أكد الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير التغير المناخي والبيئة، أن دولة الإمارات صنفت، وفقًا لمؤشر وحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لمجلة "الإيكونوميست" الخاص بالأمن الغذائي العالمي "مستوى تمتع الدول بالأمن الغذائي 2017"، في المرتبة الـ 33 بين 113 دولة حول العالم، في وقت تعتمد فيه الإمارات على الواردات لتأمين نحو 95% من احتياجاتها الغذائية، وتلبية احتياجات النمو السكاني الذي تجاوز عتبة 9 ملايين نسمة.
وأرجع بن أحمد قدرة دولة الإمارات على تحقيق مستوى جيد من الأمن الغذائي إلى مجموعة عوامل، من بينها، مستويات التنمية الاقتصادية المتزايدة بشكل مستمر، ومعدلات الدخل المرتفعة، وانخفاض معدلات الفقر وسياسات السوق المفتوحة، ودعم قطاع الزراعة المحلي، علاوة على امتلاكها قطاعًا قويًا لتجارة المواد الغذائية، الأمر الذي أهّلها لتكون مركزًا دوليًا مهمًا في تجارة ومعالجة الأغذية خلال الأعوام الأخيرة.
وأوضح بن أحمد، أن الحفاظ على مستويات التنوع الغذائي الحالية، والعمل على زيادتها واستدامتها بشكل يعتمد على أسس ومعايير علمية لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، يلزم العمل على تحقيق التنوع كعامل رئيس في تعزيز التنوع الغذائي المستدام، وأضاف "مفهوم التنوع هنا يجب أن يشمل تنويع الإنتاج الغذائي المحلي الزراعي والسمكي والحيواني، وتنويع الواردات والاستثمارات والأنظمة الغذائية والأبحاث، بالإضافة إلى تكيف العمل على معالجة إشكالية هدر الأغذية والمشاكل الصحية ذات الصلة بالغذاء، كزيادة الوزن والبدانة".
وأبرز د. ثاني الزيودي، أن تحقيق هذا التنوع بالشكل المطلوب بما يضمن استدامة الغذاء، يتطلب مزيداً من الجهود، والتركيز على 21 محورًا رئيسًا تستهدف مراقبة عمليات الاستهلاك، وضمان تحقيق التوازن فيها، والاعتماد على الابتكار في تنمية وتطوير قطاعات الزراعة والثروة السمكية والحيوانية، وخفض معدل هدر الغذاء، وضمان الإدارة الفعالة للمخلفات.
وقال بن أحمد "إن اتخاذ أي إجراء أو وضع خطط وإستراتيجيات تستهدف التنويع الغذائي، يجب أن تلتفت في البداية إلى طبيعة استهلاك الموارد الطبيعية الداعمة لقطاع الغذاء، وبالنسبة لدولة الإمارات تعد المياه أهم مورد داعم لقطاع الغذاء؛ لذا يجب التعامل معها بتوازن وكفاءة عاليين، كون الدولة تعاني شحًا في هذه الموارد"، موضحًا أن محور العمل هنا يركز على المحافظة على المياه الجوفية عبر تحقيق الاستخدام المستدام لها، وترشيد الاستهلاك، وتحديد المحاصيل المناسب زراعتها لمستوى استهلاك المياه المستهدف وتبني التقنيات المبتكرة، والتي تناسب البيئة المحلية مما سيؤدي إلى الحفاظ على مخزون المياه الجوفية وتطوير القطاع الزراعي اقتصاديًا.
وتابع بن أحمد "المحور الثاني لتحقيق التنوع الغذائي، يعتمد على خلق توازن بين الدعم المقدم من الدولة، وحجم العائد الذي يحققه مستحقو الدعم، لحثهم على تطوير وتنمية أعمالهم، حيث يجب أن يتم تحديد مختلف أهداف ومساهمات أصحاب الحيازات الزراعية التقليديين والمزارعين التجاريين لوضع برنامج لدعم هاتين الفئتين في مجال تحقيق الاستخدام المستدام للموارد".
وبيّن بن أحمد "5% من أصحاب الحيازات الزراعية يشاركون في الإنتاج الزراعي على النطاق التجاري، و1% من أصحاب الحيازات ممن يساهمون في الإمدادات الغذائية المحلية؛ لذا يجب وضع برامج من دورها تعزيز تحول المزارعين التقليديين الذين يستفيدون من الموارد الطبيعية، إلى مزارعين تجاريين لهم مساهمة واضحة في زيادة هذا الإنتاج بشكل مبني على الكفاءة والجودة".
استدامة التمور
وأشار بن أحمد إلى أن تنويع الغذاء يجب أن يعتمد في الأساس على تعزيز الاستثمار في المنتجات المحلية الأصيلة، بما يضمن استدامتها وتحويلها من مجرد رمز تراثي إلى نشاط تجاري حقيقي، وتعد التمور واحدًا من أهم المنتجات الزراعية المحلية، إلا أنها حتى الآن لا تزال في حاجة إلى تطوير وتنمية منظومة التعامل معها، فهي المستهلك الأهم للمياه المستخدمة في الزراعة.
ولفت بن أحمد إلى أن هذه الجهود ستتم بالتوازي مع تطوير منظومة مكافحة الآفات المهمة التي تواجه التمور مثل سوس النخيل، ومع تحقيق خطوة الاستبدال وتدريب المزارعين وتطوير مكافحة الآفات، ستتوافر تمور ذات كفاءة وجودة عالية يمكن تسويقها ومنتجاتها الثانوية محليًا في المقام الأول، ثم الدفع بها للأسواق الإقليمية والعالمية، ما يشكل في المستقبل مصدرًا جديدًا للحركة الاقتصادية، ويصب بشكل مباشر في تحقيق التنوع الغذائي المستدام.
وقال بن أحمد: إنه على الرغم من أن منتجات الخضراوات المحلية توفر نحو 20% من حجم الطلب على المنتجات الطازجة في السوق، وفقًا للإحصاءات، إلا أن هذا الجزء من القطاع الزراعي يواجه تحديات مهمة تعرقل استدامته، تتمثل في أن حصاد هذه المنتجات يتم خلال موسم زمني قصير في الدولة ينحصر بين أواخر الشتاء وأوائل الربيع، عدا عدد قليل جدًا من المحاصيل التي تستمر لفترة أطول وأحدها يستمر طول العام، ما يقلل فترة وقدرة الاستفادة منها، كما أن تخزين هذه المنتجات لتبقى موجودة على مدار العام يحتاج لاستهلاك طاقة كبيرة للتبريد ما يرفع تكلفته النهائية.
واستكمل بن أحمد "يكمن محور زيادة جودة وكمية واستدامة الخضراوات المنتجة محليًا هنا في إطلاق مبادرات تعزز إنتاجية واستدامة القطاع من خلال مواءمة الحوافز، وتقديم الدعم لأصحاب الحيازات الزراعية المبادرين بتقديم منتجات عالية الجودة على النطاق التجاري، والارتقاء بمنظومة الإنتاج المبتكرة لرفع مستويات الإنتاج والجودة والحد من البصمة البيئية، بما يشمل تصاميم البيوت المحمية، والزراعة المائية وأنظمة الشباك الزراعية والبيوت البلاستيكية بالنظام المعلق، بالإضافة إلى دعم تطوير أنظمة التسويق وسلاسل التوريد لصغار المنتجين".
بدائل للأعلاف
ونوه بن أحمد أن "استدامة الغذاء المرتبطة بتحقيق تنويعه تفرض ضرورة الأخذ في الاعتبار العناصر كافة اللازمة لإنتاج هذا الغذاء، وتعد الأعلاف أحد أهم مستلزمات إنتاج الغذاء الحيواني، ولفترة ما اعتمدت الحكومة نظام دعم لزراعة محاصيل تستخدم علفًا للحيوانات، إلا أنها أثبتت استهلاكها كميات كبيرة للغاية من المياه لا تتناسب مع إمكانات الدولة المحدودة من المياه، لذا تم استبدالها بمنتجات أخرى مستوردة، كما يجري دراسة وبحث تطوير أنواع أخرى من الأعلاف؛ بهدف ضمان استدامة هذه الأعلاف، وبالتالي استدامة الغذاء الحيواني".
وأوضح بن أحمد أن العمل على محور تطوير موارد بديلة للأعلاف اللازمة لتربية المواشي واستزراع الأحياء المائية، سيتم عبر مجموعة من المبادرات، تشمل وضع برنامج لتطوير التقنيات اللازمة لاستخدام المخلفات الناتجة عن سلاسل توريد الأغذية كمكونات تستخدم في صناعة العلف، وتطوير عملية إنتاج الأعلاف من الطحالب، وزيادة إنتاج محاصيل الأعلاف القادرة على تحمل ملوحة المياه والجفاف.
تسويق المنتج المحلي
صرح بن أحمد "إن توسيع نطاق القطاع الزراعي المحلي يعتمد بصورة كبيرة على قدرته على تحقيق عوائد اقتصادية مرتفعة للعاملين فيه، الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الأبحاث والترويج بين أصحاب الحيازات الزراعية لعدد من أصناف المحاصيل التي يمكن تسويقها بشكل فعال، والعمل على استكشاف إمكانية زراعة محاصيل جديدة محليًا"، وأوضح أن محور تطوير القطاع الزراعي المستقبلي، من خلال إيجاد أسواق للسلع الغذائية المنتجة محليًا، يعتمد في تحقيقه على مبادرات عدة، منها الترويج للسلع الغذائية المنتجة محليًا في السوق المحلي والدولي معًا، وتوفير الإرشاد لتطوير القطاع، من خلال اعتماد السياسات الداعمة لبعض المنتجات، مثل "تربية النحل كأحد أهم المنتجات المحلية، وكعنصر مهم في نقل ونشر حبوب اللقاح، وضرورة تشجيع البحوث من أجل تطوير الممارسات المحلية لتربية النحل، والترويج لأصناف المحاصيل ذات العوائد الاقتصادية المرتفعة، والتي تناسب بيئة الإمارات، والترويج للمنتجات الغذائية الإماراتية العضوية".
الثروة الحيوانية والتنوع الغذائي
واستدرك بن أحمد أن "الاستخدام المستدام لموارد الأغنام والماعز في الاستهلاك الغذائي المحلي واحد من أهم محاور تحقيق التنوع الغذائي، واستدامة الغذاء مستقبلًا، وإشكالية هذا المورد تختلف تمامًا عن بقية المنتجات الغذائية، فعدد رؤوس الماعز والأغنام المتوافرة محليًا والتي تقارب الـ 5 ملايين رأس، يمكنها تغطية ما يزيد على 35% من الاحتياج المحلي على الأقل إلا أن اختلاف أسعار ما هو معروض في السوق فعليًا يمكن أن يؤثر على مبيعاتها.
وأوضح بن أحمد بأن المستهدف هنا هو تحسين استخدام الأعداد الكبيرة لقطعان الأغنام والماعز من أجل المساهمة في تحقيق التنوع الغذائي المستدام، وآلية تحقيق هذا الهدف تعتمد على توفير أسواق تجارية منتظمة للحيوانات الحية ومنتجات الأغنام والماعز، وفي الوقت نفسه رفع وعي مربي الثروة الحيوانية بالآلية الصحيحة في تسويقها والتعامل معها كنشاط تجاري.
حليب الإبل ومنتجاته
وأشار بن أحمد إلى أن حليب الإبل ومنتجاته يشكل واحداً من المنتجات الغذائية ذات التفرد، فلا توجد منافسة لها في السوق المحلي، وحتى الإقليمي والعالمي بشكل حقيقي وواضح، وأكد أن زيادة الإنتاج المحلي لمنتجات الألبان والدواجن يأتي ضمن محاور تحقيق التنويع الغذائي، خصوصًا أن هذا القطاع يعمل بشكل تجاري جيد على المستوى المحلي، فمعدل إنتاج منتجات الألبان المُصنعة محليًا يشكل 7% من إجمالي منتجات الألبان المتوافرة في السوق، ويلبي حجم الحليب المحلي الطازج 50% من الاحتياجات المحلية، ويقارب إنتاج لحوم الدواجن المحلي 25% من احتياجات سوق الإمارات، فيما يلبي الإنتاج التجاري للبيض 50% من الطلب المحلي.
وأضاف بن أحمد "على الرغم من هذا النشاط التجاري للقطاع، إلا أن هذا الكم من الإنتاج لا يزال غير قادر على المنافسة مع المنتجات المستوردة من دول تتوافر فيها الأعلاف بكميات كبيرة وتكلفة قليلة مثل البرازيل، كما أن الإنتاج المحلي تسيطر عليه عدد قليل من الشركات الكبرى فحسب، فيما لا يقدم مربو المواشي والطيور سوى نسب ضئيلة للغاية؛ لذا يجب العمل على توسيع إنتاج الألبان والدواجن من مزارع صغار المربين بما يتماشى مع الشكل التجاري الفعال، وتحقيق هذا الأمر يعتمد على مبادرات سيتم العمل عليها تشمل تشجيع المنتجين الحاليين والجدد على توسيع عملياتهم التجارية أو تطوير عمليات جديدة، ودعم المزارع الصغيرة في تعزيز موارد البيض ولحوم الدواجن".
تنمية الثروة السمكية
وذكر بن أحمد "إنه رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة التغير المناخي والبيئة مع المؤسسات الحكومية والخاصة لتنمية الثروة السمكية وضمان استدامتها، إلا أن إجمالي الإنتاج السمكي حاليًا لا يغطي سوى ربع الاستهلاك المحلي تقريبًا، وفي ظل التغيرات المناخية العالمية والضغط المتزايد على الثروة السمكية المتوافرة في البيئة البحرية للدولة حاليًا، يجب الاتجاه لخطط أخرى موازية لما يتم تنفيذه لزيادة مساهمة الثروة السمكية في منظومة التنوع الغذائي المستدام، وتشمل هذه الخطط مجموعة من المحاور رئيسة يجب العمل عليها، وهي تقليص هدر الأسماك وخسائر ما بعد الصيد إلى حدودها الدنيا، وإدارة جهود وقدرات الصيد، وإدارة وحفظ الموارد الخاصة بمصايد الأسماك، وتنمية قطاع استزراع الأحياء المائية".
الصحة والأنظمة الغذائية
وقال "إن اعتماد التغذية الكافية في سبيل الوصول لمستويات حياة أفضل يشكل واحدًا من الأهداف المرجوة للوزارة وللدولة بشكل عام، وبالتالي، فإن عمليات الإنتاج والتجارة والقرارات الاستثمارية ينبغي أن تتماشى مع النتائج الغذائية المرجوة، وتمثل السمنة وزيادة الوزن عامل قلق مهمًا في الدولة، وبناءً على البيانات السكانية، قدرت نسبة البالغين من المصابين بالبدانة أو ذوي الوزن الزائد بـ 60% عام 2000، بينما شكلت نسبة المصابين بالبدانة 24%؛ لذا يجب اعتماد منهجية متكاملة تشمل رفع مستوى الوعي العام، وتعزيز أنظمة وأنماط الحياة الصحية وجهود التثقيف الغذائي في المدارس ولدى عامة السكان، إلى جانب الاهتمام بوضع الملصقات الغذائية على المنتجات وتضمينها المعلومات الغذائية الأساسية.
وأشار بن أحمد إلى أن العمل على هذا الأمر يتطلب فهم الوضع الغذائي الحالي لسكان الدولة، وتطوير التدابير الوقائية لتحسين مستويات التغذية والصحة، وسيتم هذا عبر مبادرات وتوصيات متسقة وممارسات قائمة على الأدلة في مجال الصحة العامة عبر جميع القنوات المتاحة، وتعزيز جهود التثقيف الغذائي على جميع المستويات المدرسية، من خلال طرح منهاج دراسي مدروس ومنظّم بصورة جيدة لرفع مستوى الوعي بالأنظمة الغذائية الصحية، وإصلاح أنظمة الضرائب/ الإعانات الغذائية التي تستهدف استهلاك الأغذية الصحية، مثل الفواكه والخضراوات.
الهدر الغذائي
وأكد أنه في ظل قلة المعلومات والبيانات المتوافرة حول نسب الهدر والنفايات المنزلية، فإن القيم التقديرية لخسارة وهدر الطعام تتفاوت بشكل كبير بين 1.8 إلى 2.4 مليون طن سنويًا بقيمة تقديرية تتراوح بين 13.7 إلى 26 مليار درهم إماراتي سنويًا، وهو ما يعادل ثلث قيمة المنتجات الغذائية التي يتم شراؤها. وتشير البيانات المقدمة من الدراسات الميدانية في مواقع مكبات النفايات إلى أن 38% من مجموع النفايات في المكبات تتكون من الطعام المهدور، والتي ترتفع إلى نسبة 50% خلال شهر رمضان المبارك.
وقال بن أحمد "عند تناول خطط وتوجهات تحقيق التنوع والاستدامة الغذائية يجب أن نضع في الاعتبار نسب هدر الطعام وكم النفايات الغذائية التي يتم إنتاجها، والعمل على معالجة هذه الإشكالية عبر ثلاث قيم رئيسة هي تقليل الاستهلاك، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير"، وأشار إلى أن العمل في هذا المحور يشمل أولًا خفض الهدر الغذائي من خلال رفع مستوى الوعي، واعتماد مقاربات مبتكرة، من خلال مبادرات، مثل إطلاق حملات توعية أكثر قوةً وتأثيرًا، وتعزيز قدرة هيئات وإدارات إدارة النفايات المحلية، وثانيًا تحديد مصادر وعدد وأسباب تراكم مخلفات الطعام للحد من هدر الطعام، من خلال الجمع الدائم والمنظم للبيانات والمعلومات حول عناصر حسابات استخدام الموارد مثل إنتاج الأغذية، والواردات، والصادرات، والمبيعات، وصناعة الأغذية، بما في ذلك الخسائر والنفايات الغذائية في سلسلة الإمداد، والعمل مع أصحاب المصلحة لوضع خريطة طريق لخفض معدلات الهدر، وثالثًا، تنفيذ مبادرات وبرامج تهدف لخفض هدر الطعام، ومنها تعزيز وتوسيع شبكات بنوك الطعام في الدولة، العمل على توسعة مرافق إعادة التدوير العامة.
سلامة الغذاء
وذكر أنه على الرغم من تصنيف الدولة في مرتبة متقدمة على مؤشر سلامة الأغذية بشقيها المستوردة من الخارج أو المنتجة محليًا، إلا أن ضمان استدامة هذه السلامة تحتاج إلى التطوير الدائم للبنية التشريعية ومنظومة المعايير والمواصفات الفنية، موضحًا أن سلامة الأغذية تشكل معيارًا مهمًا في ضمان التنوع الغذائي، حيث تعتمد هذه السلامة على نوعية المبيدات والأسمدة المستخدمة في الزراعة المحلية والإجراءات والمواصفات الفنية لما يتم استخدامه؛ لذا فإن الحفاظ على المعايير العالية لإدارة السلامة الغذائية يعد محورًا رئيسًا لاستدامة تنوع الغذاء.
وواصل بن أحمد "تحقيق هذه السلامة واستدامتها يعتمدان على مجموعة من المبادرات تشمل مراجعة التشريعات المتعلقة بالسلامة الغذائية والصحة الحيوانية بصورة دورية وتعديلها عند الضرورة، وتوفير فرص التدريب المستمر والتطوير للعاملين بالقطاع، والتأكد من قيام نظم الإنتاج الزراعي والصحة الحيوانية بضبط المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المستهلكون من متبقيات المبيدات والأمراض الحيوانية المشتركة والتي يمكن أن تنتقل عبر الغذاء".
الأغذية الإستراتيجية
ولفت إلى أن الحفاظ على احتياطيات كافية من الأغذية الإستراتيجية لتلبية الاحتياجات، خلال أزمات الإمدادات الغذائية، يعد من المحاور المهمة لتحقيق التنوع الغذائي المستدام، مشيرًا إلى أن إمكانية ضمان وفرة الإمداد تعتمد على نوعين من المبادرات واجبة التنفيذ، وهي التوسع في تطبيق برنامج مركز الأمن الغذائي - أبوظبي لتأسيس وإدارة الاحتياطيات الإستراتيجية بالتعاون مع القطاع الخاص، واستخدام المعلومات المتعلقة بمخزونات سلسلة التوريد في إدارة الاحتياطيات الإستراتيجية.
المسؤولية العامة
وقال "تعمل الدولة على وضع استراتيجيات ومبادرات تحقيق التنوع الغذائي المستدام على المستوى الاتحادي للدولة، لكن ضمان تحقيق هذا الأمر واستدامته يحتاج لمشاركة وتنسيق وتعاون شامل بين الجهات كافة الحكومية اتحادية ومحلية، بالإضافة للقطاع الخاص، فهو ملف ذو مسؤولية عامة على كل فرد في المجتمع"، مؤكدًا أن تعزيز الالتزام بالتنوع الغذائي المستدام كأولوية لدى الهيئات المعنية كافة محور رئيس لتحقيق مستهدفات الدولة من هذا الملف؛ لذا يجب أولًا ضمان أن تكون مختلف الإجراءات الحكومية المحلية والاتحادية ذات الصلة بالأغذية داعمة لبعضها، وثانيًا، لابد من إنشاء مجموعات عمل حسب الحاجة لتنسيق إجراءات الأمن والتنوّع الغذائي ذات الصلة".
حداثة البيانات
وأشار بن أحمد إلى أن العناصر والمحاور السابقة كافة تعتمد في تحقيقها على طبيعة المعلومات الإحصائية والبيانية الحديثة المتوافرة لها، وإلا فإن الجهود المبذولة كافة ستكون بلا جدوى؛ لذا لابد من تحسين عمليات جمع البيانات، وضمان وجود عمليات لتحليل البيانات وإتاحتها للجميع، وذلك من خلال إجراء دراسات استقصائية للحصول على المعلومات الضرورية المطلوبة، والفتح المتبادل للمعلومات بين الجهات الاتحادية والمحلية المعنية، لضمان اتساق عمليات جمع البيانات وتوحيدها، وأخيرًا إنشاء قاعدة بيانات عبر "الإنترنت" أو عبر بوابة إلكترونية لتوفير الوصول إلى المعلومات الزراعية والغذائية الحالية.
البحث والابتكار
وأكد أن مؤشرات الأمن الغذائي والاستدامة الغذائية العالمية أشارت إلى أن الإنفاق العام الإماراتي على جهود الأبحاث والتطوير الزراعية منخفضٌ جدًا، ما يترافق مع انخفاض في الجودة والابتكار في هذا القطاع، وتعتبر هذه التصنيفات مفاجئة، نظرًا لسمعة الدولة كمركز للابتكار، واحتلالها المرتبة الـ 35 من أصل 127 دولة على "مؤشر الابتكار العالمي 2017"، غير أن قوة الإمارات في هذا الجانب تتركز في التكنولوجيا والاتصالات والبنية التحتية أكثر من تركيزها على علوم الحياة والغذاء، موضحًا أن "الأبحاث والابتكارات تشكل حاليًا المحور والعامل الأهم في ضمان تحقيق أي دولة لاستدامة الغذاء لديها؛ لذا يجب اعتماد عمل يقوم على تشجيع ودعم الجهود المبذولة لتطوير تكتّل فعّال في قطاع الأبحاث والتطوير في المجالات ذات الأهمية القصوى بالنسبة للأمن والتنوع الغذائي في الدولة".
وأضاف بن أحمد "تنفيذ هذا العمل يعتمد على 3 مبادرات رئيسة، الأولى هي ضرورة منح الزراعة والغذاء الأولوية في البرامج الأكاديمية والبحثية وجذب المواطنين الإماراتيين إلى المسارات المهنية في مجال الأبحاث والتطوير في قطاعي الزراعة والأغذية، والثانية ضمان توجيه التمويل المتاح إلى أنشطة الأبحاث والتطوير ذات الصلة بالأغذية، والثالثة منح الأولوية لجهود الأبحاث المحلية، وتعزيزها لسد الثغرات في المجالات الأساسية، ووضع الحلول الملائمة لظروف الدولة".
تغير المناخ والأغذية
وأظهر بن أحمد "تتأثر دول العالم كافة بالتغيرات المناخية حاليًا، وبالتالي تتغير طبيعتها الزراعية وتختلف نوعية المحاصيل التي يمكن زراعتها فيها، وترتبط دولة الإمارات بهذا التغير من ناحيتين، الأولى استثماراتها الزراعية في عدد من هذه الدول، والثانية تأثير هذه التغييرات على طبيعة الزراعة المحلية في الدولة"، مؤكدًا أن "وضع التغير المناخي والتكيف مع تداعياته في استراتيجيات العمل على تحقيق التنوع الغذائي واستدامته، يقوم على ثلاث نقاط إستراتيجية رئيسة الأولى ضمان الإلمام بأحدث التطورات المتعلقة بالآثار المستقبلية لظاهرة التغيّر المناخي على الإمدادات الغذائية العالمية، وهذا يعتمد على ضرورة إجراء الأبحاث الكفيلة بتعميق فهم آثار التغيرات المناخية على الإمدادات الغذائية في المستقبل، مع مراعاة الدراسات العالمية ذات الصلة".
وأضاف "والنقطة الإستراتيجية الثانية، تتمثل في ضمان إدماج عامل التغيّر المناخي في عمليات اتخاذ قرارات الاستثمار، وذلك من خلال وضع عمليات متكاملة لتقييم الآثار المحتملة لتغيّر المناخ على الإمدادات الغذائية العالمية، وإتاحتها للقطاع الخاص بصورة منتظمة، أما النقطة الثالثة فهي نشر المعرفة حيال التغير المناخي وأثره على إدارة وتنمية الزراعة والثروة السمكية، وذلك من خلال ضمان مراعاة تغير المناخ كعامل مؤثر في مجالات صنع السياسات والممارسات والأبحاث والتطوير لقطاعات الزراعة والثروة السمكية".
وأخيرًا، أوضح أن تنفيذ هذه المحاور والمبادرات المتعلقة بكل محور، سيتطلب تحرك مؤسسات وجهات وهيئات الدولة بالكامل اتحادية ومحلية وشبه حكومية، وحتى مؤسسات القطاع الخاص، فكل منهم له دور يتكامل مع الآخر، سواء بتنفيذ فعلي على الأرض، أو بتوفير معلومات وبيانات، كما أن أفراد الجمهور العاديين عليهم مسؤولية مشتركة في تحقيق هذه المحاور ترتبط بسلوكياتهم الاستهلاكية، وضرورة تعديلها بما يتماشى مع الهدف العام والأسمى.
استيراد 90% من المنتجات والسلع الغذائية من الخارج
وقال الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، إن الإمارات تعتمد في تلبية الاحتياجات الغذائية المحلية على استيراد ما يقارب 90% من المنتجات والسلع الغذائية من الخارج، وهذا الأمر يحتاج لإدارة محكمة تتضمن عدم انقطاع عمليات التوريد تحت أي ظروف، خصوصًا في أوقات الطوارئ، سواء عبر تخزين جزء من الاستيراد، أو خلق قنوات توريد بديلة والاعتماد على مصادر متعددة وكثيرة يمكن التبديل بينها في حال تعرض أحدها لظروف طارئة توقف عمليات تصديره.
وأبرز أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التعاون والعمل المشترك ما بين الجهات الحكومية وشركات الأغذية المملوكة من قبل الدولة والأخرى التابعة للقطاع الخاص لتحديد واغتنام الفرص التي تعزز التنوع الغذائي، وهذا عبر مجموعة من المبادرات، تشمل إنشاء مجموعة مشتركة بين الوزارات من خبراء الأغذية لاستعراض حالة تجارة الأغذية العالمية، وتحديد الفرص المتاحة للدولة، ووضع مصفوفة تجارية لتحديد المجالات التي ينبغي أن تتركز عليها جهود التنويع والمواضع المحتملة لفرص التجارة والاستثمار الأجنبي على حدٍ سواء.
وتابع الزيودي"رغم احتلال الإمارات تصنيفًا عالميًا مرتفعًا في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي 2017، حيث جاءت في المرتبة الـ 21 من أصل 190 دولة، إلا أن الاستثمار في مجالات إنتاج الأغذية لا يزال في حاجة للتطوير والتسهيل، خصوصًا أن حجم القطاع الزراعي صغير للغاية، كما أن الدولة لا تمتلك مصرفًا زراعيًا، الأمر الذي أسهم في محدودية الخبرة والمهارات التي يمتلكها القطاع المالي في الدولة في مجال تمويل مشاريع الزراعة أو استزراع الأحياء المائية أو المشاريع ذات الصلة بالأغذية".
وبيّن "أن التغلب على هذه التحديات وتنمية وتطوير الاستثمار في مجالات إنتاج الأغذية والمشاريع الزراعية يجب العمل عليه في اتجاهين الأول الاستثمار المحلي، وهو قائم أولًا على ضمان توافر رأس المال لتنمية قطاعات الزراعة وإنتاج الأغذية وصناعتها، وهذا يتطلب مبادرات تشمل استعراض وحشد التمويل لهذا النوع من المشاريع، وتسهيل منظومة الاستثمارات في هذا النوع من المشاريع بشكل كامل، وثانيًا، توسيع قطاع صناعة الأغذية على أساس الإنتاج الزراعي المحلي في الدولة والأسواق الدولية، وذلك عبر بناء شبكة من مواقع صناعة الأغذية، بما يشمل الخدمات والبنية التحتية اللازمة للاستثمار في قطاع الأغذية في المستقبل".
وأضاف الزيودي "الاتجاه الثاني يختص بالاستثمار الخارجي هو قائم أولًا على دعم القطاع الخاص المحلي للدخول في اتفاقات استثمار دولية خارج الإمارات للمساهمة في عمليات التوريد للدولة، وهذا يتطلب تشجيع الاستثمار في الدول الآمنة غذائيًا، والتي تتمتع بفائض تصدير موثوق وبيئات سياسية وتجارية مستقرة، وخلق علاقات طيبة مع الحكومات في الدول المهمة بالنسبة للتنوع الغذائي الإماراتي، وثانيًا، التأكد من إدراك القطاع الخاص مخاطر ومسؤوليات الاستثمار في البلدان التي تعاني حالة انعدام الأمن الغذائي من خلال توفير المعلومات والدعم وهذا يتطلب الحفاظ على قاعدة بيانات حول الفرص والمخاطر السياسية والأمن الغذائي في الاستثمارات المحتملة مع الدول المستهدفة، ودعم الاستثمارات المحتملة، وبناء قدرات صناع السياسة والمستثمرين المحتملين للاستثمارات المسؤولة في الخارج".
أرسل تعليقك