القاهرة ـ مصر اليوم
تنتشر في الصحارى المصرية أنواع مختلفة من الرمال التي تمتاز بتراكيبها الكيميائية الفريدة ويلجأ إليها بعض المرضى بناء على نصائح الأطباء للقيام بتغطية أجسامهم بالرمال فيما يعرف بـ «الدفن» أو حمامات الرمال الساخنة بغرض الشفاء. وشاع عن تلك الرمال أنها مفيدة للخلاص من أمراض العظام أو الأمراض الروماتيزمية والصدفية، كما أنها تعمل على تجميل البشرة وخفض الوزن. إلا أن عملية الدفن بحد ذاتها تثير رعب بعض المرضى، فيما سخونة الرمال تمنعهم من إكمال مدة العلاج، لذا فإن هذا الأسلوب العلاجي يحتاج مرضى صبورين قادرين على تحمل فكرة البقاء تحت الرمال مدة ساعة كاملة للحصول على الفائدة المرجوة.
يعمد مرضى مصريون لعلاج قديم يتلخص في دفن الجسم برمال الصحراء التي تمتاز بتركيبة خاصة تمتاز بخصائص علاجية، يؤكدها خالد عبدالله (43 عاما)، وهو ممن يعملون في هذا المجال منذ 25 عاماً، فهو يقول «رمال الصحراء لها أسرار وفوائد كثيرة، من ضمنها أنها علاج فعال للكثير من الأمراض المستعصية، وفي صحراء مصر أنواع متعددة من الرمال لكل نوع خواص ومزايا تفيد في علاج أمراض بعينها بطرق بسيطة نتوارثها جيلاً بعد جيل منذ زمن الفراعنة، وهي مهنة يعرف أهميتها الأطباء ويعتبرونها أحد أنواع الطب البديل الذي يعتمد على الطبيعة في العلاج».
مهنة متوارثة
حول طريقة العلاج، يقول عبدالله «من يعمل في مهنة العلاج برمال الصحراء يعرف باسم «الدفان»، أي من يقوم بدفن جسد المريض إلا رأسه داخل حفرة أعدت خصيصاً، ليبقى بها نحو ساعة يومياً طوال فترة العلاج، التي تتراوح بين أسبوع إلى شهر حسب الحالة الصحية للمريض».
ويشير إلى أنه ورث المهنة عن أجداده، وأن رمال الصحارى أنواع مختلفة، ولكل نوع أسراره وخواصه، وطرق للتعامل معه والاستفادة من مزاياه؛ إلى ذلك، يقول «هناك الرمال الصفراء والسوداء والبيضاء والخضراء والرمادية والحمراء والبنية، ويحتوي كل منها على أنواع محددة من المعادن والأكاسيد، وقدر من الأشعة البنفسجية، ولذلك يجب معرفة التركيب المعدني والكيميائي للرمال لمعرفة مدى ملاءمتها للأغراض العلاجية».
ويضيف «هناك من يلجأ لنا لنقوم بردمه بالرمال أو دفن غالبية جسده بغرض الشفاء من علة إصابته، وهناك من يلجأ إلى هذه الطريقة بغرض الاستمتاع بلذة الحرارة التي تحتويها حبات الرمل الساخنة بفعل أشعة الشمس، حيث تمنح الجسد قوة وطاقة لا يشعر بها إلا كل من يتعرض للدفن بالرمال ولو لمرة واحدة».
وحول أفضل الأوقات لممارسة هذا النوع من العلاج، يقول عبدالله «العمل يتواصل بهذه الحمامات الرملية على مدار العام، وإن كانت الفترة من شهر أبريل وحتى نوفمبر من كل عام هي ذروة الموسم بالنسبة لهواة الدفن بالرمال في الصحارى المصرية،حيث يفد إلينا أناس من مختلف الجنسيات»،مؤكداً أن الرمال المصرية لها شهرة عالمية في العلاج الطبيعي من أمراض كثيرة. ويشير إلى أن العالم عرف استخدام الدفن في الرمال الناعمة كوسيلة للعلاج من الروماتيزم عن قدماء المصريين ومثبت ذلك في أوراق البردي.
خطوات العلاج
عن مراحل العلاج، يقول المعالج بالرمال سعيد الطيب (55 سنة) «تبدأ أولى خطوات العلاج بالدفن في الرمال بتحديد بقعة رملية نظيفة، لم يسبق استخدامها من قبل، حيث يجب أن تكون معرضة للشمس لوقت طويل، ولذا يفضل أن تكون في الخلاء بعيداً عن ظل جبل أو شجرة، حيث تكون الرمال مشبعة بالحرارة، وكذلك تكون نقية من أي بكتريا أو فطريات، فحرارة الشمس تقتل أي بكتريا، ثم نحفر حفرة ملائمة لحجم المريض، ونلف جسمه بقماش أبيض بعدما ينزع كامل ثيابه كي يستفيد جسمه من حرارة الرمال، ثم نلف فوقه رداء خشناً يوازن بين حرارة الرمل وحرارة الجسم، وبعد أن يستلقي في الحفرة ونطمئن إلى وضعه، نغطي كامل الجسم بالرمل ما عدا الوجه، ونحرص على أن تكون كمية الرمال الموضوعة فوق الجسد متوسطة تفي بغرض العلاج، وألا تكون حملاً ثقيلاً على قلبه وقدرته على التنفس الطبيعي، ثم نضع فوق الوجه مظلة لوقايته من الشمس».
ويتابع «نترك المريض لنحو ساعة نظل خلالها نلاحظه عن قرب حتى إذا شعر باختناق أو ضيق نزيح الرمال عنه بسرعة حتى لو كانت الفترة التي قضاها تحت الرمل قصيرة، فبعض الناس يبدي رغبة كبيرة في الدفن للتخلص من أمراضه، لكنه ما أن يوضع في الحفرة حتى تقل عزيمته بسبب شعوره بالخوف، فيضطرب ويصرخ بدعوى أن الرمل ساخن، وأنه لا يقوى على تحمله، ولذا نقوم برفعه بسرعة، فالتوتر هنا خطر عليه، فقد يؤدي إلى ضيق التنفس، ومن ثم يتعرض للإغماء، ولذا نستمر في متابعة المريض على مدار الساعة، وبعدها نرفع الرمال من فوق جسد المريض برفق وبمجرد أن ننتهي من ذلك نقوم بتغطيته في الحال منعاً لإصابته بتيار هواء بارد ما قد يصيبه بعواقب، ويستمر المريض في غطائه لمدة ساعتين».
ولا يتوقف برنامج العلاج عند إخراج المريض من الحفرة، إذ يوضح الطيب «نحرص على تقديم مشروبات من الأعشاب المفيدة مثل النعناع واليانسون كي تساعد الجسم على استعادة المياه التي فقدها بعدما تعرق كثيراً تحت الرمل، وبعدها يشعر المريض بتحسن تدريجي في حالته الصحية وبتكرار الدفن في الأيام التالية يمن الله عليه بالشفاء من الأمراض التي عانى منها طويلاً».
أبرز الأمراض والمناطق
عن أبرز الأمراض التي يسعى الناس للتخلص منها بالدفن، يقول الطيب «غالبية من يأتون للعلاج بالرمال يعانون أمراضاً مثل الروماتيزم والروماتويد المفصلي والنقرس والأمراض الجلدية مثل الصدفية والبهاق، وأيضاً من يعانون قصور الشرايين والسمنة الزائدة، كما تفيد رمال الصحارى في هدوء النفس وصفاء الروح، ولذا فمن يود التخلص من القلق والضغوط النفسية ينصح دوماً بحمام رمل ساخن، فيعود صافي الذهن والنفس».
وتوجد أشهر أنواع الرمال المصرية التي تستخدم في العلاج في مناطق حلوان وسفاجا على ساحل البحر الأحمر، وجبل الدكرور في واحة سيوة، وفي صعيد مصر بمناطق أبوسمبل وتوشكى والجنينة والشباك بمحافظة أسوان، وأيضاً في العريش والشيخ زويد والطور ورأس محمد وعيون موسى بشبه جزيرة سيناء، حيث تجتذب تلك المناطق أعداداً كبيرة من المرضى من مختلف الأعمار والجنسيات.
وعن أكثر الجنسيات إقبالاً على هذا النوع من العلاج، يقول الطيب «الغالبية سياح أجانب، وهناك عرب ومصريون ونتولى أمر المريض سواء كان رجلاً أو امرأة ومتابعته في جميع مراحل العلاج، وأحياناً نجد بعض الصعوبات في التعامل مع النساء إذا كانت مصرية أو عربية، ولذا نطلب من زوجها أن يتعاون معنا في تغطيتها وحملها وأحياناً نستعين بزوجاتنا لهذا الغرض منعاً للحرج». ويضيف «ليس كل مريض قادرا على تحمل العلاج بحمام الرمل الساخن فهو وإن كان زهيداً مادياً مقارنة بغيرة من العلاجات، حيث تتراوح تكلفة الدفن الواحدة بالرمال ما بين 100 و300 جنيه مصري، فإنه في المقابل مجهد بدنياً، ولذا ننصح مرضى القلب وضيق التنفس بعدم اللجوء لهذا النوع من العلاج، ومن يرفض منهم يكتشف أنه بعد 5 دقائق لا يقوى على التحمل، فيصرخ من فرط التعب».
نوع المرض
حول الفترة الزمنية للحمام الرملي، وهل تختلف باختلاف نوع المرض، يقول المعالج طارق جمال «ليست هناك معايير ثابتة وإنما الفيصل في كل هذا هو قدرة المريض على تحمل حمام الرمل الساخن، وإن كنا ننصح بألا تزيد الفترة على ساعة واحدة يومياً كي لا يتعرض جسم المريض للجفاف، فهو يعرق كثيراً، ويفقد كميات كبيرة من الماء والأملاح في الحفرة، وننصح الأقوياء منهم بالاكتفاء بساعة والخروج، فليس بطول الفترة الزمنية يتحقق العلاج، ومن الضروري وضع مظلة شاطئ فوق رأس المريض لحمايته من الإصابة بضربة شمس واحتراق جلد وجهه من الحرارة».
ولتجاوز مخاوف بعض المرضى، يلجأ المعالجون لطريقة علاجية أخرى.
يقول جمال «هناك مرضى لا يتحملون البقاء في الحفرة لخمس دقائق، وهؤلاء نقوم بعلاجهم بحمام «الروبة أو اللبخة» بمعنى عمل معجون من رمل الصحراء الساخن، مع إضافة القليل من الماء العذب الدافئ، ونقوم بتعرية جسد المريض إلا ما يستر عورته، ووضعه في مكان مغطى، ومن ثم يستلقي على بطنه تارة وظهرة تارة أخرى ونقوم بوضع اللبخة على أماكن محددة بالجسم مثل المفاصل والركبتين والصدر والظهر واليدين، وتستمر العملية لنحو ساعة ثم يغتسل المريض بالماء الدافئ، وبعد ساعتين يتناول وجبته الغذائية التي غالبا ما تكون من اللحوم البيضاء، ثم تجرى له عملية تدليك ودهان بالخل وزيت الزيتون، ويتكرر هذا الأمر على مدار سبعة أيام متصلة إلى أن يشعر بتحسن، ويتناول خلال هذه الفترة السوائل الساخنة مثل الليمون أو الحلبة».
محاذير ما بعد العلاج
حول الأمور التي يفضل ألا يفعلها المريض عقب العلاج بالدفن، يقول المعالج طارق جمال «من الأمور المنهي عنها لأي مريض يرغب في التعرض لحمام الرمل الساخن، رفض المريض فور خروجه من الحفرة أن يلف جسده بأغطية صوفية كثيرة بدعوى أنه يشعر بالحر، وهذا يشكل خطراً على صحته، فنحن نخشى أن يتسلل تيار هواء إلى جلده، ويصاب بالأذى في الجهاز النفسي، كما ننصح دوماً بتجنب شرب أي سوائل مثل الماء أو العصائر طوال فترة وجود المريض في الحفرة، وبعد أن يخرج منها لا يتناول إلا كوباً أو اثنين من مشروبات ساخنة مثل الحلبة واليانسون، ويراعى أن تستمر فترة الاستشفاء من أسبوعين إلى ثلاثة، وعدم وجود تسلخات أو تقرحات أو جروح غير ملتئمة على الجسم، وفي حالة وجودها ينصح المريض بأن يعالج منها أولاً».
أرسل تعليقك