تواجه السعودية ضغوطا جديدة على خلفية النزاع في اليمن، غداة مقتل اكثر من 140 شخصا في غارات على صنعاء، اعلن التحالف الذي تقوده فتح تحقيق فيها على رغم نفيه مسؤوليته، وذلك بعد اعلان واشنطن مراجعة تعاونها معه.
وواجه التحالف العربي الداعم للرئيس عبد ربه منصور هادي في مواجهة الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، انتقادات متزايدة من اطراف دوليين خلال الاشهر الماضية، جراء ارتفاع الكلفة البشرية للنزاع منذ بدء عملياته نهاية آذار/مارس 2015.
واعلن المتمردون الذين يسيطرون على صنعاء منذ ايلول/سبتمبر 2014، ان غارات السبت استهدفت "القاعة الكبرى" حيث كانت تقام مراسم عزاء بوالد وزير الداخلية الموالي للمتمردين جلال الرويشان، متحدثين عن "مجزرة" من ضحاياها امين صنعاء عبد القادر هلال.
وادى القصف لمقتل اكثر من 140 شخصا واصابة 525 على الاقل، بحسب المنسق الانساني للأمم المتحدة في اليمن جايمي ماكغولدريك، في ما يعد واحدة من اكبر الحصائل المنفردة منذ بدء النزاع في البلاد.
وفي وقت متأخر ليل السبت، اعلنت قيادة التحالف في بيان نشرته وكالة الانباء السعودية الرسمية، انه "سوف يتم إجراء تحقيق بشكل فوري من قيادة قوات التحالف وسيسعى فريق التحقيق للاستفادة من خبرات الجانب الأمريكي والدروس المستفادة في مثل هذه التحقيقات".
اضافت "سوف يتم تزويد فريق التحقيق بما لدى قوات التحالف من بيانات ومعلومات تتعلق بالعمليات العسكرية المنفذة في ذلك اليوم وفي منطقة الحادث والمناطق المحيطة بها، وستعلن النتائج فور انتهاء التحقيق".
واعربت قيادة التحالف "عن عزائها ومواساتها لأسر الضحايا والمصابين في الحادثة المؤسفة والمؤلمة التي وقعت في صنعاء"، مؤكدة ان "لدى قواتها تعليمات واضحة وصريحة بعدم استهداف المواقع المدنية وبذل كافة ما يمكن بذله من جهد لتجنيب المدنيين المخاطر".
واكد ماكغولدريك إن "المجتمع الإنساني مصدوم ومروع" من الغارات.
واظهرت صور واشرطة مصورة ملتقطة في المكان، مشاهد مروعة لجثث متفحمة واشلاء بشرية. وادى القصف الى اندلاع حريق ضخم. وافاد مصور وكالة فرانس برس ان فرق الانقاذ عملت على انتشال جثث متفحمة واخرى عالقة تحت الانقاض، بينما عمل مسعفون على مساعدة اشخاص بترت اطرافهم السفلية.
وافاد شاهد قال ان اسمه مجاهد "ان طائرة اطلقت صاروخا على الصالة وبعد ذلك بدقائق قصفت طائرة ثانية الموقع".
- مراجعة اميركية "فورية" -
واستبق التحالف اعلانه فتح تحقيق في الغارات، بنفي مسؤوليته.
وقال في بيان اول مساء السبت انه لم ينفذ عمليات عسكرية في مكان الحادث، وانه يجب النظر في "أسباب اخرى".
الا ان هذا النفي لم يحل دون توجيه واشنطن، حليفة الرياض وابرز مزوديها بالاسلحة، انتقادات حادة للتحالف على خلفية الغارات.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي نيد برايسان "التعاون الأمني للولايات المتحدة مع السعودية ليس شيكا على بياض (...) وفي ضوء هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الأخيرة، شرعنا في مراجعة فورية لدعمنا الذي سبق وانخفض بشكل كبير للتحالف الذي تقوده السعودية".
اضاف في بيان ان "واشنطن مستعدة لتصحيح دعمها بما يتلاءم بشكل أفضل مع المبادئ والقيم والمصالح الأميركية، بما في ذلك التوصل إلى وقف فوري ودائم للنزاع المأسوي في اليمن".
وكانت القوات الاميركية اعلنت في آب/اغسطس انها خفضت بشكل كبير عدد مستشاريها الذين كانوا يقدمون دعما للتحالف، وذلك على خلفية تزايد الضحايا المدنيين خصوصا جراء الغارات الجوية.
ولقي القصف الجوي على صنعاء السبت انتقادات دولية واسعة.
فقد دانت ايران التي يتهمها الغرب والسعودية بدعم المتمردين بالسلاح والتدريب، الغارات، معتبرة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي انها "جريمة مروعة ضد الانسانية".
كما دان المدير الاقليمي للجنة الدولية للصليب الاحمر روبير مارديني السبت "الخسارة المشينة في الارواح المدنية"، مضيفا ان مدنيي اليمن "سبق لهم ان دفعوا ثمنا باهظا خلال الاشهر الـ 18 الماضية".
وطالب ماكغولدريك باجراء تحقيق فوري وحماية المدنيين، معتبرا ان "على العنف ضد المدنيين في اليمن ان يتوقف فورا".
كما دعا مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية ستيفن اوبراين الى تحقيق سريع و"محايد"، داعيا كل اطراف النزاع لتفادي استهداف المناطق المدنية.
وسجلت منذ بدء عمليات التحالف، سلسلة عمليات قصف طالت اهدافا مدنية، وادت الى مقتل المئات وتوجيه انتقادات متزايدة للرياض.
ففي ايلول/سبتمبر 2015، قتل 131 مدنيا على الاقل في غارة جوية استهدفت حفل زفاف في مدينة المخا الساحلية في غرب اليمن. ونفى التحالف حينها مسؤوليته عن الحادث.
وفي آذار/مارس 2016، قتل 119 شخصا على الاقل غالبيتهم من المدنيين، ومن بينهم 24 طفلا، في قصف جوي استهدف سوقا في محافظة حجة بشمال اليمن التي يسيطر عليها المتمردون.
وفي آب/اغسطس، اعلن التحالف فتح تحقيق في قصف جوي استهدف مستشفى تدعمه منظمة اطباء بلا حدود في محافظة حجة، ادى الى مقتل 19 شخصا على الاقل.
وفي مطلع الشهر نفسه، اقر فريق تحقيق شكله التحالف، بوجود قصور في حالتين من ثمان قام بالتحقيق فيها بعد ادانة الامم المتحدة ومنظمات دولية سقوط مدنيين فيها.
وادى النزاع الى مقتل اكثر من 6700 شخص منذ آذار/مارس 2015، نصفهم على الاقل من المدنيين، بحسب حصيلة اعلنتها الامم المتحدة في وقت سابق من تشرين الاول/اكتوبر.
أرسل تعليقك