ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية
آخر تحديث 16:46:38 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

وسط غياب مؤسسات حقوق الطفل

ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

الطفل دل سوز صاحب الـ12 عامًا
دمشق _ لامار اركندي

يتدرج دل سوز في الطريق الذي كان يقتاده قبل عامين مع صديقه وزميل دراسته سعيد في كل صباح ، متوجهين إلى مدرسة الحي الذي يعيش فيه ، في مدينة القامشلي ، ووتر الابتسامة ، تزداد طربًا مع صدى قهقهتهما وهما يتبادلان أحاديثهم التي بقيت متمترسة على جدار ذاكرة دل سوز منذ السنتين وهو يحمل في صباحاته  أكياس الجوارب المتراصة ليكمل وجهته إلى السوق بعيدًا عن شارع مدرسته الابتدائية التي يتوق العودة إلى مقاعدها ، وتعطير أنفاسه برائحة الحبر والكتب.

ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

يبسط جواربه في مختلف أحجامها وألوانها وأشكالها على بسطته البسيطة على جسر المدينة الكبير ، على نهر الجغجغ ، من الثامنة صباحًا ليعود في التاسعة مساءًا منهكًا من طول يوم مليء بالكد والجهد.

أجبرت الظروف المعيشية لدل سوز ،  صاحب الـ12 عامًا على ترك حقيبته المدرسية واستبدالها بأكياس الجوارب ، وبيعها في السوق مع أخيه شفان ، لتخفيف عبئ المسؤولية عن كاهل والدهما الموظف في البريد ، وعجز راتبه البالغ 35 ليرة سورية ، أي ما يعادل 80 دولار في سد احتياجات العائلة المؤلفة من سبعة أشخاص ، أربعة أولاد وبنت التي تحتاج لأكثر من 4000 ل س كمعدل يومي لثمن الخضرة.

ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

مزق الغلاء المعيشي صبر السوريين بعد هبوط الليرة السورية وارتفاع الدولار الذي سجل أعلى ارتفاع ليقابل قيمة الدولار الواحد  بـ 537 أمام الليرة السورية يتحدث دل سوز لـ"صوت الامارات" عن خبرته في بيع الجوارب التي استغرقت اكتسابها وقتًا طويلًا لا سيما أثناء مفاصلته مع تجار الجملة نظرًا لصغر سنه ويقول "اضطر إلى سؤال العديد من التجار حتى أضمن ألا يغشوني في التسعيرة ، وأحقق  مكسبًا لا بأس به ، يتراوح بين 3500 إلى 4000آلاف في اليوم".

يتبادل دل سوز مع أخيه شفان البسطة ويتناوبان على إدارتها لا سيما في ساعة الغذاء ، وانتظاره نحو الساعة والربع قبل تسليم البسطة لأخيه بعد عودته من البيت.
ولعل البسطة الممددة على الجسر تكون نعمة أمام اضطرار بكري الذي يبلغ 15 عامًا النازح المقبل من حلب ، وفراره  مع والدته وأخوته الأربعة بعد مقتل والدهما في قصف جوي على حي الفردوس قبل نحو ثلاثة أعوام.

وقال بكري الذي يعمل في بيع المناديل الورقية ، إنه يحلم في كل ليلة بمدرسته التي قصفت ولم يبقى منها إلا الركام ، حيث أن العديد من أطفال الحي وطلاب المدرسة قد لقوا حتفهم والبعض منهم سافر إلى تركيا وأوروبا والبقية نزحوا إلى الأماكن الآمنة في البلاد".

وتجب صعوبة العيش بكري على المشي لساعات طويلة في أسواق وشوارع القامشلي ، بحثًا عن مشتري لبضاعته البسيطة ، لتقوده قداماه المجهدتين بعد انتهاء اليوم المتعب إلى محل بيع الملابس والأحذية المستعملة "الباليه" الذي يعمل فيه أخاه أحمد الأصغر منه ، الذي حالفه الحظ  أكثر من أخيه وعثر على عمل لدى أبو جميل صاحب المحل براتب أسبوعي يقدر بـ3000 ل س .

نسفت الفقر والحرب حلم بكري في أن يصبح لاعب كرة قدم  ، والتي لازمته منذ أعوامه الأولى لدخوله المدرسة كما يقول "عشقي لكرة القدم سيبقى نابضًا في قلبي ، ألازم مشاهدة القنوات الرياضية مساءًا بعد عودتي من العمل علها تطفأ رمق شوقي للعب".

وتابع بكري "ظروفي أجبرتني أن أحل محل والدي في حمل مسؤولية عائلتي وحفظ كرامتهم بعد أن خسرنا معيلنا ، و بيتنا وسيارتنا في حلب ، لم أعد أشعر بطعم الفرح والابتسامة لن ترتسم على وجهي الذي فارق تفاصيله ربيع الحياة بعد أن فقدنا كل شيء".

قرابة 630 ألف طفل يعملون ضمن شروط غير إنسانية، ليشكلوا ما نسبته 3% من إجمالي قوة العمل السورية ، وفقًا للدراسة التي أعدها المكتب المركزي للإحصاء بالتعاون مع جامعة دمشق ومعهد "فافو" النرويجي ومكتب اليونيسيف في دمشق، أشارت إلى أن عدد الأطفال العاملين في سورية من الفئة العمرية 10 -17 عامًا ، يقدر بنحو 621 ألف طفل ليشكل هذا الرقم 17.8 % من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية في سورية .

وحذر محمد علي عثمان ، أخصائي الصحة النفسية و التنمية البشرية ، من الآثار النفسية والجسدية للفقر والحرب على الأطفال  مشيرًا إلى تعرض الطفل الذي يعمل في سن مبكرة لأخطار جمة تنتج عنها آثار جسدية ونفسية نتيجة ظروف العمل غير الآمنة و الضغوط والاستغلال والعنف بشتى أشكاله الجسدي، المعنوي والجنسي ، مما يؤثر سلبًا على مشاعره وعواطفه محدثة سلوكيات اجتماعية وأخلاقية جديدة تغدو بفعل الكم مكونًا أساسيًا من مكونات عملية التنشئة الاجتماعية لدى الطفل مترافقة مع اكتسابه عادات سيئة كالتدخين ولعب القمار والسرقة والجنوح وغيرها من الآفات غير الحميدة ".

وأوضح عثمان في تصريحات لـ"صوت الامارات" أن الواقع الذي تعبشه البلاد وظروف الحرب أجبرت الأسر السورية ذوي الدخل المحدود إلى تشغيل أطفالها لتحسين وضعها المادي وتأمين مصادر دخل إضافية مضحية بصحته ونموه وبراءته ، ومعرضة إياه لصنوف شتى من العنف لدرجة الاعتداء و التحرش الجنسي .

وقال الأخصائي النفسي "نظرًا لقلة دخل الأب قد تضطر الأم البحث عن فرصة عمل هي أيضًا ، وتترك أطفالها بمفردهم دون رعاية وغالبًا تكون معيشتهم ، في فترة غيابها في الشارع ، وبالتالي يصبح هؤلاء الأطفال فريسة سهلة للانحراف".
وشدد عثمان على حتمية الحذر من خطورة عمل الأطفال في البيئات الزراعية والحيوانية وتعرضهم  للإصابة في العديد من الأمراض كالبلهارسيا، والآثار الضارة الناجمة عن تعرضهم للمبيدات الحشرية .

ونوه إن العمل في مجالات التصنيع والورش يكون دائمًا مرتبطًا باستخدام مواد متعددة الأحماض والقلويات والمذيبات العضوية والمنظفات ومواد الصباغة والدباغة ، وما ينتج عن هذه المواد من التهابات جلدية وحروق وأمراض عضوية أخرى، خاصة بالنسبة للدم والجهاز العصبي والجهاز الدوري .
ومع تفاقم الأزمة وعجز المنظمات الدولية المعنية في إنقاذ الطفولة ، يبقى الأمل معولًا على الجهود الفردية التي قد يحظى بها 1 من 1000 وكان سردار ممن سخى القدر بكراماته عليه ليكون ضمن المجموعة الصغيرة المؤلفة من 40 طالبًا من اليتامى والفقراء ، لينال نصيبه من المبادرة التي تبناها بعض أساتذتهم وبعض الخيرين ممن هاجروا إلى أوربا من أبناء مدينة القامشلي وبقائهم على تواصل مع بعض طلابهم الذين جمعتهم مع غيرهم من الطلبة الآخرين ليكونوا ممن نجوا من الضياع وكتب لمستقبلهم أن يكون مشرقًا .

وأضاف سردار لـ"صوت الامارات" : "استاذي الذي هاجر إلى ألمانيا قبل الأربعة أعوام ، بقى متواصلًا معي وتكفل هو ومجموعة من زملائه وأصدقائه في أوربا وبعضهم ممن في القامشلي تحمل مصاريف دراستنا نحن الطلاب الذي بلغ عددنا الأربعين ، واتمامنا لدراستنا على نفقتهم الشخصية حتى تخرجنا منن الجامعة".

ويتلقى سردار الدعم المادي السنوي من المبادرة منذ الثلاثة أعوام ويخصص له كغيره من الطلاب من مختلف المراحل الدراسية ، مبلغًا سنويا قدره 500 دولار شرط بقائه محافظًا على تفوقه الدراسي

وتكفل المبادرة إبعاده عن مستقبل معتم ومصير مجهول قد يواجه نظرائه ممن في عمره ، في بلد نحر الدمار آمال المغيبين في الداخل والخارج ، ممن تلونت أحلامهم بالدم ، ليكون النصيب الأكبر من الخوف على ملائكة الأرض براعم غد محفوف بالألم ومبتور الأمل ، بعد أن حفرت الحروب طريقها إلى معظم البلاد العربية وتسببت حسب إحصائية اليونيسف بإصابة 4.5 مليون بالإعاقة ، وشردت 12 مليون وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب والصدمات النفسية، والصدارة فيها كانت لدول العرب .

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية ملائكة الأرض ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية



GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates