القاهرة - صوت الامارات
تَحِلُّ الطيور المهاجرة ضيوفا على الأردن، بعد أن توافدت أسرابها المحلّقة على ربوع الوطن معلنةً بداية موسم الهجرة الخريفية، الذي ينتهي مع نهاية تشرين الثاني.وتلعب الطيور دوراً كبيراً في النظام البيئي، فهي مؤشرٌ مهمٌ على صحة البيئة وإنتاجية الأنظمة البيئية بشكل عام، فزيادة أعدادها أو تناقصها يدلُ على التغيرات الحاصلة للتنوع الحيوي وبيئات المنطقة بشكل عام.وتحظى الطيور المهاجرة بفرصة القيام برحلات استثنائية أكثر من جميع الحيوانات الأخرى، وتحلّق في السماء برحلة موسمية خلال فترتي الربيع والخريف من مناطق التكاثر إلى مناطق الإشتاء وبالعكس، وتكون غالباً رحلتها لمسافات لآلاف الأميال.ولطالما شكلت هجرة الطيور مصدراً لإلهام البشر، وأطلقت هجرة الطيور العنان لخيال الإنسان، الذي رأى في هذه الهجرة حدثاً غامضاً منذ الأزل.وأوضح مدير وحدة إدارة مشاريع الطيور في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة المهندس طارق قنعير، أن بعض أنواع الطيور تقطع خلال هجرتها 50 ألف كيلومتر في السنة، فيما البعض الآخر يستمر بالطيران بدون انقطاع لمدة تصل إلى 100 ساعة، مع منظومة تحديد دقيقة للاتجاهات عند تلك الطيور. أما بعض الأنواع فإن لها القدرة على الطيران لمسافات طويلة، ليلاً ونهاراً، ودون توقف.
وبين قنعير أن موسم هجرة الطيور الخريفي يبدأ في منتصف آب، وينتهي مع نهاية تشرين الثاني، بينما يبدأ موسم هجرة الربيع في منتصف شباط، وينتهي مع انتهاء أيار.وبحسب قنعير تحتاج الطيور المهاجرة إلى شبكةٍ من الموائل السليمة على طول مسارات هجرتها من أجل البقاء، وتعدُ الإجراءات العالمية المتزايدة من خلال المعاهدات البيئية متعددة الأطراف مثل اتفاقية الأنواع المهاجرة، واتفاقية الطيور المائية الأفريقية -الأوروبية الآسيوية، ضرورية لحماية الطيور المهاجرة في رحلاتها الدولية، حيث تتضمن هذه المعاهدات الدولية المحافظة على موائل الطيور المهاجرة وحمايتها من المهددات، ومنها الأنشطة البشرية التي قد تعرضها للخطر وذلك ضمن أطار قانوني. كما وتتعاون الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات في مجال برامج المراقبة والأبحاث وتبادل المعلومات من أجل المحافظة على هذه الأنواع.
وقال قنعير إن الأردن يعتبر من أهم مسارات الطيور المهاجرة، كما أن ممر وادي الأردن وهو من الأجزاء الرئيسية من حفرة الانهدام ، يعتبر من أهم مسارات هجرة الطيور على المستوى العالمي. ويتميز الممر بتشكيله جسراً بيئياً بين قارات أوروبا وإفريقيا وآسيا، حيث يقوم بدعم أعداد متنوعة من الموائل المهمة المميزة، بالإضافة الى كونه ممراً رئيسياً للطيور المهاجرة التي تعبره بالملايين سنوياً.وبحسب قنعير فإن مناطق "عنق الزجاجة" (عنق الزجاجة: ممرات الهجرة الضيقة الواقعة بين القارات، وتربط بين مواقع تكاثر الطيور ومواقع الإشتاء) تعتبر من أهم مسارات الهجرة وطنياً، كونها مقصداً للطيور من مختلف المسارات، وموئلا للطيور المهاجرة مثل الصقور والعقبان. هذا وقد تم تسجيل 436 نوعا من الطيور في الأردن، أكثر من 300 منها تمر عبر البلاد خلال هجرتها بين أوروبا وأفريقيا.وأضاف "هنالك هجرة ربيعية (خلال الفترة شباط-أيار) مذهلة من الطيور الجارحة عبر الأردن، متجهةً إلى مناطق التكاثر في أوروبا، ويمكن أن تشمل أكثر من مليون طائر، بما في ذلك نسب كبيرة من مجتمعات الطيور في العالم مثل الصقر الحوام، وصقر العسل، وعقاب البادية والباشق الشرقي.
أما في الهجرة الخريفية التي بدأت منتصف شهر آب الحالي، فتتلاقى فيها الآلاف من طيور عقاب البادية على رأس خليج العقبة في هجرتها جنوبًا من أوروبا إلى أفريقيا، ومئات من مرزة مونتاجو والمرزة الباهته، وتنجذب هذه الطيور إلى المسطحات المائية القليلة المعزولة أثناء عبور الهضبة الصحراوية الشرقية.وتسمى بعض هذه الطيور بـ“الطيور الحوامة"، التي تهاجر بطريقة غير عادية، وتستخدم الطيور الحوامة نظاماً للطيران يعتمد على تيارات الهواء الصاعدة، التي يتم تسخينها بواسطة أشعة الشمس، وتعمل هذه التيارات من ثم على رفع الطيور ومساعدتها على الطيران.وكشف تقرير حالة الطيور في العالم لعام 2018، أن من بين 11000 نوع من الطيور المتواجدة في العالم، نوعٌ من كل خمسةِ أنواع هو من الطيور المهاجرة، وأن 40% منها تقريباً في انخفاض، في حين أن نوع من كل ثمانية أنواع يعتبر مهدداً بالانقراض.وتشمل التهديدات الرئيسية للطيور المهاجرة بحسب التقرير، ضياع الموائل وتدهورها نتيجة لعدة أسباب منها: التنمية الزراعية والساحلية، والاصطدام بطواحين الهواء التي وضعت بشكل غير مدروس في طريقها، بالإضافة الى أسلاك الكهرباء، والصيد غير القانوني.
أما التهديدات الأخرى، التي تواجه الطيور المهاجرة بحسب قنعير، فتتمثل بالتسمم، والاصطدام بالعوائق التي من صنع الإنسان، وتغير المناخ.وتؤدي الممارسات الزراعية غير المستدامة وضغوط البنية التحتية، إلى تقلص موائل الأنواع المهاجرة، حيث تعتمد الطيور المهاجرة على موائلها الطبيعية في الغذاء والمأوى والتعشيش.وتحقيقا لرسالة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، و التي تركز على حماية التنوع الحيوي في المملكة ومن ضمنه الطيور بالتعاون مع العديد من الشركاء في هذا المجال، ومنهم مؤسسة بيردلايف انترناشونال؛ إذ تعد الجمعية شريك وطني لمؤسسة بيردلايف إنترناشيونال والتي تعنى بحماية الطيور تحديداً ومنها المحلقة المهددة بالانقراض عالمياً- حيث تعمل الجمعية على بذل جهود لحماية هذه الطيور من خلال تنفيذ عدد من المشاريع الدولية المختصة في هذا المجال ومنها: مشروع المحافظة على الرخمة (النسر المصري) The “Egyptian Vulture New LIFE” والممول من الاتحاد الأوروبي، وكذلك مشروع الطيور الحوامة المهاجرة الممول من مرفق البيئة العالمي GEF وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، بالإضافة إلى مشروع المسارات الآمنة لهجرة الطيور في المتوسط والممول من قبل مؤسسة مافا السويسرية والمنفذ من قبل بيردلايف إنترناشيونال.
وتعمل مخرجات هذه المشاريع مجتمعة على إدماج مفاهيم حماية الطيور المحلقة في مختلف القطاعات كقطاع الطاقة، والزراعة، والصيد، والسياحة، وإدارة النفايات. وتعمل أيضاً مع الشركاء المحليين والدوليين، لتخفيف أثر المشاريع التنموية على الطيور المحلقة وذلك من خلال مجموعة من البرامج والإجراءات منها: إعداد وإصدار دليل للإجراءات التخفيفية، وتنظيم استخدامات الأراضي، وتعريف المناطق الهامة للطيور والتنوع الحيوي، بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية الطيور المحلقة، وبناء خطط وطنية لتخفيف الأثر السلبي على الطيور والتنوع الحيوي ككل.
وأعدت الجمعية وبالشراكة مع وزارة البيئة دليل وطني لدراسات تقييم الأثر البيئي لمشاريع طاقة الرياح بما يضمن تنفيذ إجراءات تخفيفية خلال مراحل عمل المشاريع. كما وتعمل الجمعية حاليا على توقيع مذكرات تفاهم مع الشركاء في قطاع الكهرباء لتنفيذ إجراءات تخفيفية لعزل خطوط الكهرباء في المناطق الحرجة، حيث تؤثر هذه الخطوط سلباً على الطيور إذ تتسبب في تكهربها عند الاصطدام بها.وحالياً تعمل الجمعية على تطوير إجراءات وطنية حول خطوط الطاقة لحماية الطيور ليتم أخذها بعين الاعتبار وتطبيقها، لضمان الحفاظ على هذه الأنواع. كما سيتم عقد تدريب متخصص لكيفية تطبيق هذه الإجراءات للجهات المعنية والفاعلة في هذا المجال.وتأمل الجمعية بأن يكون موضوع حماية الطيور المهاجرة ودعم مناطق الطيور والتنوع الحيوي المهمة، حاضراً خلال تحضير الخطط الاستراتيجية للقطاعات الإنتاجية المختلفة ليكون الأردن ممراً آمناً للطيور المهاجرة، ليبقى شعارنا "الطيور المهاجرة أنتم في حمانا.. حلقوا بسلام".
قد يهمك ايضا :
حديقة "بلجراد" الألمانية تحتفي بأكبر تماسيح العالم "مويا"
مشروع لإعادة الطيور والأسماك إلى القنال الكبيرة في فينيسيا الإيطالية
أرسل تعليقك