طرحت المصممة السعودية ريم الكنهل، في تشكيلتها الأخيرة، لموسم الصيف "نافذة على الروح" تأخذنا بأسلوب عصري وذكي بعيد عن الترجمات الفولكلورية، في رحلة مثيرة وممتعة إلى جذورها.
وتكاد تلمس في كل قماش أو لون، دفء الصحراء، وقوة البدو الرحل، وأحجام الخيام وألوان النجوم في عز الليل، في تصاميم تغلفها رغبة جامحة في الابتكار والانعتاق على المتعارف عليه من دون التمرد عليه كليًا.
وتناولت البرقع مثلًا بطريقة شاعرية مفسرة أنها تريد من خلاله القول بأن الجمال الخارجي "ليس مهمًا مقارنته بأهمية العيون وعمق النظرة إلى الأمام والفضاء البعيد، فهذا هو مفهوم الجمال لدى البدو".
لم تخف ريم منذ بدايتها، بأن المرأة القوية والطموحة تثير خيالها وتلهمها، وبالتالي فإن هذه المرأة تظهر في كل ما تطرحه.
ولم تخرج هذه التشكيلة عن القاعدة، فقد أرادت ريم من خلالها تقديم تحية للمرأة البدوية تحديدًا "لأنها تتمتع بقوة لا مثيل لها في مواجهة الصعاب، كما تتمتع بالجمال والصبر رغم الظروف القاسية التي تفرضها عليها بيئتها مثل الحرارة الشديدة والرمال الصحراوية وغيرها".
وتجسد ريم الكنهل في تشكيلتها المرأة القوية والطموحة، وهو انعكاس لشخصيتها المتحدية، التي لا تقبل بالحلول الوسطى، لأنها تعرف ماذا تريد وتعمل لتحقيقه بجدية.
وتتمتع تصاميمها بجرأة تجذبك إليها من النظرة الأولى، لكنها ليست جرأة من نوع "خالف تُعرف" كما هو الحال بالنسبة لكثير من المصممين الشباب، بل هي مدروسة وترمي من ورائها إلى رسالة ما، فكلما تمعّنت فيها تكتشف مدى عمقها ومدى تعقيدات تفاصيلها.
بدأ حب ابنة الرياض ريم الكنهل، للموضة وهي طفلة صغيرة تراقب والدتها وهي تلبس أزياءها وتتزين، وفي سن الصبا، بدأت تسجل صور الأناقة في خيالها من أفلام هوليوود التي كانت تدمنها، وعندما وقعت عيناها على فستان زفاف النجمة غريس كيلي على أمير موناكو، انبهرت به وبدأت فكرة أن تمتهن تصميم الأزياء تلح عليها.
وحققت ريم حلمها وصممت تشكيلتها الأولى التي عرضتها على صاحبة محل "دي إن إيه" الأميرة دينا عبد العزيز.
وشعرت هذه الأخيرة بحسها أنها مختلفة، ولم تتردد في عرضها، وبالفعل لم تمر سوى أيام حتى تم بيعها بالكامل، مما أكدّ لها أن نجاحها لم يكن مجرد ضربة حظ.
وذكرت ريم بأنها أكثر حظًا من غيرها، لأنها تتمتع بدعم عائلي كبير ولم تحتاج إلى محاربة أي من المقربين منها لإقناعهم بدخولها هذا المجال.
وتكمن المشكلة حسب قولها في أن عدد مصممي الأزياء السعوديين المحترفين قليل، مما يجعل التخصص في هذا المجال صعبًا، والنظرة إليه لا تزال سطحية.
وأشارت إلى أن الحظ كان حليفها منذ أول تشكيلة طرحتها، إذ أنها بيعت بالكامل في محل "دي إن إيه" رغم أن لا أحد سمع باسمها من قبل.
وكانت التشكيلة بتوقيع مبهم يحمل الأحرف الأولى من اسمها فقط "أر كيه"، مما أعطى الانطباع بأنها ماركة عالمية، لكن بمجرد أن عرفت النساء أنها من توقيع مصممة سعودية، حتى فتر تلهفهن وإقبالهن عليها.
وأوضحت المصممة السعودية، أن هذه الازدواجية في التعامل مع الموضة مع المصمم العربي في البلدان العربية لم تكن متوقعة لكنها لم تحبطها بقدر ما أكدت لها أن السوق المحلية لم تكن مستعدة لاحتضان مصممة سعودية، وغير معروفة بعد، وكأن على المصمم العربي أن يأخذ جواز المرور من الغرب قبل أن يتقبله الشرق.
وزادها الأمر عنادًا وإصرارًا على التحدي لكي تثبت أن الإبداع لا جنسية له، وأنه قد يكون تحت الأيادي وعلى مرمى العيون، لا سيما وأن ثقتها بنفسها كانت عالية بعد أن رأت حجم إقبال النساء على تصاميمها قبل أن يعرفن أنها سعودية.
واتخذت ريم أول خطوة، وهي أن تستعمل أدوات غربية تخاطب بها الشرق، لكن كانت خطتها واضحة وهي أن لا تتبع الغرب وتقلده بطريقة عمياء، بل أن تشكل جسرًا بينه وبين الشرق مستغلة إرثها وفهمها لثقافتها.
ويبقى المصمم أولًا وأخيرًا، ابن بيئته مهما تمرد، وليس ببعيد أن يتعرض للفشل فيما لو حاول تغيير جلده تمامًا. الأهم من هذا أنها لم تر داعيًا لذلك، لأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت سوقًا قوية لا يمكن تجاهلها، حسب قولها، نظرًا لإمكانياتها الشرائية، وفي الوقت ذاته واعدة بشبابها الذين يحتاجون فقط إلى فرص لكي يتألقوا.
وتقدّم المصممة ريم تشكيلات موسمية، دائمًا تستوحيها من محيطها وثقافتها، مضيفة إليها لمسات عصرية تكشف عن أنها منفتحة على العالم تغرف منه المناسب، وتوظفه في تصاميم تتكلم لغة سلسة وسهلة رغم تعقيدات طياتها وثنياتها، التي يكون الهدف منها خدمة جسد المرأة وإبراز جمالياته أكثر من استعراض إمكانياتها فقط.
أرسل تعليقك