تسعى دبي دوما إلى تحقيق الرفاهية في جميع مناحي الحياة، متسلحة بالعلم الحديث وبالتقنيات التي تسير في اتجاه توفير المتطلبات بأيسر السبل وتعمل على راحة الإنسان، وفي خط مواز لا يقل أهمية، تحاول دبي مواكبة أحدث الصيحات العالمية في حماية البيئة والاعتماد على أفضل الطرق للحفاظ على موارد الطاقة واستغلالها بالوسائل الأنسب، مع استخدام البدائل المستدامة انطلاقاً من توفير مستقبل مشرق للأجيال المقبلة وبعد تشييد أول مسجد أخضر في العالم، وبعد خطوات حثيثة في مجال تقليل الانبعاثات الضارة في مجال الصناعة، دخلت دبي مجال استدامة المباني من أوسع أبوابه عن طريق استخدام خرسانة بديلة صديقة للبيئة، وحملت بلدية دبي على عاتقها مهمة التحويل، ولم تكن الفكرة وليدة اليوم، بل منذ إصدار نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصفته حاكما لإمارة دبي بتاريخ 25تشرين الأول / أكتوبر 2007 قراراً بتطبيق معايير "المباني الخضر" على كل المباني والمنشآت في دبي اعتبارا من كانون الثاني / يناير 2008 .
وأعلنت البلدية مؤخرا عن تطبيقها لمشروع الخرسانة الخضراء أحدث تقنيات مواد بناء المباني وذلك في إطار جهودها للارتقاء بمستوى مباني دبي والتحسين والتطوير المستمر لها بما يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية الخاصة بتحويل دبي إلى مدينة خضراء، وتقلل نسبة تشقق الخرسانة أثناء عملية الهدرجة (في الساعات الأولى من الصب) وتقلل من نفاذية الرطوبة والمياه في الخرسانة وبالتالي تقلل احتمالية صدأ حديد التسليح، علاوة على تحسن درجة العزل الحراري للخرسانة وتحسن درجة المقاومة للحريق، وتحافظ على قوة التحمل للضغط بنفس فاعلية الأسمنت البورتلاندي وأسعار المادتين الأولى والثانية (الأكثر استخداما) نفس أسعار الأسمنت البورتلاندي إن لم تكن أقل .
أهم عنصر يدخل في بناء مباني دبي هو الخرسانة المسلحة التي من أهم مكوناتها الأسمنت، حيث إن صناعته وتطبيقاته ينتج عنها انبعاث ثاني أكسيد الكربون ومواد أخرى سامة بكميات هائلة تضر بالبيئة والصحة العامة والسلامة، وانطلاقا من سياسة إدارة المباني في البحث والاطلاع على كل جديد في قطاع التشييد والبناء لتطبيق أفضل الممارسات العالمية بما يتوافق مع بيئة دبي ولتواكب التنافسية الدولية، لذا قامت الإدارة بإجراء دراسة لتوضيح أضرار الأسمنت ومن ثم معالجتها باستخدام مواد صديقة للبيئة في صناعة الخرسانة المستدامة .
وأوضح مدير عام بلدية دبي حسين لوتاه أن من أهم نتائج تلك الدراسة التعرف إلى أضرار الأسمنت البورتلاندي، حيث إن إنتاج طن واحد من الأسمنت يصاحبه انبعاث (1 .1 طن تقريبا) من غاز ثاني أكسيد الكربون (Co2) وغازات وأبخرة أخرى ضارة، علاوة على ذلك فإن إنتاج طن واحد من الأسمنت يؤدي إلى انبعاث (164 كغم) من الغبار، ما يؤدي إلى زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، علاوة على زيادة الأضرار البيئية والصحية .
ووفقا لدراسة بيئية عالمية فإن مصانع الأسمنت عالمياً تعد ثاني مسبب للوفيات في سرطان الرئة بعد الدخان، وبناءً على أبحاث ودراسات من جمعية NRMCA الأميركية، ومؤسسة ECO-SMART الكندية فإن مصانع الأسمنت وحدها تنتج 50% من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون لجميع المصانع .
وأوضح مساعد المدير العام لقطاع الهندسة والتخطيط في بلدية دبي المهندس عبدالله رفيع إنه تم الاطلاع على العديد من الممارسات العالمية في استخدام بدائل عن الأسمنت البورتلاندي وتبين أن العديد من الدول المتقدمة بدأت استخدامها منذ سنوات لما لها أهمية كبرى في الحفاظ على البيئة وفي الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالصحة العامة والسلامة وبالبيئة، وفي تحسين خصائص الخرسانة وإطالة عمر المباني الخرسانية، وفي تحقيق شروط المباني الخضر .
وأضاف أن العديد من الهيئات والمؤسسات والمراكز العلمية والبحثية والعلماء والشركات والجامعات والمعاهد والجمعيات أوصت باستخدام مواد أسمنتية صديقة للبيئة بدلائل علمية نظرية وعملية، ويمكن استخدام المواد الخضر في كل من العناصر الإنشائية، أعمال البلاستر، الطابوق، الإنترلوك، الطرق، وأنابيب الصرف، وتحتوي هذه المواد على حبيبات خبث أفران صناعة الحديد، والرماد المتطاير، وغبار السيليكا، والألياف الزجاجية .
وأشار إلى أن الدراسة أثبتت وجود العديد من الخصائص التي تميز تلك المواد عن الأسمنت البورتلاندي، من أهمها زيادة عمر العناصر أو المنشآت الخرسانية بما لا يقل عن 20 عاما، وتقلل كمية انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 80%، وبالتالي ينتج عن استخدامها خرسانة خضراء صديقة للبيئة، وتقلل نسبة التشقق أثناء الهدرجة (في الساعات الأولى من الصب)، وتقلل من نفاذية الرطوبة والمياه في الخرسانة وبالتالي تقلل احتمالية صدأ حديد التسليح، وتحسن درجة العزل الحراري، وتحسن درجة مقاومة الخرسانة للحريق، وتحافظ على قوة تحمل الضغط بنفس فاعلية الأسمنت البورتلاندي .
وتطابق أسعار المادتين الأولى والثانية (الأكثر استخداما) نفس أسعار الأسمنت البورتلاندي إن لم تكن أقل، علاوة على أنها متوفرة في السوق المحلي بكثرة كما أنها تقاوم الأملاح بدرجة أفضل، ودرجة لدونتها أفضل .
وأضاف مدير إدارة المباني خالد محمد صالح أن البلدية تستخدم كلاً من مادتي حبيبات خبث أفران صناعة الحديد والرماد المتطاير في تنفيذ المباني ابتداء من تاريخ 01-04-،2014 نظرا لتوفرهما وتساوي أسعارهما بأسعار الأسمنت البورتلاندي، وتم وضع جدول يوضح النسب المئوية لتلك المواد حسب مواصفات الخرسانة المطلوبة، وبما يتوافق مع بيئة ومناخ دبي، وسيسهم هذا المشروع في دعم مسيرة البناء المستدام الأخضر، وسيسهم في زيادة عمر المنشآت الخرسانية وفي الحفاظ على البيئة والصحة السلامة بشكل كبير .
أشار رئيس قسم التأهيل ودراسات البناء المهندس عبدالله الشيزاوي إن البلدية تهتم بملاحظات المتعاملين وتعتبرها فرصا تساعد في تحسين الخدمات المقدمة لهم، ويضيف أن البلدية تقوم بالتحقق من أن جميع الشركات والمكاتب الهندسية ملتزمة باشتراطات المباني الخضر والتسجيل والتجديد ولديها كوادر فنية تتناسب وفئة الشركة أو المكتب، وتقوم إدارة المباني من خلال فريق عمل فني بالتفتيش الدوري الميداني على مقار المزاولة لهذه الشركات والمكاتب .
دعا الشيزاوي جميع المكاتب الاستشارية وشركات المقاولات المسجلة بالإمارة إلى سرعة تحديث البيانات الخاصة بها وبيانات الكوادر الفنية العاملة لديها خاصة في حالات حدوث تغيير أو تعديل في البيانات الخاصة بهم، وأكد ضرورة تجديد سجلاتهم بإدارة المباني بصورة دورية، خاصة أن التقديم للخدمات والطلبات يقدم إلكترونياً من خلال الإنترنت بنسبة 100%، كما يمكنهم الاطلاع على جميع المتطلبات واللوائح والقوانين لمزاولة المهن الهندسية وبالإضافة إلى التعاميم الصادرة بالخصوص من خلال موقع إدارة المباني تحت مظلة موقع بلدية دبي http://www .dm .gov .ae .
وبين رئيس شعبة البحوث ودراسات البناء في بلدية دبي المهندس أحمد سعيد البدواوي اتجه العالم حديثا إلى الفكر المعماري الذي يهتم بالعلاقة بين المباني والبيئة في إطار ما يسمى بالعمارة الخضراء أو المدن الصديقة للبيئة الخالية من العناصر الملوثة بحيث يظهر ذلك في تقليل التأثير السلبي للمباني في البيئة إلى جانب تقليل تكاليف إنشائية وتشغيلية .
يهدف هذا الاتجاه إلى التقليل بقدر المستطاع من الآثار المدمرة على البيئة والحياة البرية الطبيعية التي تؤثر في احتياجات الأجيال المقبلة والتي سوف يكون لها بالغ الأثر في تلوث الجو المحيط بالمدن نتيجة الانبعاثات غير الصحية الناتجة عن استخدام مواد غير صديقة للبيئة .
ويؤكد حسين لوتاه أن تطبيق لائحة مواصفات المباني الخضر سيؤدي إلى تحقيق توفير كبير في استهلاك الكهرباء بمقدار 20% على ما تم تحقيقه من توفير منذ تطبيق قانون العزل الحراري عام 2003 وتوفير استهلاك المياه بمقدار 15 % مقارنة مع المباني المنفذة بالطرق التقليدية . هذا التوفير سيؤدي إلى تحقيق الفوائد لأصحاب المباني ومستثمريها إضافة إلى شاغليها من خلال تخفيض الرسوم المدفوعة لفواتير الكهرباء والمياه، إن شروط ومواصفات المباني الخضر تركز أيضا على الناحية البيئية والصحية من خلال العمل على أن تكون البيئة الداخلية للمبنى صحية وآمنة بالنسبة لساكنيها .
وأوضح لوتاه أن فريق إدارة المباني قام بتقييم الوضع الحالي بعد التطبيق الإلزامي للائحة من خلال استبيان آراء جميع المعنيين وشملت المقاولين والاستشاريين والجمهور، إضافة إلى المهندسين العاملين في مجال الإنشاء لتحديد المشكلات والصعوبات التي تواجههم أثناء تطبيق قوانين المباني الخضر، ولوحظ غياب مشكلات جوهرية في تطبيقها وإنما كانت الصعوبات ناجمة عن سوء فهم بعض الاشتراطات أو قلة الخبرة في تنفيذها .
قامت بلدية دبي بإصدار لائحة شروط ومواصفات المباني الخضر ،2010 كما قامت بتطبيقها إلزاميا على المشاريع الحكومية واختيارياً على المشاريع الأخرى خلال الفترة بين 2011 و،2013 وخلال تلك الفترة قامت البلدية بإصدار الدليل الإرشادي لمساعدة المقاولين والاستشاريين على تطبيق لائحة الشروط والمواصفات بالطريقة الأمثل، إضافة إلى عقد العديد من الندوات والمحاضرات والمشاركة في المعارض والمؤتمرات الدولية من أجل نشر الوعي بأهمية المباني الخضر وضرورة تطبيقها في دبي .
أرسل تعليقك