العبور يعرفون المخاطر التي سيتعرضون لها.
وقال عبده "29 عامًا": "إننا نفضل الموت عن البقاء هناك، يحدث الموت مرة واحدة ولكننا نفضله عن البقاء في المغرب"، وهو من جماعة الأمازيغ التي تعيش في المنطقة الريفية المسلوبة حقوقها في شمال المغرب، حيث اُعتقل مئات الأشخاص عقب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة ضد الدولة، وقد أُنقذ الأسبوع الماضى مع سبعة آخرين من قارب قابل للنفخ اشتروه بمبلغ 4000 يورو، وهو خيار أرخص يساعد على تجنب الدفع للمهربين من أجل المرور.
بينما أوضح زكريا، البالغ من العمر 30 عامًا، أنه قد أنقذته طائرة هليكوبتر الأسبوع الماضي بعد أن رصده خفر السواحل مع آخرين يحاولون عبور المياه المتلاطمة فى قارب آخر قابل للنفخ، فيقول: "كنت خائفًا، إن لم تأت المروحية كنا سنموت".
وقد أدت العمليات الحديثة لفرض القيود على الطرق المؤدية إلى أوروبا عبر ليبيا إلى زيادة محاولات الوصول إلى القارة عبر المغرب، وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن من المحتمل أن يفوق عدد الأشخاص الذين يصلون إلى إسبانيا عن طريق البحر هذا العام عدد الذين يصلون إلى اليونان، ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة فإن 11849 من المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين قد وصلوا إلى إسبانيا عن طريق البحر بين 1 يناير ومنتصف أغسطس، كما وصل 3500 شخص آخر إلى المدينتين الإسبانيين في شمال أفريقيا سبتة ومليلية، وهما الحدود البرية الوحيدة لدول الاتحاد الأوروبي مع أفريقيا.
وعلى الرغم من أن أعداد الواصلين إلى إسبانيا لا تقارن بأعداد الواصلين إلى إيطاليا التي شهدت وصول 97،376 شخصًا حتى الآن هذا العام، إلا أن هناك ضغطًا كبيرًا على السلطات الإسبانية للتأكد من أنها تستطيع حماية القادمين على شواطئها وتسجيلهم وتوفير الإقامة لهم.
وأيضًا تتزايد المخاوف بشأن احتمال قيام المقاتلين باستغلال طرق المهاجرين إلى أوروبا، وتأتي تلك المخاوف في أعقاب الهجمات المتطرفة التي وقعت في نيس وبروكسل وأحدثها في مدينة برشلونة - وكلها أعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عنها.
ومن جانبها، بينت الموظفة في المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في إسبانيا، روزا أوتيرو، أن البلاد ليست في حالة طوارىء بعد، وخاصة بالمقارنة مع إيطاليا، ولكن السلطات تكافح من أجل مواجهة الموقف، وقالت: "نظرًا للارتفاع الحالي، لا توجد هياكل وإجراءات ملائمة للتعامل مع عدد أكبر من الوافدين، ومعرفة متطلبات الحماية الدولية وغيرها من احتياجات الحماية"، مضيفة أن أوجه القصور قد تركت المهاجرين، وخاصة الأطفال، تحت رحمة المهربين.
ويوميًا تأتي بين 3 إلى 4 حافلات خضراء داكنة إلى طريفة لنقل الوافدين الجدد إلى مدينة الجزيرة الخضراء التي تقع على مقربة من طريفة، حيث يقع مركز احتجاز الأجانب، ويأتي معظم الوافدين في الأصل من بلدان غرب أفريقيا، نيجيريا وغينيا وساحل العاج.
ويوفر الصليب الأحمر، وهو أحد المنظمات غير الحكومية الناشطة في الجزيرة الخضراء، لطالبي اللجوء ثلاث وجبات يوميًا ومكانًا للنوم، وازدحمت غرف المركز يوم السبت بالأطفال الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر، بينما تغسل النساء الملابس في الخارج، وكان عبده أحد الرجال الذين يقيمون في مركز الصليب الأحمر، وقال إن التفكير بشأن الرحلة عبر مضيق جبل طارق أثار خوفه، لكنه كان عازمًا على القيام بها.
وأضاف عبده: "ما يهم هو أنني غادرت المغرب، لا شيء آخر مهم، كنا نعاني من الكثير من الخوف، لأن البحر كان أحيانًا هادئًا، وأحيانًا ليس هادئ"، متابعًا: "هناك حرب، إن دولة المغرب في صراع مع الشعب الأمازيغي، ليس الوضع مثل سورية، لكنهم يعتقلوننا لأسباب سياسية، ليس هناك حقوق، ولا اقتصاد، ولا أي شيء".
وقد كان شقيقان، أعمارهما 28 و19 عامًا، وابن عمهما، يبلغ 21 عامًا، من بين الذين أُنقذوا يوم الأربعاء، وهم مثل عبده ينتمون إلى المجتمع الأمازيغي، وفي الشهر الماضي كانت مدينتهم الحسيمة مسرحًا لمسيرة مليون رجل، واستخدم حراس الأمن المغربيون الهراوات والغاز المسيل للدموع لقمع المتظاهرين، وقالت هيومن رايتس ووتش إن ما لا يقل عن 185 شخصًا قد اُعتقلوا لعلاقتهم بالاحتجاجات، وحكم على 46 منهم على الأقل بالسجن لمدة 18 شهرًا على إثر اعترافات أجبروا عليها.
وقد قام الرجال الأربعة بالرحلة التي تستغرق ست ساعات لمسافة 105 أميال من الحسيمة إلى موتريل على الساحل الجنوبى لإسبانيا على متن زلاجة مائية واحدة، وقد احتجزوا لمدة يومين لدى وصولهم قبل نقلهم إلى الصليب الأحمر في الجزيرة الخضراء.
وقد ينتظر أولئك الذين يطلبون اللجوء في إسبانيا من ستة أشهر إلى عامين للحصول على قرار، وتزايد التراكم يعني زيادة وقت المعالجة لأخذ قرار، وصرحت الشرطة المحلية إن مراكز الاعتقال المحلية المؤقتة قد غُمرت بأعداد طالبي اللجوء الكبيرة، حتى إنهم يعتمدون على المنظمات غير الحكومية للمساعدة في العثور على سكن.
وأقر ألبرت بيتودن ياكا، وهو منسق في أحد المؤسسات التي تؤوي اللاجئين والمهاجرين في ثمانية منازل مختلفة في مدينة الجزيرة الخضراء، بنقص الموارد اللازمة للتعامل مع الوافدين الجدد، وقال: "أعتقد أن السلطات والدول الأوروبية أثبتت عدم فعاليتها عندما يتعلق الأمر بمعالجة هذه الظاهرة، ولا سيما وصول اللاجئين".
فيما زارت صحيفة "الغارديان" يوم السبت أحد منازل الإيواء، حيث يقيم سبعة لاجئين في أربع غرف في شقة في مجمع سكني كبير، ويتلقى السكان مصروفات شهرية قدرها 50 يورو للإنفاق على ما يريدون و170 يورو لشراء الطعام، ويستمر هذا إلى أن تصل السلطات الإسبانية لقرار بشأن طلبهم للجوء.
وأشار ياكا: إلى أن"الجزيرة الخضراء هي مدينة يعيش بها أكثر من 120 جنسية، وهم يعرفون مدى أهمية التعايش معًا، في لحظات مثل هذه، بعد هجوم برشلونة، ندرك مدى تأثير امتلاك خبرة في العيش وسط التنوع لمنع العنف".
ويعيش لارى، وهو لاجىء من غانا يتحدث باللغة الإنجليزية ويبلغ من العمر 22 عامًا، فى أحد منازل الإيواء، وقال إنه حاول الوصول إلى أوروبا للمرة الأولى عبر الطريق بين ليبيا وإيطاليا ولكنه كان على وشك الغرق عندما انقلب القارب الذى كان يقل 35 شخصًا بعد ساعة من مغادرته.
وأردف لاري يحكي عن تلك المحاولة: "نجا 12 شخصًا فقط، ومات الباقون جميعًا أمام أعيننا، من بينهم أطفال ونساء"، "سبحت إلى أن وصلت للقارب وتعلقت به، حتى جاء الصيادون اليوم التالي ورأونا، ثم عادوا ليحضروا المساعدة، كنا نبكي، لم نصدق أنه قد جاء الناس معهم قارب، لقد قضيت في البحر يوم كامل حتى الساعة 11 صباحًا ".
ولم يستسلم لاري، فسافر إلى المغرب في محاولة للوصول إلى إسبانيا عبر المضيق، قال إنه ينتمي إلى مجموعة بيموبا العرقية في غانا التي تقاتل في صراع طويل المدى مع مجموعة كونكومبا، وكان قد غادر غانا إلى ليبيا بمجرد أن أنهى المدرسة الإعدادية، بحثًا عن حياة أفضل"، مضيفًا: "لم أكن أعرف أن ليبيا بها قتال أيضًا"، عمل في ليبيا لمدة ثلاثة أعوام قبل الذهاب إلى المغرب، حيث دفع 1000 دينار "82 جنيه إسترليني" للركوب على زورق مع النساء والأطفال.
ونوه لاري: "في هذا الطقس، يموت الكثير من الناس، الأمر متروك لله، بعض الناس لا يصلون، وبعض الناس يصلون، اللحظة التي تصعد بها على القارب تبيع حياتك، ولكن ليس هناك حل آخر، الحل الوحيد هو أن ندعو الله لينقذنا، لنصل إلى المكان، ولكن بالتأكيد ليس من السهل الدخول إلى هذا البحر."
وردًا على سؤال بشأن ما إذا كان الأمر يستحق المخاطرة، قال لاري: "هنا الوضع أفضل بنسبة 100% منه في غانا، كنت أعاني، أحيانًا تعرضت للضرب في طريقي من النيجر إلى ليبيا، عندما أنظر إلى كل شيء الآن بعد أن أصبحت في أوروبا، أرى أن الأمر يستحق المخاطرة 100%.
أرسل تعليقك