ما إن بدأت قوات النخبة الشبوانية انتشارها على امتداد بعض مدن محافظة شبوة - جنوب اليمن - وهي تضم مئات من العناصر المسلحين تسليحاً جيداً، والمجهزين بمعدات عسكرية متطورة، وتلقوا تدريبات على أيدي قوات إماراتية، ومعظمهم من أبناء المناطق نفسها، حتى سارعت وفق تخطيط ممنهج وإشراف من قبل دول التحالف العربي، لإعلان حربها على الإرهاب وجماعاته المسلحة والمتطرفة التي اتخذت من بعض جبال وقرى المحافظة أماكن حصينة لها، وكانت مدينة الحوطة، أو حوطة الفقيه علي - كما يطلق عليها تاريخياً - محطة البداية لتطهيرها من شرور تلك الجماعات.
بسرعة قياسية، استطاعت تلك القوات إحكام سيطرتها على المدينة التي تعد أحد المراكز الحيوية للتنظيم في جنوب شرقي البلاد، وأعلن رسمياً إحكام السيطرة عليها منتصف شهر نوفمبر العام المنصرم.
تقع مدينة الحوطة، على ضفاف وادي عمقين الشهير، وتتبع إدارياً مديرية ميفعة بمحافظة شبوة، وتتميز هذه المدينة الكبيرة بالعمق التاريخي والتجاري، حيث إنها كانت تعد من أقدم المدن التاريخية في محافظة شبوة، حيث تجاوز عمرها السبعمائة عام.
الحوطة بعد التطهير
تحتضن مدينة الحوطة أكبر تجمع سكاني في مديرية ميفعة، وتأتي في المرتبة الخامسة على مستوى محافظة شبوة عامة، حيث يسكنها حوالي 30 ألف نسمة، ومع هذا يكتنف ملفها التنموي والخدماتي الكثير من المتاعب و«الصفريات»، وتكاد تكون إحدى المدن المغيبة عن أجندة السلطات المحلية والعليا المتعاقبة، وفي هذه الأثناء يعترف وكيل محافظة شبوة لشؤون المديريات الجنوبية سالم باعوضة الحميري في حديثه لـ «الاتحاد»، بأن الحوطة أهملت ولم تنل حظها من الاهتمام ونصيبها من المشاريع الحيوية، مثمناً دور قوات النخبة في تثبيت دعائم الأمن والاستقرار، وشاكراً في الوقت ذاته أبناء الحوطة الذين عادوا سريعاً لتطبيع الحياة في مدينتهم المسالمة، وقال الحميري إن جهود «الهلال الأحمر» الإماراتية كانت واضحة في الحوطة منذ اللحظات الأولى لخروج جماعات التطرف والإرهاب منها، حيث سارعت لإغاثة الأهالي بالسلال الغذائية، كما قدم الهلال دعماً لكهرباء المدينة لمادة الديزل، في سبيل ديمومة الكهرباء، والتغلب على مشاكلها.
وقال الحميري: إن الأوضاع تغيرت تدريجياً في الحوطة بعد أن تنفست الصعداء، واستنشقت هواء الأمن والأمان تحت كنف الدولة، وأكد الحميري أنه قام بزيارة عاجلة لمدينة الحوطة، لتهنئة أبنائها وأفراد قوات نخبة محور عزان بقيادة المقدم محمد سالم البوحر، مشيداً في الوقت ذاته بالشجاعة النادرة والمآثر التي سطرها الأبطال الميامين منتسبيّ قوات النخبة الشبوانية - في سبيل تأمين وحماية المديريات الجنوبية والانتصار لشبوة وسيادتها، مضيفاً أن زيارته أتت لتلمس هموم المواطنين واحتياجاتهم من مشاريع خدمية وغيرها، وكشفت الزيارة الكثير من الاختلالات التي تعانيها المدينة وضواحيها وتحتاج لمعالجات في مجالات الكهرباء، والصحة والتربية والتعليم. ووعد وكيل محافظة شبوة لشؤون المديريات الجنوبية سالم باعوضة الحميري برفع مشاكل واحتياجات أبناء الحوطة لجهات الاختصاص، والسعي الحثيث على متابعتها، شاكراً الجهود التي تبذلها دولة الإمارات، وعبر ذراعها الإنسانية في اليمن «الهلال الأحمر» لمساعدة المحافظات اليمنية المحررة، ومنها شبوة في شتى المجالات.
عانت المدينة، وعلى مدى سنوات طويلة، من إهمال حكومي أشبه ما يكون متعمداً أو مقصوداً في توفير خدمة الكهرباء للمدينة، حيث إنها تعد من أوائل المدن التي أنشأت محطة توليد كهرباء أهلية على نفقة المواطنين أنفسهم، ومع هذا بعد دمج المحطة في القطاع الحكومي عانت المدينة من إهمال كبير في توفير الكهرباء للمواطنين.
يقول محمد سالم، مدير عام مكتب الثقافة بشبوة عن زيارته الحوطة، وسر اندهاشه الكبير: «الحوطة واحدة من أعرق المدن الشبوانية، وقد زرتها مؤخراً - بعد طرد عناصر الإرهاب منها - لأول مرة في حياتي فأذهلني جمال المدينة وطيبة ودماثة أخلاق أهلها، كاشفاً النقاب عن سر اندهاشه، إذ تبين له أنه لا توجد مدرسة ثانوية فيها، ومن أراد إكمال تعليمه الثانوي عليه الذهاب لمدينة عزان التي تبعد عن الحوطة عشرة كيلو مترات!».
مضيفاً أن صدمته كانت لا حدود لها، دعته لتساؤل أقوى وأعمق كان يحيره مفاده: «لماذا اتخذ تنظيم القاعدة في مرحلة من المراحل مدينة الحوطة معقلاً له، ولماذا وجد فيها تربة خصبة لتفريخ أفراده»؟! وبيّن أن لا لوم ولا عتب ولا ذنب للحوطة في الأمر، بل رمى بكل ذلك في سلة الحكومة التي حرمت شباب الحوطة من التعليم وتركتهم فريسة سهلة الاصطياد لمثل تلك التنظيمات المتطرفة. ودعا مدير عام مكتب الثقافة بشبوة الحكومة اليمنية القيام بواجباتها نحو الحوطة، وعليها أن تتحمل السلبيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ستأتيها من تلك المدينة المنكوبة تعليمياً والمهمشة خدماتياً لو استمر ذلك التهميش.
تعرضت الحوطة للعديد من الحملات العسكرية، بهدف القضاء على جماعات مفترضة من تنظيم القاعدة، وفي خضم ذلك طلبت السلطات من الأهالي مغادرة مساكنهم غير مرة، لتجنيبهم مغبة ذلك الهجوم المتكرر، وفي هجوم التطهير الأخير تم اقتحام منزل عبد الله المحضار، أحد كبار قيادات تنظيم القاعدة في اليمن، ومؤسس «التنظيم» في الحوطة الذي قتل عام 2010م في عملية أمنية.
حضور دائم
هيئة الهلال الأحمر الإماراتية أولى الهيئات والمؤسسات الدولية والمحلية الداعمة، وحضوراً إلى مدينة الحوطة، لتقديم المساعدات الخدمية والإنسانية امتثالاً لتوجيهات قيادة دولة الإمارات الرشيدة، ضمن جهودها الإنسانية والإغاثية على الساحة اليمنية، وقال ممثل الهلال الأحمر الإماراتي بشبوة إن الهيئة سيّرت ثلاث قوافل إغاثية لأبناء وأهالي مدينة الحوطة، تضمنت 2000 سلة غذائية متنوعة المكونات، متضمنة أصناف الغذاء الرئيس. كما أعقبها تسيير قافلة أخرى من المساعدات قوامها أربعة آلاف سلة غذائية، ضمن برنامج المساعدات الإنسانية الذي تنفذه الهيئة في عموم مديريات المحافظة.
ثمار المكارم
وقال عبد الله عاتق باعوضة، مدير عام مديرية ميفعة: «إن ما تقوم به دولة الإمارات، وعبر ذراعها الإنسانية من تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لمناطق ومديريات محافظة شبوة، ومنها ما تحصلت عليه الحوطة من دعم واهتمام، يأتي كإحدى ثمار مكارم الإمارات وقيادتها وشعبها المعطاء، تؤكد مدى تقدير واحترام قيمة الإنسان، وتعكس صدق وشفافية عمل هيئة الهلال الأحمر الإماراتية في العمل الإنساني تجاه الأشقاء وهم يعانون صنوف المعاناة جراء حرب الميليشيات الحوثية منذ مارس 2015م».
إلى ذلك، أكد رئيس فريق هيئة الهلال الأحمر الإماراتية في محافظة شبوة، أن الهيئة تجاوبت سريعاً مع كل النداءات الموجهة من مواطني الحوطة، لتحسين أحوالهم المعيشية، ودعم وتعزيز مشاريع البنى التحتية المهملة نتيجة الأوضاع الإنسانية السيئة، موضحاً أن الهيئة موّلت مشروع إنشاء ثانوية في مدينة الحوطة، في منتصف شهر فبراير الماضي، استمراراً للدعم الذي تقدمه لقطاع التعليم في المحافظة، وللحاجة الملحة التي تقتضيها مصلحة أبناء الحوطة الذين يعانون عدم وجود أي مدرسة ثانوية في مدينتهم، مدينة «السلام».
وأشاد محمد علي لملس، مدير عام مكتب التربية والتعليم بشبوة بتلك البادرة الإيجابية للهيئة، مؤكداً أنها ليست غريبة على ذراع الإمارات الإنسانية في اليمن، لافتاً إلى الحاجة الضرورية لسكان الحوطة لإنشاء ثانوية عامة في مدينتهم، خاصة أنها حرمت طوال العقود الماضية منها، وتحمل الطلاب أعباء التنقل والترحال إلى مدينة عزان، للالتحاق بالدراسة الثانوية هناك، وفي ذلك مشقة عليهم، فغالباً ما يقطعون يومياً أكثر من 10 كيلو مترات، للوصول إلى المدرسة الثانوية هناك، علماً بأن المشقة تنبع أيضاً من عدم وجود وسائل نقل للطلاب إلى المدرسة.
وعبّر علي أبو داحس، بلسان الأهالي في الحوطة، عن الشكر والتقدير لهلال الإمارات الذي يسطع خيراً ونوراً على محافظات ومدن اليمن المحررة كافة، مذكراً أن التوقيع على مذكرة إنشاء الثانوية في الحوطة، سيشكل علامة فارقة في تاريخ المدينة الممتد منذ أكثر من 700 عام، مشيداً بما تقوم به دولة الإمارات من أعمال خيرية وإنسانية كثيرة في مختلف محافظات اليمن المحررة.
افتقرت الحوطة طوال عقودها الماضية للمدرسة الثانوية، إضافة لغياب مدرسة وثانوية البنات، الأمر الذي أدى لعزوف الفتيان عن الدراسة، ما سبب انتشار الأمية في صفوفهن.
بدوره، قال الإعلامي أحمد بو صالح: «إن الحوطة لم تعط حقها عبر الحكومات المتعاقبة، داعياً لإنصافها ومنحها حقوقها المسلوبة»، وأشاد بما تقدمه الإمارات من مساعدات ضمن خطتها الإنسانية والإغاثية لمواطني المحافظات المحررة من سيطرة مليشيات الإجرام، وكذا من تطهرت من ربقة عناصر التطرف والإرهاب، ومن ضمنها محافظة شبوة، ومساهمتها الفاعلة في إعادة تأهيل وإنشاء البنى التحتية، وتجاوز الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها مدينة الحوطة المحرومة من الاهتمام الحكومي، ومن مشاريعها المتعددة في القطاعات التنموية كالصحة والكهرباء والتربية والتعليم.
أرسل تعليقك