أبو ظبي - سعيد المهيري
أكد علماء الأزهر الشريف، أن زيارة ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الفاتيكان تعد حدثاً تاريخياً يجب البناء عليه، لتحقيق مزيد من التفاهم والحوار بين أتباع أكبر ديانتين في العالم، مطالبين بوضع استراتيجية مشتركة تقوم على قبول الآخر، والبحث عن المشتركات الدنيوية، والبعد عن الاختلافات العقائدية، كي تلتزم بتطبيقها الأجيال المقبلة ، ومشيرين إلى أن هذه الزيارة مهمة في ظل المشوار الطويل لميراث العداء التاريخي وأن هذه الزيارة خطوة جادة في بناء الثقة لمواجهة دعاة الإسلاموفوبيا، وصراع الأديان والحضارات، الذين ينفخون في نار العداء، ويحاربون الحوار والتعايش السلمي المشترك.
الوعي بنقاط الالتقاء
وطالب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الدكتور محيي الدين عفيفي، بضرورة عقد دورات مكثفة للدعاة والأئمة والقساوسة والدبلوماسيين لزيادة الوعي بنقاط الالتقاء بين الإسلام والمسيحية، خاصة أن الإسلام موقفه إيجابي من المسيحية بصرف النظر عن الاختلاف العقائدي، فنجد القرآن يفرق بين موقف الإسلام من اليهود والنصارى، فقال الله سبحانه وتعالى "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ورهبانا وأنهم لا يستكبرون"، مشيرًا إلى أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تسهم في توضيح الصورة الحقيقية للإسلام، وتؤكد أن المسلمين منفتحون على كل الثقافات والحضارات، التزاماً بتعاليم دينهم، مؤكداً أن الإسلام امتدح ما في قلوب المسيحيين من رأفة مثل المسلمين، على عكس اليهود الذين يزعمون أنهم شعب الله المختار وقتلهم الأنبياء بغير حق، بل تطاولوا على الله، فقال سبحانه في وصف رأفة المسيحيين رغم العيوب العقائدية: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ"، وطالب، بأن يتخذ القادة الدينيون من شيخ الأزهر نموذجاً ومثلاً أعلى في الانفتاح على الآخر المختلف دينياً، وقيامه بزيارته التاريخية وغير المسبوقة إلى الفاتيكان، كما يجب أن يتخذ القادة السياسيون من الزيارة التاريخية، للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الفاتيكان نموذجاً يحتذى، لأن التفاهم والحوار يطيران بجناحي الدين والسياسة، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما خاصة أن الإسلام في الغرب يتعرض لحرب شعواء يتم فيها خلط الأوراق.
مواجهة الإسلاموفوبيا
وكشف عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الدكتور محمد رأفت عثمان، أن زيارة ولي عهد أبوظبي تتكامل مع الدور الكبير، الذي تلعبه الزيارات المتبادلة بين القيادات الإسلامية والمسيحية، مما يخلق جواً من الثقة ويقلل من الآثار السلبية لتنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي تعد العدو الأول للتواصل والتفاهم بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، مشيرًا إلى أنه لا يمكن النظر إلى الشرق والغرب على أنهما شيئان منفصلان، كما سبق أن قال الشاعر الإنجليزي الشهير روديارد كبلنج« الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا»، في نهاية القرن التاسع عشر، لأن الواقع تغير كثيراً فأصبح هناك ملايين المسلمين يعيشون في القارتين الأوروبية والأمريكية، حتى إن الإسلام يمثل الديانة الثانية في الغرب. وهذا يؤكد أهمية التأكيد على غرس مفهوم المواطنة الكاملة، التي لا تتناقض أبداً مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية لمسلمي الغرب وأهمية الاجتهاد في «فقه الأقليات»، وكذلك ضرورة الانتقال إلى «فقه الاندماج والتعايش السلمي والإيجابي» مع الآخرين.
الرد على المتأسلمين
وأثنى مفتي مصر الأسبق،الدكتور نصر فريد واصل، على الزيارة التاريخية التي قام بها الدكتور أحمد الطيب، وزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى الفاتيكان معقل المسيحية الغربية، لأنهما تفتحان آفاقاً جديدة من السلام، الذي دعانا إليه الإسلام في قول الله تعالى: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين»، مشيرًا إلى أننا في حاجة ماسة إلى مثل هذه الزيارات الإيجابية، التي تسهم في تصحيح صورة الإسلام في الغرب، بعد أن لوثتها أقوال وأفعال المتأسلمين الذين قدموا خدمة ذهبية لأعداء الإسلام، الذين يتربصون بنا الدوائر ويفعلون من الحبة من قبة، وللأسف فإن الجهلاء من أمتنا يذبحون الإسلام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وصدق فيهم قول الله تعالى: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً».
الحوار هو الحل
وأفاد عضو هيئة كبار العلماء، الدكتور إسماعيل الدفتار، أن الحوار المفتاح المثالي لحل المشكلات الكبرى، التي تعوق التقاء الشرق بالغرب، مشيداً بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لأنها تعمل على تحقيق التقارب بين الشعوب، محذراً من محاولات تعميق التباعد وتأجيج صراع الأديان والحضارات، مشيراً إلى أن أصوات المتطرفين هي الأعلى في الغرب، لأنهم يمتلكون وسائل إعلام ويؤسسون أحزابا وتزداد شعبيتهم في الشارع الغربي في ظل العمليات غير المسؤولة التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة التي تنتسب ظلماً وزوراً للإسلام أمثال «داعش وأخواتها»، التي تسهم في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، مضيفًا أن زيارة ولي عهد أبوظبي إلى الفاتيكان تكتسب أهمية كبرى، من حيث التوقيت، ومن حيث أهدافها، مؤكداً أن الزيارات الودية بين قيادات الشرق والغرب تسهم في الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعات الغرب، وتسهم في انفتاحهم، على هذه المجتمعات، وتزيل معوقات الاندماج والتعايش السلمي دون تمييز أو تفرقة، ويكفي أن نتأمل كلمة الإسلام نفسها تدل على السلم والسلام ليس للمسلمين فقط.
التجاوب الإعلامي
وطالب الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، بضرورة التجاوب الإعلامي الغربي مع التحرك الإيجابي من جانب القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية، وكذلك التحركات السياسية مثل زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لأن الإعلام الغربي هو الذي يقود مسيرة العداء للإسلام والمسلمين، وهو الذي يخلط الأوراق، ويروج لمصطلح «العدو الأخضر» في وصف الإسلام، منذ سقوط «العدو الأحمر» مع انهيار الاتحاد السوفييتي، مشيرًا إلى أن زيارة ولي عهد أبوظبي تساهم في إطلاع الغرب على وثيقة المدينة المنورة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تعد نموذجاً للأسوة الحسنة، فهي أول دستور عرفته الإنسانية يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المختلفين ديناً وعرقاً، وهو ما لم تصل إليه الإنسانية على أرض الواقع، إلا منذ أقل من قرن من خلال النصوص الدولية لكن الواقع لم يطبقها كلية.
واختتم الدكتور أبو طالب كلامه، داعياً القيادات المسلمة والمسيحية إلى مزيد من الصبر والتواصل، لأن المشوار طويل وميراث عداء قرون لن تذيبه زيارات قليلة، ولهذا لا بد من وضع استراتيجية طويلة المدى لإصلاح سلبيات الماضي، وبناء جسور ثقة بالحاضر، والانطلاق من رؤية مشتركة إلى مستقبل أفضل، وأكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر، أن الزيارات المتبادلة بين قيادات الشرق والغرب، سواء على المستوى الديني أو السياسي تسهم في طي صفحات الماضي الدموي، الذي بلغ ذروته أيام الحروب الصليبية والاستعمار الغربي للعالم الإسلامي، كما يسهم في تغيير بعض القوانين الأوروبية والأمريكية، التي تتعارض تماماً مع شريعة الإسلام وتمثل حاجزاً يؤدي إلى الانعزال السلبي للمسلمين، والانسحاب من المجتمع الغربي، ونحن هنا لا نطلب منهم اتباع شريعة الإسلام ولكن احترام الخصوصية الدينية للآخر، وطالب الدكتور الهدهد، بتكثيف هذه الزيارات المتبادلة بين قيادات الغرب والشرق، مشيداً بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لأنها ستساهم في إذابة جبال الجليد، وستؤدي إلى خطوات إيجابية في تصحيح صورة الآخر في مناهج التاريخ، موضحاً أنه كانت هناك مبادرة إيجابية لليونسكو في هذا المجال، وتم عقد العديد من المؤتمرات إلا أنها توقفت دون سبب واضح، ولهذا لا بد من البحث عن أسباب ذلك وعلاج مشكلات عدم الثقة والماضي العدائي.
شيخ الأزهر: اللقاء يحقق السلام للبشر جميعاً
وأعرب فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، عن تقديره للقاء الذي جمع أمس بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، مؤكداً أن هذا اللقاء يعزز من جهود نشر التسامح والعمل المشترك بهدف تحقيق السلام للبشر جميعاً، وقال فضيلته (تويتر) إنه لا بد من تكثيف الجهود المشتركة من أجل تحقيق التقارب بين الشرق والغرب وبناء جسور التفاهم التي من شأنها أن تسهم في بناء السلام العالمي العادل الذي ننشده ونعمل جميعاً على بلوغه، معربًا عن سعادته بمثل هذه اللقاءات المهمة التي تدعم الجهود التي يبذلها الأزهر الشريف من أجل التأسيس لحوار بناء قائم على الاحترام المتبادل وقبول الآخر وتحقيق التعايش المشترك ونشر السلام في كافة ربوع العالم، خاصة في ظل الرؤية المنصفه للإسلام التي يتمتع بها البابا فرانسيس.
أرسل تعليقك