تونس - أزهار الجربوعي
دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ومكافحة الإرهاب بابلو دي غريف ، الأربعاء، تونس إلى تقييد وضبط صلاحيات الجيش الوطني على المستويين الداخلي والخارجي وفقا لضوابط دقيقة داخل الدستور التونسي الجديد، فيما أرسلت فرنسا سفيرها الخاص لحقوق الإنسان فرنسوا زيميراي إلى تونس، في مهمة مراقبة سير حقوق الإنسان، فضلا عن دعم وتقوية المجتمع المدني في هذا الخصوص.وأشار بابلو دي غريف، إلى ضرورة النص على القضاء العسكري في الدستور وضبط اختصاصاته في الشؤون العسكرية، كما عبر المسؤول الأممي عن إعجابه للإصلاحات التي طالت منظومة القضاء العسكري بعد الثورة التونسية ، في اتجاه مطابقتها مع المعايير الدولية وعن دور القضاء العسكري في محاسبة قتلة الشهداء وتكريس مبادئ العدالة الانتقالية.وقد اطلع المسؤول الأممي على أعمال لجنة صلب وزارة الدفاع الوطني التونسي مكلفة لصياغة مقترحات بشأن السلك العسكري لاقتراحها على المجلس التأسيسي قصد إدراجها في الدستور الجديد.ومن أبرز مقترحات هذه اللجنة، ضبط المبادئ التي تقوم عليها القوات المسلحة وخاصة مبدأ الحياد وإنشاء مجلس للدفاع والأمن صلب المجلس التشريعي، إضافة إلى حصر المهام الرئيسية للقوات المسلحة في الدفاع على حرمة الوطن وتحديد مجال تدخلها على المستوى الداخلي عبر إصدار قانون جديد للطوارئ.من جانبه، دعا الرئيس المرزوقي في وقت سابق، إلى ضبط وتحديد صلاحيات المحكمة العسكرية مؤكدا على ضرورة النأي بالمؤسسة العسكرية والجيش عن الصراعات السياسية.وعاشت تونس بعد الثورة أزمة ثقة مع رجال الأمن الذين اتهموا بقنص المتظاهرين في الثورة باعتبارهم العصى الغليظة لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفي المقابل سطع نجم الجيش والعسكر لكونه حامي حمى الوطن ، خاصة بعد الأنباء التي راجت عقب الثورة عن رفض الجنرال رشيد عمار قائد أركان جيش البر أوامر المخلوع لقتل المتظاهرين .وبناء على ذلك، برزت أصوات سياسيين وحقوقيين من داخل تونس تطلب من المؤسسة العسكرية استلام زمام السلطة لأن الحكومة قد فشلت في فرض الأمن وحماية المواطنين من خطر المجموعات المتطرفة والمتشددة ، كما دعا عدد من رجال القانون الجيش إلى استلام زمام الأمور بعد تاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي لأن شرعية الحكومة والبرلمان لا تتجاوز حدود السنة.وعلى صعيد متصل، برزت أصوات تشكك في بطولة الجيش، خاصة بعد أن تأكد أن الرئيس المخلوع كان قد لاذ بالفرار من المطار العسكري وليس المدني وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا على إمكانية ضلوع قادة من الجيش في تهريبهـ ومن بقية فصول التجاذبات السياسية مع الجيش، تسريب فيديو للشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة يحذر فيه قادة السلفية من أن الأمن والجيش غير خاضعين إلى سلطة حركة النهضة في الوقت الراهن .كل هذه العوامل دفعت بالمؤسسة العسكرية إلى إصدار بيانات رسمية تؤكد فيها لـ"المرة الألف" كما جاء في بلاغها الأخير منذ يوم، أنها ليست معنية للصراعات السياسية ، مع الإشارة بأن قادة العسكر في تونس غائبون غيابا شبه كلي عن المنابر والساحات الإعلامية حيث يصرون على رفض التصريحات والأضواء.وقد أكدت وزارة الدفاع التونسية في بيانها الأخير أنها تشدد "للمرة الألف على أن المؤسسة العسكرية باقية وستبقى ملتزمة بالحياد التام وتقف على نفس المسافة من كل الأحزاب ومكونات الطيف السياسي في البلاد وبعيدة كل البعد عن التجاذبات والمزايدات السياسية".وأضافت "أنها تترفع عن حملات اللغط واللغو والتشكيك وأن ذلك لن ينال من سمعتها ومعنويات أفرادها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها تونس".كما جددت دعوتها لكافة العسكريين على مختلف أصنافهم إلى الالتزام التام بقوانين الدولة وتراتيب الجيش الوطني والعمل في كنف الانضباط ونكران الذات والتفاني في أداء مهامهم خدمة للمصلحة العليا للوطن ودوام عزته ومناعته وإعلاء شأنه بين الأمم.يذكر أن وزير الدفاع التونسي كان عضوا حزب التجمع المنحل وقد تقلد وزارتي الصحة والتكنولوجيا والبحث العلمي في عهد بن علي، وكان رئيس الحكومة التونسية السابق الباجي قائد السبسي قد نصح خلفه الحالي حمادي الجبالي في فيديو مسرب بينهما عشية نقل السلطات، للإبقاء على الزبيدي وزيرا للدفاع للاستفادة من خبرته وكفاءته ، وهو ما تم بالفعل حيث حافظ عبد الكريم الزبيدي على حقيبة الدفاع التي يشغلها منذ 28 كانون الثاني/يناير 2011.
وقد باتت تونس وما يعرف فيها باسم تأمين عملية الإنتقال السلمي للديمقراطية، موضع مراقبة كثيفة من القوى الكبرى في العالم ، حيث مهدت الثورة لتهاطل الوفود الأوروبية والأميركية الساعية إلى معاينة الواقع التونسي، في حين شكك العديد من المحللين في غايات وأبعاد هذه الزيارات المتلاحقة وتأثيرها على استقلالية القرار الوطني وسيادة الدولة في تونس
وكان وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي قد استعرض أثناء لقائه لاورا باييزا رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس، جملة المبادرات الرامية إلى ترسيخ المراقبة الديمقراطية على المؤسسة العسكرية من خلال الطلب الذي تقدمت به وزارة الدفاع الوطني إلى المجلس الوطني التأسيسي لضبط مهامها ومشمولاتها وسير دواليبها وإخضاعها للرقابة التشريعية وفق آليات العمل البرلماني المتعارف عليه.من جانبها، أشادت المبعوثة الأوروبية بدور المؤسسة العسكرية في تأمين عوامل الانتقال الديمقراطي مثمنة إرادتها في تطوير قدراتها العملياتية، كما بينت أن الاتحاد الأوروبي متفاعل مع متطلبات الانتقال الديمقراطي في تونس ومقرا العزم على المساهمة في تأمين شروطه وخاصة في المجال التنموي والأمني على اعتبار أنهما بعدين متلازمين في المسار الديمقراطي الجديد، مشيرة إلى أن وفدا من الخبراء الأمنيين الأوروبيين سيتجه إلى تونس لمعاينة الاحتياجات الأمنية وتقديم المساعدة اللازمة في إطار ترشيد قطاعي الأمن والدفاع.
كما وضعت مسألة العدالة الانتقالية، تونس تحت مجهر أوروبا والعالم حيث ما انفكت تقارير المنظمات الدولية والوفود الأممية تتهاطل في هذا الخصوص ، والتي كان أخرها الزيارة التي يؤديها المبعوث الفرنسي الخاص لحقوق الإنسان فرانسوا زيميراي للبلاد في هذه الاونة ، للوقوف على حقيقة التغيرات في تونس بعد الثورة في مجال دعم ورعاية حقوق الإنسان.
كما تعهد المبعوث الفرنسي في زيارته الثانية للبلاد والتي تتواصل إلى الخامس عشر من هذا الشهر لتقديم الدعم للمجتمع المدني التونسي عبر تكوين مختصين في الدفاع عن حقوق المرأة وحماية الحريات العامة والفردية وخاصة حرية التعبير .
يأتي ذلك فيما يتابع المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ومكافحة الإرهاب بابلو دي غريف لقاءاته مع المسؤولين التونسيين التي تتواصل إلى غاية 16 من الشهر الجاري، وتعد هذه المهمّة الأولى من نوعها التي يقوم بها خبير مستقل كلّفه مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لرصد وتقديم المشورة بشأن تعزيز كشف الحقيقة والعدالة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار ، كما سيسعى من خلالها إلى تقييم التدابير التي اتخذتها الحكومة فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي وتعزيز العدالة الانتقالية.
أرسل تعليقك