أثرى 36 خبيراً ومختصاً من داخل الدولة وخارجها، أعمال اليوم الأول من «الحدث العلمي لمركز محمد بن راشد للفضاء»، المُقام برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهو الحدث الموجّه إلى قطاع التعليم والقطاعات المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا في دولة الإمارات، حيث تناولوا طيفاً واسعاً من مجالات علوم واكتشاف الفضاء.
وتحدث معالي الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير دولة لشؤون التعليم العالي والمهارات المتقدمة، ورئيس مجلس إدارة «وكالة الإمارات للفضاء» في جلسة بعنوان: «نمو قطاع الفضاء: التعليم أولاً» حول العلاقة بين قطاعي التعليم والفضاء، وقال: «نجتمع اليوم في هذا المحفل العلمي لنسلط الضوء على الأهمية المتزايدة تجاه دعم المسيرة التعليمية والعلمية في مجتمعاتنا عبر بناء وتعزيز مهمتنا الرامية لبناء قطاع فضاءٍ وطنيٍ طموح.
وتبقى المهمة الأساسية التي يشترك الجميع في تحقيقها وتبنيها هي تحفيز العلم والتعليم باعتبارهما أولوية استراتيجية نضمن من خلالها بناء رأس المال البشري لننجح في تطوير قطاع فضائي مستدام».
وأضاف: «نقف على أعتاب مرحلة جديدة ومهمة، تتطلب تعاون جميع العاملين في القطاع لتعزيز المقدرات الحالية والمستقبلية، سواء من حيث الارتقاء بمستوى مراكز الأبحاث والتطوير الفضائي، أو تلك المتصلة بالعامل البشري لتأهيل الكوادر العلمية والتقنية المطلوبة لتطوير المشاريع والمبادرات الفضائية، ما يفرض علينا مهمة العمل الجاد والمخلص والدؤوب ومضاعفة الجهود، والتفاني في أداء الأمانة للمزيد من الإنجازات».
نهضة معرفية
وأكد يوسف حمد الشيباني، مدير عام «مركز محمد بن راشد للفضاء» أن «تنظيم» الحدث العلمي للمركز في «متحف الاتحاد» يحمل رمزية كبيرة، كونه المكان الذي شهد الانطلاقة الأولى لمسيرة النهضة والتطوير لدولة الإمارات، مشدداً على أن «الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة مكنت الدولة من إرساء توجها شاملا للتنمية المستدامة».
واعتبر الشيباني أن الإمارات ستكون خلال العقود القادمة مهداً لاكتشافات علمية واختراعات في شتى المجالات، وأن التاريخ سيذكرها بفخر لجهودها في إحداث النهضة العلمية والمعرفية العربية الحديثة.
وأشار الشيباني الى انه «بتكنولوجيا الفضاء يمكننا أن نلغي أي حدود أمام زيادة المعرفة العلمية، والارتقاء بالعلوم والتكنولوجيا»، مشدداً على أن إعداد الكوادر المستقبلية يتطلب مواكبة القطاع التعليمي للتطورات والقفزات المتسارعة في العلوم حول العالم، مع ضرورة تعاون وتكاتف كل من القطاعات المتخصصة والتعليمية، بما يخدم أهداف المرحلة القادمة، منوهاً بأن تمكين وتأهيل النشء والاستثمار بقدراته، سيمكننا من امتلاك مفاتيح المستقبل.
نقل المعرفة
من جانب آخر، أوضح المهندس عامر الصايغ، مدير مشروع «خليفة سات» في «مركز محمد بن راشد الفضاء» في جلسة بعنوان: «الأقمار الصناعية لرصد الأرض: الرحلة وما بعد»، أن «مجموعة من المهندسين الشباب الإماراتيين، يمثلون نواة النهضة التكنولوجية التي شهدها قطاع الفضاء الإماراتي، من خلال برنامج نقل معرفة مع الشريك الاستراتيجي للمركز في كوريا الجنوبية (ساتريك إنيشيتف)، ما ساهم في تحقيق طفرة نوعية في مجال تكنولوجيا الفضاء في الدولة، وأدى الى صياغة جديدة لتوجهات المرحلة الراهنة والمستقبلية في هذا القطاع، مشيراً إلى أن «صناعة الأقمار الصناعية في الدولة تتفوق على نفسها، إذ تتنج تقنيات جديدة وابتكارات مشهود لها دولياً».
وتحدث الصايغ عن التحديات في قطاع تكنولوجيا الفضاء، لافتاً إلى أن «التركيز الآن يكمن في توظيف القدرات المواطنة بصورة تلبي احتياجات هذه الصناعة، وتحويل اهتمام الجيل الجديد إلى هذا المجال بدلاً من الركون إلى اختيار الوظائف التقليدية والسهلة»، مشدداً على أن «العلاقة التبادلية بين التركيز والتفاني والطموح من ناحية والتطور التقني والعلمي من ناحية أخرى، ستدعم ووصولنا إلى ابتكارات وإنتاج معرفة جديدة في تكنولوجيا الفضاء».
نقلات نوعية
وقدّم عمران شرف، مدير «مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ»–«مسبار الأمل» في «مركز محمد بن راشد للفضاء، جلسة بعنوان «أهمية العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لمستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة»، حيث استعاد تجربة الدول المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا، وكيف تحول اقتصادها من الاعتماد على الموارد الطبيعية أو الزراعية أو غيرها إلى اقتصاد قائم على المعرفة، مشيراً إلى أن لقطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضات الدور الأبرز في إحداث هذا التحول، والمساهمة في رفع مستوى جودة الحياة والمعيشة، ولافتاً إلى أنه انطلاقاً من الدور المحوري لهذه المجالات في التنمية، فإن دولة الإمارات تعتمد عليها في تحقيق رؤيتها في مسيرة التحول إلى الاقتصاد المعرفي وتنفيذ خططتها المعتمدة لمئويتها.
وأضاف: «أن واقع حياة البشرية منذ قرون مضت وحتى اليوم، شهد نقلات نوعية، بما في ذلك وعلى سبيل المثال أسلوب الحياة، والظروف المعيشية، ووسائل النقل، والصحة العامة، والتواصل، وغيرها، حيث كانت هذه المجالات المحرك الأساس في خلق عالم أفضل للإنسان».
ولفت شرف إلى «أننا نعيش في عالم متغير، وسرعة التغيير متصلة بالقطاعات المتعلقة بالعلوم ومواكبتها بأساليب جديدة»، مشيراً إلى «ضرورة إمداد المعلمين في المدارس بوسائل جديدة وحديثة، تعين على ترغيب الطلبة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضات».
تعاون أكاديمي وحكومي
وفي جلسة بعنوان «دور المراكز البحثية في خلق بيئة متكاملة للعلوم والتكنولوجيا»، أوضح البروفسور مايكل ماكغراث، خبير وباحث في المهمات الفضائية في مختبر الغلاف الجوي وفيزياء الفضاء في جامعة كولورادو، أن معاهد البحوث المبتكرة توازن بين المخاطر ومواكبة التغيرات والمرونة، للمحافظة على السلوكيات التنظيمية الأساسية اللازمة لتطور العلوم والتكنولوجيا، مشيراً إلى أن وجود المراكز والمعاهد البحثية في الجامعات هو أمر مثالي لاحتضان التعاون بين الجهات الأكاديمية والحكومية والمراكز المتخصصة لتطوير نظام متكامل.
وشارك المهندس سهيل الظفري، نائب مدير مشروع «مسبار الأمل» - المركبة الفضائية والمهندسة خلود الهرمودي، نائب مدير المشروع - ضمان الجودة والخدمات اللوجستية، والمهندس محمد عبدالرحيم، نائب مدير المشروع - الإطلاق في جلسة بعنوان «تطوير مسبار الأمل من منظور فريق العمل».
وتطرّق سهيل الظفري لمراحل تطور «مسبار الأمل» هندسياً، مؤكداً أن «المشروع مصمم بصيغة غير معقدة ما يجعلنا نتخطى تحدي إنجازه في ست سنوات فقط». واعتبر أنه «ثمة تطور كبير في قدرات الدولة في مهمات استكشاف الفضاء الخارجي، فبتنا نملك معارف لم تكن متوافرة سابقاً لتصميم وتصنيع المسبار».
وأكد أن «المهمة بحد ذاتها، هندسياً وعلمياً، مميزة، إذ إن مدار المسبار يغطي أبعاداً وطبقات مختلفة في الغلاف الجوي للكوكب والبيانات التي سيجمعها جديدة». وتناول الظفري المرحلة التي وصل إليها الفريق في مسبار الأمل، وأن المشروع يسير وفق الجدول الزمني للمهمة.
وأشار إلى أن التعاون والتنسيق الوثيق بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الإمارات للفضاء والشركاء الأكاديميين في الولايات المتحدة الأميركية أوجد أسلوب عمل منسجماً فيما بين المهندسين والباحثين من مختلف الأطراف».
من جهتها، أوضحت خلود الهرمودي الكيفية التي يتم بها إدارة المخاطر المختلفة في مشروع فضائي لاستكشاف كوكب آخر، وما تتطلبه جميع مراحل المشروع بدءاً بمرحلة تحضير خصائص المهمة وحتى الإطلاق من دقة متناهية وعناية شديدة بالتفاصيل، منوهة بأن ضمان الجودة يدخل في صلب تصميم المهمة، خصوصاً مع انعدام القدرة على إجراء أي تعديل أو تبديل داخل المركبة الفضائية بعد وصولها إلى الفضاء.
من جانب آخر، شدد محمد عبدالرحيم على أن «اختيار صاروخ الإطلاق من أهم الخطوات في أي مشروع فضائي، لأن أي خطأ في هذه المرحلة يشكل تحدياً كبيراً للمهمة»، وعدد عبدالرحيم المعايير التي يُستند إليها في اختيار الصاروخ، وأيضاً كيف يجب أن تتوافق تصاميم المركبة الفضائية مع مواصفات الصاروخ».
وأكدت الجلسة أن أحد أبرز أهداف مشروع مسبار الأمل تهيئة جيل من العلماء الإماراتيين في مجالات العلوم، وأن المشروع يتضمن مبادرات تهدف إلى تعريف الطلاب على بيئة العمل في الأبحاث العلمية، بالإضافة إلى القيام بورش عمل متفرقة عن علوم الفضاء والكواكب، في حين يضم المشروع حالياً عدداً من الباحثين يعملون في برنامج مع علماء لنقل المعرفة المكتسبة عن طرق تحليل البيانات العلمية.
خصائص المريخ
بدوره، استعرض البروفيسور نضال قسوم، البروفسور في الفيزياء وعلم الفلك في الجامعة الأمريكية في الشارقة، في جلسة بعنوان: «ماذا يمكن أن يخبرنا المريخ والكواكب خارج المجموعة الشمسية عن بعضهما البعض؟»، خصائص الكواكب التي تم اكتشافها خارج المجموعة الشمسية، من حيث الحجم والمدار ودرجة الحرارة، والتي تشبه المريخ. كما شرح أهداف سعي البشرية إلى دراسة كوكب المريخ والكواكب خارج المجموعة الشمسية، وكيف ستساعدنا هذه الدراسات على فهم واقعهما بصورة أفضل.
وتخلل الحدث عرض مجسم لـ «مدينة المريخ العلمية»، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كأول مشروع في استراتيجية المريخ 2117، إذ تتميز المدينة بأنها أكبر مدينة من نوعها يتم بناؤها على الأرض، ونموذجاً عملياً صالحاً للتطبيق على كوكب المريخ.
من جهته، رأى سعيد القرقاوي، مدير برنامج المريخ 2117 في «مركز محمد بن راشد للفضاء»، أن «المدينة العلمية للمريخ ستعزز روح الاستكشاف»، مشيراً إلى «أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، حيث سيشهد قسم المختبرات دراسات علمية تسهم في مواجهة تحديات أمن الغذاء والمياه والطاقة محلياً ودولياً، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، من خلال الاستفادة من محاكاة ظروف العيش الصعبة والقاسية على الكوكب الأحمر».
وحازت مبادرات وبرامج مركز محمد بن راشد للفضاء التدريبية والتعليمية على اهتمام الشباب وأبرزها برنامج «انطلق» للمنح الدراسية الجامعية، إذ كانت فرصة لهم للاطلاع مباشرة من فريق استقطاب المهارات على أهدافه وآلية التقدم وشروط الحصول على منحة دراسية في اختصاص يخدم مشاريع الفضاء الإماراتية. كما استقطب الجناح المخصص لتلاميذ المدارس والأطفال، عدداً كبيراً من الشغوفين بالعلوم والفضاء وشاركوا في النشاطات الترفيهية التعليمية والاختبارات التي زودتهم بمعلومات ومعارف جديدة.
29
تضمّن «الحدث العلمي لمركز محمد بن راشد للفضاء» 29 محاضرة وجلسة الحوارية وورشة عمل، طرحت موضوعات مختلفة عن البحوث والتقنيات الفضائية، بالإضافة إلى موضوعات توعوية عن سبل تعزيز ثقافة البحث والتطوير والاستكشاف. وحضر الحدث عدد كبير من طلاب الجامعات والمدارس في مختلف المراحل التعليمية، إضافة إلى أعضاء هيئات التدريس والمعلمين، والباحثين وغيرهم من المهتمين بالعلوم والفضاء.
أرسل تعليقك