طرابلس - فاطمة سعداوي
قبّل أسامة المريمي البوسيفي أطفاله أمام باب المدرسة كعادته كل صباح، ثم اتجه إلى محل تجارته «نسائم الطيب» المفتوح على الشارع الرئيسي في ضاحية المهدية في مدينة سبها، عاصمة الجنوب الليبي، وسمع كغيره، خبر الهجوم الذي نفذه مسلحون على الفرع المصرفي المجاور.
حيث قتلوا عنصرين من فريق الحراسة وأصابوا ثالثًا بجراح بليغة، وعند الظهر، وصل ثلاثة مسلحين ملثمون إلى المحل، واتجهوا مباشرة إلى صاحبه البوسيفي، رافعين أسلحتهم في وجهه، ليطلبوا منه تمكينهم من مشاهدة ما سجلته كاميرا الحراسة الموجودة خارج المحل، فقد تكون التقطت مشاهد هجومهم على الفرع المصرفي، ونقلت بعض تفاصيل الجريمة التي ارتكبوها صباحًا، لكن صاحب المحل أجابهم باستحالة ذلك، والسبب واضح، وهو انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة.
لم ينتظر المسلحون عودة الكهرباء، ولم يفكروا في سحب الشريط المصور، وإنما اتجهوا إلى أسامة، وأخرجوه من المحل، ثم أطلقوا عليه الرصاص ليردوه قتيلاً على الرصيف، ومن هناك عادوا إلى المحل ليضرموا فيه النار بعد رش محتوياته بالبنزين، ليضمنوا القضاء على أي دليل يمكن أن يكشف تورطهم في الجريمتين: جريمة الهجوم على المصرف وقتل عنصرين من حرسه، ثم جريمة قتل صاحب محل «نسائم الطيب».
وأكد شهود عيان أن من أغرب ما يمكن ملاحظته، أن المسلحين قتلوا أسامة البوسيفي في الشارع، دون أن يثير المشهد أياً من المارة أو من المتسوقين في المحلات المجاورة أو حتى زبائن المطعم المحاذي لمحل الضحية، وهو ما يفسره المتابعون للمشهد الليبي بأن الموت المجاني بات عادة يومية في البلاد منذ دخلت نفق أزمتها الطاحنة قبل سبعة أعوام.
ويجمع سكان ضاحية المهدية أن الضحية أسامة البوسيفي كان من أطيب الناس، ومن أكثرهم تحاشياً للمشاكل، كما عُرف عنه حبّه لأسرته وأطفاله، ولكن حالة الانفلات الأمني في البلاد، تحمل الموت على جناح السرعة، وخاصة للغافلين عنها، وهذا ما بات جزءًا من الحياة اليومية لمدن عدة، من بينها سبها التي كانت مدينة للتعايش السلمي والوئام الأهلي بين الأعراق والقبائل المتعددة في إقليم فزّان قبل أن تتحول مدينة تتشح بالسواد وترتوي يومياً بالدماء والدموع.
أرسل تعليقك