القاهرة ـ ا ش ا
رجل عربي يقارب الثلاثين من عمره، يجلس في أحد صالونات التجميل منتظراً دوره. هو يرغب بتقليم أظافره، وتدليك بشرته للحصول على مظهر أكثر نضارة وجمالاً. مشهد يعتبر غريباً في الشرق، ويثير في بعض بلدانه، أسئلة كثيرة وأحاسيس متناقضة وتحليلات لا تنتهي. هذه حقيقة لم يعد بإمكاننا تجاهلها لأنها لم تعد تجري في غرف مغلقة: مظهر الرجل الخارجي بات يعنيه بقدر اهتمامه بتنسيق جواربه أو ربطة عنقه. بين صالونات وعمليات التجميل، تعرفوا إلى الرجال العرب الذين لم يخضعوا لقوانين اللعبة التجميلية "المخصصة للنساء فقط" في المفهوم الشعبي.
نظرة الجمهور العربي لهذا الرجل الذي يهتم بجماله، تختلف من شخص لآخر، وفق معتقدات كل فرد، ذكراً أو أنثى. فمنهم من يتقبل هذا المشهد، رغم اختلافه عن مبادئه، خصوصاً تلك المبنية على أن الرجولة لا تعترف بمعايير التجميل والتزيين، وأن صالونات التجميل مخصصة غالباً للمرأة، التي تقصدها لتعزيز أنوثتها. البعض الآخر ينظر لهذا الرجل على أنه من كوكب آخر، ويتساءلون: هل يعاني من مشكلة نفسية؟ هل هو مثلي؟ أو نرجسي؟ لكن الواقع أبعد من ذلك، فاهتمام الرجل لم يعد يقتصر على ترتيب الأظافر في صالون التجميل، بل شمل الجسد والشكل الخارجي، القياسات المتناسقة، المعدة المشدودة... فهل يتناقض هذا التطور ومفهوم الذكورية، ويطيح الفرق بين الجنسين؟ أم يدخل في خانة الأمراض النفسية التي لها علاقة بخلل في العلاقة مع الجسد؟
تنافس الجنسين على الجمال
والتر يو، بحار إنكليزي، أول شخص أجريت له جراحة تجميلية في وجهه عام 1916، بهدف الترميم، بعد إصابته خلال الحرب العالمية الأولى. لكن مع تطور الطب التجميلي، وإقبال المرأة الشديد على عمليات التجميل، أصبح الرجل يدخل غرف التجميل لأهداف جمالية وليس فقط ترميمية. وكان للإعلام دور كبير في ذلك، من خلال بث حملات ترويجية لمنتجات التجميل الموجهة للرجل، والتي تقدم في معظم الأحيان أحد عارضي الأزياء أو النجوم الأكثر وسامة، مثالاً للرجل صاحب الجاذبية الخارقة، الذي يجذب إليه النساء من حول الأرض. الجمال وحلم الشباب الدائم أصبحا بالتالي هاجس الرجل، ولم تعد عمليات التجميل حكراً على المرأة. ويضع علم النفس هذا الاهتمام والسعي وراء تجميل الذات، في الحد المقبول، ضمن إطار جذب الآخر، الأب، الأم، الصديق أو الحبيب، الذي من خلال نظراته يشعر الشخص بأنه جميل، ومرغوب ومقبول ومحبوب. شعور يبعث المتعة والسرور في نفس الشخص، والمتعة في النهاية هي "محرك" أساسي وراء تطور قدرات الإنسان.
مع بداية السبعينات، لم يعد مفهوم الرجولة يأتي بالفطرة. اهتزاز مفاهيم الأنوثة أدى بطبيعة الحال إلى إعادة صياغة مفاهيم الذكورية. انخراط المرأة في سوق العمل، وانفتاحها على تقنيات التجميل وتحسين المظهر الخارجي، فتح أمامها مجالات كثيرة وآفاقاً عدة، في العمل أو الحياة عموماً، حتى بدأت صورة الرجل وما يمثله تتبدل وتتمايل مع تطورها الفكري والعاطفي، ما جعل الرجل أمام منافسة أساسها القوام المتناسق والقدرة على الجذب. عناصر تضاف إلى ما يمثله هو في حياة المرأة من مصدر أمان واستقرار وشريك فاعل.
لم يعد إذاً مفهوم الذكورية محصوراً بخشونة القوام وصلابة الطبع، كما أوضح الباحث الاجتماعي باسكال دوري، معتبراً أن الإشكالية تكمن في تمايل الهوية الذكورية مع متطلبات المجتمع، الذي أصبح الشكل الخارجي فيه بطاقة عبور، والصور المرسخة في العقل الباطني للإنسان، والتي تربط مفهوم التجميل والتزيين بالأنوثة حصراً. ولعل التمايز بين الذكورة والأنوثة يبقى جلياً مهما تطورت المفاهيم الاجتماعية، فإن كانت الأهداف متشابهة بين الرجل والمرأة، يبقى الأسلوب مميزاً لكل فئة، وأكبر مثال على ذلك الحملات الإعلانية الموجهة للرجل وتستعين بألوان داكنة، وشركات صناعة العطور التي تعتمد روائح قوية تتناسب وذوق الرجل وتختلف عن خيارات المرأة.
الرجل العربي المعاصر
ولأن كل تطور يحمل معه نظرة مغايرة ومفاهيم جديدة، ظهر سنة 1994 في صحيفة The Independent البريطانية مصطلح Metrosexual لتعريف الرجل الذي يعتني بمظهره الخارجي، يبحث في آخر صيحات الموضة، ويجري عمليات التجميل للحصول على أنف جميل، معدة مشدودة، جسد خال من الترهل. لاقى هذا التعريف الكثير من الانتقادات حول هوية هذا الرجل الجنسية، فمنهم من اعتبر أن من ينشغل بمظهره الخارجي هو إما مثلي الجنس أو "مخنث"، علماً أن الفرق شاسع بين الرجل الذي يتمتع بصفات الأنوثة (المخنث) والمثلي الجنس. حتى ظهر مصطلح أكثر تحديداً، أراد من خلاله الباحثون نزع صفة المثلية الجنسية عن الرجل الذي يدخل غرف التجميل وهو Uber sexual، مشيرين بذلك إلى المشاهير والرياضيين من الرجال المنجذبين إلى المرأة، والحريصين على الظهور بأبهى شكل وثقة بالنفس.
طال هذا التطور العالم العربي، فأصبح الرجال العرب يتسابقون إلى دخول غرف عمليات التجميل، وأخذت نسبتهم ترتفع عاماً بعد عام، حتى وصلت إلى 25% من إجمالي عمليات التجميل في المغرب، بحسب البروفسور محمد الزوبي، أستاذ جراح في المركز الوطني لعلاج الحروق والجراحة التقويمية في المغرب. وتصل النسبة إلى 15% من إجمالي عمليات التجميل في لبنان، ومعظمها عمليات الأنف، ثم شفط الدهون وإزالة التجاعيد، وشد المعدة والوجه، كما أكد الدكتور طوني نصار، المتخصص في الجراحة التجميلية والترميمية. نصار اعتبر في اتصال مع رصيف22، أن الرجال باتوا يقبلون على عمليات التجميل مثل النساء، وهم غالباً رجال ناجحون في مجالاتهم في سن الـ40 وما فوق. علماً أن عمر الـ40، الذي يبدأ الرجل فيه بالدخول في مرحلة الشيخوخة، وتظهر عليه علامات الكبر ومعها الخوف من أن يصبح عاجزاً عن الجذب، يجعله يتوجه إلى التجميل تعلقاً بالحياة وبالقدرة على الاستمرار. وشدد نصار على أن الإقبال على عمليات التجميل في العالم العربي سيرتفع في السنوات المقبلة، خصوصاً في السعودية، التي أتت بين أكثر 25 دولة في العالم إقبالاً على عمليات التجميل، تصل فيها نسبة الرجل حتى الثلث، وفي الإمارات أيضاً. وأن السياحة التجميلية باتت تشكل ركيزة لاستقطاب السياح، الراغبين في الحصول على New Look خصوصاً في بيروت ودبي.
أرسل تعليقك