ولاية رئاسية جديدة يبدأها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتراوح فيها توقعات المصريين بين الترقب والرجاء، وسط تحديات داخلية وإقليمية تلقي بظلالها على الواقع المصري اقتصادياً وأمنياً، خصوصاً مع استمرار أزمات مشتعلة على حدود مصر الشرقية والغربية والجنوبية.
كما يبدأ الرئيس السيسي ولايته الثالثة، وسط واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البلاد منذ عقود، في ظل ارتفاع التضخم، وتدني قيمة الجنيه، والمطالبة بإفساح المجال للقطاع الخاص، وتراكم الديون.
في المقابل، تراود المصريين «آمال كبيرة» بأن تشهد السنوات الست المقبلة تحسناً في جودة حياتهم مع اكتمال عدد من المشاريع الكبرى في البلاد. وتعهد السيسي بالتركيز على جذب استثمارات خارجية وتحسين معدلات أداء الاقتصاد المصري، خصوصاً في قطاعي الصناعة والزراعة، إضافة إلى زيادة الاهتمام بالتعليم والصحة.وكان الرئيس المصري قد أدى اليمين الدستورية، الثلاثاء، أمام مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بمقره الجديد في العاصمة الإدارية، ليستهل بذلك ولايته الرئاسية الثالثة، التي تستمر حتى عام 2030، بعدما حصد 89.6 في المائة من أصوات الناخبين، الذين سجلت مشاركتهم معدلاً قياسياً بنسبة بلغت 66.8 في المائة من إجمالي الناخبين المسجلين في البلاد البالغ عددهم 67.3 مليون، بحسب ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
تحديات اقتصادية وأمنية
الفترة الرئاسية الجديدة، وفق الدستور المصري الذي جرى تعديله عام 2019، هي الأخيرة للرئيس السيسي، الذي تولى حكم البلاد عام 2014 في أعقاب الإطاحة بحكم تنظيم «الإخوان» الذي تصنفه السلطات المصرية «إرهابياً» عام 2013. وشهدت السنوات العشر الأولى تحديات أمنية فرضتها مكافحة التنظيمات الإرهابية، واقتصادية جمة جراء تراجع الإيرادات العامة، وتضرر قطاعات الصناعة والاستثمار والسياحة والطاقة نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة في البلاد.
وفي المقابل، شهدت السنوات الماضية من حكم الرئيس السيسي حركة عمرانية نشطة، تمثلت في إقامة العديد من المدن الجديدة، وتحديث البنية التحتية للبلاد، وإطلاق العديد من المبادرات الرئاسية التي تركزت على القطاعات الصحية والخدمية، إضافة إلى التوسع في تقديم مظلة حماية اجتماعية للفئات الفقيرة.لكن منتقدين في المقابل يرون أن تلك المشاريع الكبرى زادت من الضغوط الاقتصادية وارتفاع معدلات الاستدانة الخارجية، التي سجلت، بحسب تقرير لمعهد التمويل الدولي، نشر في مارس (آذار) الماضي، معدلات قياسية في السنوات العشر الأخيرة، ووصلت ذروتها في السنة المالية 2022 – 2023، مسجلة 165 مليار دولار قبل أن تتراجع إلى 157 ملياراً في السنة المالية 2023 - 2024 بعد شطب ودائع لدولة الإمارات في أعقاب توقيع اتفاق تطوير منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي الغربي لمصر.
وبحسب البيانات المنشورة على موقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، ارتفع الدين المحلي المصري في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 8 في المائة ليصل إلى 6.86 تريليون جنيه (الدولار يعادل 47.4 جنيه في البنوك المصرية)، مقابل 6.352 تريليون في الربع الأخير من 2022.
أولويات الفترة المقبلة
وخلال خطاب التنصيب لفترة رئاسية ثالثة، حدد السيسي أهم ملامح ومستهدفات ولايته الجديدة، مؤكداً أنه سيمنح الأولوية على صعيد السياسة الخارجية لحماية أمن مصر القومي في ظل أوضاع إقليمية ودولية مضطربة، «ومواصلة العمل على تعزيز العلاقات المتوازنة مع جميع الأطراف في عالم جديد تتشكل ملامحه وتقوم فيه مصر بدور لا غنى عنه لترسيخ الاستقرار والأمن والسلام والتنمية».
وتوقع نائب المدير العام لـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، اللواء محمد إبراهيم، أن يتواصل التعامل المصري خلال الفترة الرئاسية الثالثة للرئيس السيسي مع القضايا التي تؤثر على أمنها القومي «بكل الجدية عبر عمل مكثف كي يتم حلها بالطرق السلمية»، مشيراً في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن السنوات الماضية «أثبتت أهمية الأدوار المصرية في صناعة السلام بالمنطقة، وهو ما يتوقع أن يستمر ويتعمق في المرحلة المقبلة».
وأوضح إبراهيم أن الفترة الرئاسية الجديدة ستشهد استمرار مصر في أداء «أدوار فاعلة ومؤثرة في العديد من الأزمات التي تلقي بظلالها على الواقع المصري، خصوصاً الأزمة في قطاع غزة، التي تمثل تحدياً خطيراً للمنطقة برمتها وفي القلب منها مصر، التي تحملت أعباءً جسيمة» جراء العدوان الإسرائيلي، سواء على المستوى المباشر عبر التوتر على الحدود، أو من خلال استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر من جانب الحوثيين، وهو ما انعكس سلباً على تراجع إيرادات قناة السويس.ووفق تقرير حديث لوكالة «بلومبرغ إنتليجنس» نُشر الشهر الماضي، فإن خسائر مصر في قناة السويس قدرت بنحو 508 ملايين دولار بسبب التهديدات المستمرة لحركة الملاحة في البحر الأحمر.
وكان رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع قد قال في تصريحات مطلع فبراير (شباط) الماضي، إن إيرادات القناة انخفضت في يناير (كانون الثاني) الماضي، 46 في المائة على أساس سنوي من 804 ملايين دولار إلى 428 مليوناً.
وتُعد إيرادات القناة، التي بلغت العام الماضي نحو 9 مليارات دولار، أحد المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية في مصر. كما تعول الحكومة على الاستفادة من الموقع الاستراتيجي وحركة الملاحة البحرية بالمنطقة، في تدشين مشروعات استثمارية تدر دخلاً، سواء في مجال الخدمات اللوجستية أو عبر إقامة مناطق صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
التركيز على الإنسان
الآمال والتحديات المرتبطة بالفترة الرئاسية الجديدة في مصر لا تقتصر فقط على الأبعاد الإقليمية وانعكاساتها على الواقع الداخلي، فثمة العديد من «الآمال الكبيرة» المعقودة على الفترة المقبلة لجني ثمار العديد من المشروعات التي بدأت خلال العقد الماضي، وهو ما يشير إليه الكاتب والأديب المصري محمد سلماوي، عضو مجلس أمناء «الحوار الوطني»، الذي يعرب عن اعتقاده بأن محور العمل العام في الفترة الرئاسية الجديدة، التي بدأت من العاصمة الإدارية بمراسم حلف اليمين، «يجب أن يتركز على الإنسان، أي على المواطن المصري وقضاياه الملحة، من التعليم والثقافة والصحة والغلاء».
ويتوقع سلماوي أن تستمر المشروعات العملاقة في المرحلة المقبلة، وأن يكون لها مردودها على النهوض بمستوى معيشة المواطن، وأن يكون المردود «هذه المرة مباشراً». كما يشدد عضو مجلس أمناء «الحوار الوطني»، على أهمية بدء «المشروع العملاق المنتظر في التعليم المقترن بالثقافة»، مضيفاً: «لكي يكتمل هذا المشروع، علينا أن نعتني بحريات المواطن التي أولاها الدستور عناية غير مسبوقة في الدساتير السابقة».
وتعهد السيسي في خطابه أمام مجلس النواب بأن يعمل خلال المرحلة المقبلة على تعظيم الاستفادة من ثروات مصر البشرية من خلال زيادة جودة التعليم، وكذلك مواصلة تفعيل البرامج والمبادرات الرامية إلى الارتقاء بالصحة العامة للمواطنين، إضافة إلى العمل على دعم شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة نسبة الإنفاق على الحماية الاجتماعية.
وأشار كذلك إلى أن فترة ولايته الجديدة ستشهد «تبني إصلاح مؤسسي شامل، يهدف إلى ضمان الانضباط المالي وتحقيق الحوكمة السليمة، من خلال ترشيد الإنفاق العام، وتعزيز الإيرادات العامة، والتحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام»، إضافة إلى إعطاء الأولوية لبرامج التصنيع المحلي لزيادة الصادرات ومتحصلات مصر من النقد الأجنبي.تجديد النخب السياسية
بدوره، رأى نائب رئيس «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، عضو مجلس أمناء «الحوار الوطني»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن هناك العديد من التحديات التي تكتنف الولاية الجديدة للرئيس السيسي، في مقدمتها «الهمّ الاقتصادي والاجتماعي» المتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أعباء الدين العام، إضافة إلى تحديات تراجع إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، وهو ما يمثّل برأيه «ضرورات تتطلب إجراءات ومعالجة جديدة، بعيداً عن الاقتراض الخارجي». وأضاف ربيع لـ«الشرق الأوسط» أن أولويات الإنفاق بحاجة إلى مراجعة في الفترة المقبلة، بحيث يوجه الإنفاق العام إلى القطاعات الإنتاجية (زراعية وصناعية)، إضافة إلى الاستثمار في مجالات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، مشيراً إلى أن ما تحقق في هذا المضمار «يمكن البناء عليه، لكنه يتطلب المزيد من الاهتمام».
وبلغت معدلات التضخم لأسعار المستهلكين في المدن المصرية، أعلى مستوى لها على الإطلاق في سبتمبر (أيلول) الماضي مسجلة 38 في المائة، قبل أن تنخفض مرة أخرى لتصل خلال فبراير الماضي إلى 35.7 في المائة، بحسب إحصاءات رسمية.
إلا أن ربيع لا يرى التحديات المقبلة في الفترة الرئاسية الجديدة مقصورة على البعد الاقتصادي، بل تمتد إلى الشأن السياسي كذلك، إذ يشير إلى ما يصفه بـ«التكلس في النخبة السياسية والحزبية»، مطالباً بأن تشهد الفترة الرئاسية المقبلة «فتح المجال العام أمام نخب ووجوه سياسية جديدة»، مشيراً إلى أن ما تردد عن وجود اتجاه لتعيين نائب أو أكثر للرئيس «أمر إيجابي يخدم ضخ دماء سياسية جديدة، خصوصاً أن هذه الفترة الرئاسية هي الأخيرة بحسب الدستور المصري». ويضيف أن استمرار «الحوار الوطني» بآليات أكثر انفتاحاً، وعبر «تنفيذ أمين» لتوصياته يمكن أن يعزز فتح المجال العام المصري خلال الفترة الرئاسية الجديدة.وكان الرئيس السيسي قد أشار خلال حفل التنصيب إلى أنه سيعمل على استكمال وتعميق «الحوار الوطني» وتنفيذ التوصيات التي يتم التوافق عليها، في إطار تعزيز المشاركة السياسية والديمقراطية.
وفي فبراير الماضي، بدأت جلسات المرحلة الثانية من «الحوار الوطني» التي تركز على المحور الاقتصادي، بعدما شهد العام الماضي انطلاق جلسات ذلك الحوار الذي دعا السيسي إليه بمشاركة أحزاب وقوى سياسية ومدنية مصرية، وانتهت جلساته إلى عشرات التوصيات المتعلقة بضرورة تحديد أولويات الإنفاق العام والحد من الاستدانة الخارجية، وزيادة إجراءات حوكمة المؤسسات المصرية ومكافحة الفساد، إضافة إلى توصيات أخرى تتعلق بمجالات التعليم والصحة وتنشيط قطاعات الصناعة والزراعة والاستثمار.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك