دمشق ـ جورج الشامي
نشرت الناشطة السورية يمان القادري، عبر صفحتها على "فيسبوك"، صورة جديدة لأحد أشهر المعتقلات السوريات في سجون الحكومة طل الملوحي، التقطت لها عبر قضبان سجن عدرا للنساء.
وتساءل العديد من الناشطين والمنظمات، خلال الفترة الأخيرة، عن مصير الشابة السورية التي اعتقلت في قبل بداية الحراك الثوري بعامين، وكانت في الثامنة عشر من عمرها وقتها، والتب تُعتبر رمزًا من رموز الاعتقال التعسفي
في سورية، حيث اعتقلت بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2009، وتم الحكم عليها تعسفيًا من قبل محكمة أمن الدولة بتاريخ 14 شباط/فبراير 2011 لخمس سنوات، بعدما وجهت إليها تهمة "كشف معلومات كان ينبغي إخفاؤها عن بلد أجنبي"، ورغم أن الأحكام الصادرة من قبل المحكمة تقبل الإفراج عنها بالإعفاء من ربع المدة، لكن طل لا تزال حبيسة جدران سجن عدرا للنساء، فيما قال محامو الملوحي، إن القاضي الذي نظر في قضيتها لم يُقدم أية أدلة تدعم الاتهامات التي وجهت إليها.
وقالت وزارة الخارجية السورية، عند الاعتقال، "إن المدوّنة طل الملوحي، التي حُكم عليها بالسجن خمس سنوات، لتهمة إفشاء معلومات لدولة أجنبية، كانت تعمل لحساب وكالة المخابرات الأميركية".
وذكرت مديرة الإعلام الخارجي في الخارجية السورية بشرى كنفاني، أمام عدد من الصحافيين، ردًا على الاحتجاجات على الحكم، أن "الملوحي جُنّدت عندما كان عمرها 15 عامًا عن طريق ضابط نمساوي يعمل في منظمة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك (أندوف) في هضبة الجولان، وأنها كانت في سن الرشد عند صدور الحكم عليها"، علمًا أنها من مواليد حمص عام 1991، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن السلطات السورية أصدرت حكمًا بالسجن لمدة خمس سنوات بحق المدوّنة طل الملوحي لتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة.
ونشرت الملوحي مقالات عدة على الإنترنت عبرت فيها عن تطلعها للاضطلاع بدور في رسم مستقبل بلادها، التي يحكمها حزب "البعث" في الأعوام الخمسين الأخيرة، وطالبت في مقالاتها الرئيس الأميركي باراك أوباما ببذل المزيد من الجهد لدعم القضية الفلسطينية.
وناشدت الإدارة الأميركية بإطلاق سراح الملوحي، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كرولي، في بيان مقتضب، "إن الولايات المتحدة تدين بشدة المحاكمة السرية التي أخضعت السلطات السورية المدوّنة طل الملوحي لها، وتطالب بإطلاق سراحها فورًا، وأن واشنطن تنفي بشكل قاطع أية اتصالات قالت السلطات السورية إن الملوحي قامت بها مع الولايات المتحدة، وتعتبر هذه الادعاءات عارية تمامًا من الصحة، ونطالب الحكومة السورية بإطلاق سراح كل سجناء الرأي، الذين يقبعون في سجونها، ونطالبها بالسماح لمواطنيها بالتمتع بحقوق التعبير والتجمع من دون خوف".
وقالت ثلاث جماعات سورية معنية بحقوق الإنسان، في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، "إن طل الملوحي أخضعت في العاشر من الشهر نفسه للتحقيق، من جانب محكمة أمن الدولة العليا، وأنها أُعيدت إلى سجن النساء في دوما".
وقد ولدت طل دوسر خالد الملوحي في حمص، في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1991، مدوّنة سورية وطالبة في إحدى مدارس حمص الثانوية، اعتقلها جهاز أمن الدولة السوري في 27 كانون الأول/ديسمبر 2009، على خلفية نشرها بعض المواد "ذات الخلفية السياسية" على مدونتها، وانقطع الاتصال بها، وفي 2006، استدعيت الملوحي للأمن بسبب مناشدة وجهتها عبر موقع "النادي السوري" إلى الرئيس بشار الأسد، للإسراع في عملية التحوّل الديمقراطي في البلاد، قائلةً "إنه كرئيس يُحتّم عليه منصبه وقف الفساد المستشري"، مذكرةً إياه "بما قطعه من وعود"، واستخدمت طل اسمها الثلاثي في هذه المناشدة، التي حذفت فيما بعد من أرشيف الموقع، وفي 2007 تكرر استدعاء الأمن لطل ثلاث مرات على الأقل، وفي نهاية صيف 2007، قررت الأسرة مغادرة سورية إلى مصر، حيث بدأ الأب عملاً تجاريًا محدودًا (محل كمبيوتر وإنترنت)، بعد أن حصل على إجازة من دون راتب من عمله، وفي حزيران/يونيو 2008 عادت طل إلى دمشق لإتمام الامتحانات ونزلت طرف خالتها، استدعيت خلال تلك الفترة للأمن مرتين على الأقل (لساعات ثم سمح لها كل مرة بالمغادرة)، وعادت إلى القاهرة في الشهر التالي (تموز/يوليو 2008)، ثم انخرطت منذ نهاية 2008 وحتى نيسان/أبريل 2009 في دراسة اللغة الإسبانية في معهد ثربانتس في القاهرة، إذ كانت تتطلع للدراسة في الخارج، وفي شباط/فبراير 2009، استدعيت طل إلى السفارة السورية لدى القاهرة، وتم التحقيق معها من دون السماح لوالدها بحضور التحقيق، حيث سُئلت عن أسماء من تعرفهم عبر الإنترنت من سوريين في الخارج، كما تم تحذيرها من النشر أو الاتصال بمواقع إلكترونية أو صحف، وفي تموز/يوليو 2009، عادت إلى سورية بعد أن فضّل الأب العودة إلى بلده لاستكمال السنوات الأربع المتبقية للحصول على كامل المعاش التقاعدي، لا سيما أن أرباح عمله الخاص في مصر لم تستمر (بحسب الأسرة)، وظلت هناك حتى تم اعتقالها في كانون الأول/ديسمبر 2009.
وأفادت التقارير الصادرة عن مؤسسات حقوقية سورية، أن جهاز أمن الدولة السوري أرسل استدعاء الملوحي في 26 كانون الأول/ديسمبر 2009، للتحقيق معها بشأن مقال كانت قد نشرته في مدونتها، وفي صباح اليوم التالي سافرت الفتاة بمفردها ولم تعد، وفي 28 من الشهر ذاته داهم عدد من عناصر الجهاز المذكور منزل الأسرة في حمص، وصادروا جهاز الحاسوب الخاص بها وبعض الأقراص المدمجة، وكتبًا وأغراض شخصية أخرى، ومنذ ذلك التاريخ، لم تعد الملوحي إلى ذويها، وحرمت من المشاركة في امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا)، وقوبلت زيارات الأهل لمركز الاعتقال التابع لأمن الدولة بتطمينات غامضة بأن أمورها جيدة، من دون تقديم أي معلومات إليهم بشأن أسباب احتجازها، وفي 4 آذار/مارس 2010، نشرت المنظمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان موضوعًا عن اعتقال الطالبة، داعيةً إلى الإفراج عنها قبيل الامتحانات، ومتسائلةً إذا ما كانت الفتاة "في حالة صحية ونفسية تسمح لها بأداء الامتحانات"، وفي نيسان/أبريل 2010، علمت أسرة طل أن ابنتها تعرضت للتعذيب منذ اعتقالها حتى نهاية شباط/فبراير 2010 على الأقل، ولم يتوقف التعذيب إلا بعد تدهور حالة الفتاة الصحية، ونُقلت إلى مقر المخابرات مرة واحدة على الأقل في حزيران/يونيو 2010، ولم تعلم الأسرة بوجودها في فرع التجسس سوى في تموز/يوليو 2010، وعلاوة على العديد من المحاولات المحبطة لرؤيتها في مركز اعتقال دمشق، كانت عائلة الملوحي قد تقدمت بحلول نهاية أيلول/سبتمبر 2010، بثلاثة طلبات خطية لزيارتها في مكاتب جهاز أمن الدولة، وبعثت بمناشدتين على شبكة الإنترنت إلى الرئيس بشار الأسد، تهيبان به بأن يتدخل من أجل إخلاء سبيلها، كما ناشدت والدة المدوّنة المحتجزة، في رسالة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان، الرئيس الأسد التدخل للإفراج عن ابنتها المعتقلة، مؤكدة عدم صلة ابنتها "بأي تنظيم سوري معارض أو غير معارض"، وأن ابنتها "لا تفقه شيئًا في السياسة، كما أن جدها محمد ضيا الملوحي كان أحد رجال نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد، إذ شغل منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب في عهده، وكان عضوًا في مجلس الأمة الاتحادي في زمن الوحدة المصرية السورية، وتلقت والدة طل وعدًا من إحدى الجهات الأمنية بأن ابنتها سيفرج عنها قبل شهر رمضان، ولكن الشهر انتهى من دون أن يتحقق هذا الوعد، وانتشرت بعد أيام من نشر هذه الرسالة شائعات عن مصرع طل تحت وطأة التعذيب، وهو ما نفاه ناشطون سوريون وقتها.
ونشر موقع "دي برس" الإخباري السوري، في 20 أيلول/سبتمبر 2010، أن طل الملوحي موجودة في سجن دوما للنساء (20 كم شمال غربي دمشق)، لكن والدتها عهد الملوحي نفت في اتصال مع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان في 22 من الشهر نفسه، صحة هذا الخبر، قائلةً إنها زارت سجن دوما، لكنهم أخبروها أن ابنتها لم تُنقل إلى ذلك السجن، فيما صرح مصدر سوري لموقع "شام برس"، بأن "الملوحي متهمة بالتجسس لصالح دولة أجنبية، لقاء مبالغ مالية، وأدلت بمعلومات أدت إلى الإضرار بالأمن القومي السوري، وأن المعلومات ذاتها أدت إلى تعرض ضابط أمن سوري للاعتداء من قبل الجهة الأجنبية التي تجسست طل لصالحها"، ولكن الكاتب علي الأحمد، قال "إن تسريب معلومة كهذه بعد كل هذه المدة من الاعتقال، ما هو إلا محاولة للتبرير وحفظ ماء الوجه بعد تضامن العديد من العرب مع قضية طل".
وقال مصدر سوري، لموقع "سيريا نيوز"، وسعيًا لنفي أن تكون الملوحي قد أُوقفت لأسباب تتعلق بحرية التعبير، "إن طل الملوحي قامت بعمل تجسسي لصالح السفارة الأميركية في القاهرة، وتسببت في محاولة اغتيال لضابط أمن سوري في أحد شوارع العاصمة المصرية بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر في 2009، مما أدى إلى إصابته بعاهة دائمة".
وأثار اعتقال الطالبة العديد من الانتقادات في المدونات العربية، التي نشرت هجومًا على ما اعتبرته قمعًا عشوائيًا في سورية، لكن لم يصدر أي تعقيب على هذه الانتقادات من جانب الحكومة السورية التي تحظر المعارضة السياسية، وتفرض قانون الطوارئ منذ تولي حزب "البعث" السلطة في 1963، والتي لا تُعلّق في العادة على الاعتقالات السياسية.
وأطلق نشطاء مصريون في 12 أيلول/سبتمبر 2010، دعوة إلى تنظيم وقفة احتجاجية أُقيمت أمام السفارة السورية في القاهرة في 19 من الشهر نفسه، تضامنًا مع المدوّنة السورية المعتقلة، لمطالبة السلطات السورية بالكشف عن مصيرها وإطلاق سراحها، كما نظمت أيضًا في 2 تشرين الأول/أكتوبر تظاهرة أمام مقر نقابة الصحافيين المصرية للإفراج عن طل، واتهم منسق حملة المطالبة بالإفراج عن طل الملوحي ثائر الناشف، الحكومة السوري بعمل دعاية لا أخلاقية لطل، فيما تزامنت هذه التظاهرة مع وقفة احتجاجية أخرى نظّمها أعضاء الاتحادات الطلابية في باكستان، تنديدًا باعتقال طلّ، معتبرين استمرار اعتقالها تقييدًا لحرية الرأي في سورية، وفي اليوم نفسه نظّم ناشطون سوريون تظاهرة أمام السفارة السورية في باريس، حاملين صور طل وغيرها من معتقلي الرأي، ووزعوا بيانًا باللغتين الفرنسية والعربية مطالبين فيه بالحرية لطل وجميع المعتقلين، وكذلك نظمت "تظاهرة إلكترونية" على صفحات "فيسبوك"، شارك فيها ناشطون سوريون وعرب ملصقين صور طل وروابط حملة المطالبة بحريتها ومقالات كتبت عنها، وفي 4 تشرين الأول/أكتوبر 2010، اعتصم العشرات من الصحافيين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني أمام السفارة السورية في العاصمة اليمنية صنعاء، مطالبين السلطات السورية بإطلاق سراح المدونة طل الملوحي، ورفض السفير السوري في اليمن تسلّم النداء الحقوقي من أجل الإفراج عن الملوحي.
ودعت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى "وضع حد فوري لهذا الاحتجاز التعسفي" و"إخضاع هذه المدوّنة لمحاكمة شفافة إذا ما ارتكبت جنحة فعلاً أو الإفراج عنها فورًا"، كما طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالإفراج عن الطالبة المعتقلة، وقال أحد باحثي المنظمة الحقوقية، "إن احتجاز الملوحي يُعد لغزًا بالنسبة للمنظمة، وأن قضية هذه الطالبة تثير تساؤلات كثيرة، فلا سبب واضح لاعتقالها، وعزلها عن العالم بهذا الشكل"، في حين قالت منظمة العفو الدولية، إنها تعتقد أن الملوحي من سجناء الضمير، وأنها سجنت لا لشيء إلا لأنها مارست حقها في حرية التعبير بشكل سلمي، وأن طل تتعرض لخطر التعذيب وغيره من أنواع الإيذاء، وأنها تعاني في سجنها من تسارع في ضربات القلب، ولا تتلقى العلاج اللازم له.
وحمّلت حركة "العدالة والبناء"، في بيان لها، الرئيس السوري مسؤولية مصير طل الملوحي، داعية القوى السياسية إلى مناصرة الحملة العربية والعالمية للكشف عن مصيرها والإفراج عنها، فيما طالب مركز "عرب بلا حدود" بمحاكمة علنية لطل الملوحي، وأن تكون هذه المحاكمة مفتوحة لحضور محامين وحقوقين من كل الدول، وأن يسمح للإعلام بحضورها.
جدير بالذكر، أن أكثر من 4,000 شخص قد وقّعوا على بيان حملة "أفرجوا عن طل الملوحي"، التي انضم لها ناشطون وحقوقيون من مصر وسورية ودول عدة في المنطقة والعالم.
أرسل تعليقك