يتجول احمد عثمان داخل فندق منبج الذي حول تنظيم الدولة الاسلامية قبوه الى مركز اعتقال، ويتوقف مطولا امام غرفة ذاق فيها التعذيب لمدة 32 يوما وهو معلق في السقف بزرد حديدي ويداه مقيدتان خلف ظهره.
ويقول احمد وهو يقف في وسط الغرفة لوكالة فرانس برس "علقت لمدة 32 يوما على زرد مربوط بالسقف كان احيانا يتم تحريكه للاعلى والاسفل من دون ان تطأ قدمي الارض" من اجل مضاعفة الالم، وهي طريقة تعذيب تعرف بـ"البالانغو".
ويوضح انه بعد التعليق لايام طويلة "لم اعد اتمكن من السير.. حتى انني فقدت تركيزي".
واعتقل تنظيم الدولة الاسلامية احمد وهو شاب في مطلع الثلاثينات في العام 2015 بتهمة التعاون مع المقاتلين الاكراد الذين كبدوا الجهادييين خسائر ميدانية بارزة على اكثر من جبهة في شمال وشمال شرق سوريا.
وجراء النقص في الادلة ضده، افرج التنظيم عن الشاب الذي كان قبل اندلاع النزاع طالبا في اختصاص الادب الفرنسي، بعد ثلاثة اشهر على اعتقاله، لينضم اثر ذلك الى مجلس منبج العسكري المنضوي في صفوف قوات سوريا الديموقراطية التي تضم مقاتلين عرب واكراد.
وتمكنت هذه القوات في اب/اغسطس الماضي بمساندة طائرات التحالف الدولي بقيادة اميركية، من طرد الجهاديين من منبج التي شكلت منذ العام 2014 احد ابرز معاقلهم في محافظة حلب، كونها تقع على طريق امداد رئيسي للتنظيم نحو الحدود التركية.
قبل اندلاع النزاع في منتصف اذار/مارس 2011، كان الفندق مقصدا للسوريين وللسياح الاجانب. وبعد سيطرته على المدينة مطلع العام 2014، حول التنظيم الفندق الى مركز للخدمات والتموين، وجعل القبو المؤلّف من طابقين سفليين تحت الأرض مركز اعتقال وتعذيب بعدما كان يضم مطابخ الفندق وحماماته.
وخلال جولة لفرانس برس مع احمد داخل الفندق، يبدو واضحا الدمار الذي لحق بطوابقه الخمسة العليا جراء غارات التحالف الدولي التي ادت ايضا الى تحول قسم من القبو الى ركام يعيق حركة الدخول اليه.
واوصد التنظيم باب المعتقل بباب حديدي عريض اسود اللون، يمكن الدخول منه الى ممر طويل على جانبه غرف صغيرة مظلمة، داخلها ثياب مرمية على الارض وعبوات وقناني بلاستيكية، بالاضافة الى شعارات كتبها التنظيم على الجدران بينها "شمس الخلافة اشرقت".
- "لم نر الشمس"-
ويقول احمد بمرارة "لم يكن يُسمح للمعتقلين بالخروج من الغرف اطلاقا، لم نكن نرى الشمس".
ويشرح احمد وهو يتنقل بحذر داخل القبو كما لو انه يخشى وجود جهاديين داخله، كيف قسّم تنظيم الدولة الاسلامية القبو الى اجنحة عدة، تتوزع بين السجن الجماعي الذي يضم عشر غرف على الاقل، وغرف السجن الانفرادي التي كانت عبارة عن حمامات، يبلغ ارتفاعها مترين وعرضها اقل من متر.
كما يضم السجن حجرا صغيرة يبلغ ارتفاعها ثمانين سنتمترا وعرضها خمسين سنتمترا، كانت عبارة عن خزائن المطابخ التابعة للفندق. وكان يتعين على السجناء الجلوس في وضعية القرفصاء داخلها.
ويقول احمد "أصعب أنواع التعذيب كانت في هذه المنفردات الصغيرة حيث كان يوضع السجين ليوم او يومين ويغلق الباب عليه" بهدف حثه على الاعتراف بالتهم الموجهة اليه.
ويوضح "كانوا يضربوننا على الراس وعلى اي مكان في جسمنا"، مستعيدا تقنية التعذيب داخل الدولاب "كانوا يقيدوننا داخل دولاب ويتناوب ثلاثة عناصر على ضربنا حتى نصبح عاجزين عن المشي".
يعتبر احمد نفسه اليوم محظوظا لتمكنه من البقاء على قيد الحياة، بعد تعليق بعض المعتقلين "لأكثر من ستة أشهر، وهو ما كان يؤدي إلى عدم قدرتهم على السير بسبب تجمع الدم في مكان محدد"، عدا عن اقدام الجهاديين على اعدام بعض المعتقلين.
ويفرض التنظيم المتطرف في مناطق سيطرته احكاما وقوانين صارمة كما يطبق عقوبات وحشية غير مسبوقة بحق كل من يخالف تعليماته او يشك بانتمائه.
ويقول احمد ان التهم كانت "توجه من أمنيي التنظيم المنتشرين في المدينة بشكل كيدي" قبل ان "يتم تعذيب المتهمين حتى الاعتراف وبالتالي الحكم عليهم بقطع رؤوسهم"، متسائلا "هل هذه هي الدولة الاسلامية؟"
وتعهدت قوات سوريا الديموقراطية التي تسيطر على مدينة منبج بتحويل الفندق المهجور في الوقت الحالي الى مركز رعاية للاطفال.
أرسل تعليقك