تكشف منظمات دولية عن قصص محزنة وأرقام مخيفة تصدر سنويًا خطورة تفاقم مشكلة "المحرومين من مقاعد الدراسة" في مختلف المراحل التعليمية ما بعد 2011، التي تؤشر إلى العقبات والمخاطر التي سوف يواجهها العالم العربي بسبب حرمان ملايين الأطفال من التعليم. وأثناء كتابة هذا التقرير حاولنا الوقوف على أرقام دقيقة تعلق بأعداد المحرومين من التعليم حول العالم العربي، إلا أن بعض الهيئات الدولية رفضت التعاون من الأساس لتقديم الأرقام الدقيقة، وحاولت توجيهنا لمنظمات وهيئات ومكاتب دولية في اليمن والعراق وليبيا. كما أن أحدث التقارير التي عثرنا عليها يعود للعام الماضي، وهي تقدم النسب الأقرب للواقع. وفي أحدث تقاريرها الصادرة عام 2016، كشفت منظمة «يونيسيف» في تقرير «وضع أطفال العالم 2016» عن أنه بحلول عام 2030 سيكون هناك أكثر من 60 مليون طفل محروم من التعليم، ويشير التقرير بشكل مفصل إلى أن الأرقام ستكون متقاربة في كل من أفريقيا وآسيا. هذا الرقم مرشح للزيادة أيضاً في ظل وجود 37 مليون طفل يعيشون في ظل الصراعات والنزاعات المسلحة والكوارث. وهناك 75 مليون طفل ما بين 3 إلى 18 سنة في 35 دولة أصبحوا يائسين من استكمال تعليمهم بسبب النزوح والهجرة. فقد أعلنت «يونيسيف» عن أن العنف في العراق أدى إلى انفصال أكثر من 4600 طفل عن عائلاتهم، في حين أن هناك أكثر من 7 ملايين طفل يهاجرون من غرب ووسط أفريقيا بسبب العنف والفقر وتغير المناخ.
وتأثرت قطاعات التعليم في العالم بالصراعات الدائرة والمشكلات الأخرى التي تعاني منها عدة دول، والتي تؤثر بشكل غير مباشر على حرمان أعداد كبيرة من الأطفال والشباب من استكمال تعليمهم.
إذ تواجه ريحانة ذات العشر سنوات بعد فرارها من مطاردة الموت اليومية لها في إدلب، وبعد استقرارها في مصر مع من بقي من أفراد أسرتها، الحرمان من التعليم بسبب مرض والدها وعجزه عن العمل وتوفير نفقات المعيشة المتزايدة... "كنت أظن أنني أفضل حالاً من زملائي الذين استُشهدوا، وفرحتُ أنني أدرس في مدرسة حكومية مصرية عوضتني عن مدرستي التي هدمت وأصبحت أنقاضاً، لكن أسرتي تفضل الآن تعليم إخوتي الأكبر الذين أوشكوا على إنهاء تعليمهم الثانوي، هم يعملون بجانب دراستهم كي نتمكن جميعاً من العيش دون استجداء أحد".
السيدة السورية أم عمر لم تكن تدري أثناء فرارها من جحيم الحرب في ريف دمشق، أن حلمها بتعليم أطفالها الأربعة سوف يتبدد أمام صعوبات الحياة التي تواجهها معهم في ظل ارتفاع نفقات المعيشة وغلاء الأسعار في مصر، فهي تقيم في شقة إيجارها ألفا جنيه، وتتدبر نفقات ومصروفات أبنائها عبر مشروع «أكلات منزلية» يدرّ عليها دخلاً لا يزيد عن 3 آلاف جنيه في أحسن الأحوال. تحتضن ابنها الصغير ورد (5 سنوات)، قائلة: «تدعمنا الدولة المصرية ولا تعاملنا كلاجئين لكنني أيضاً لا أزال عاجزة عن تدبير نفقات التعليم لهم جميعاً، لذا اضطر ابني الأكبر (ريان) لترك الجامعة، حيث كان يدرس الصيدلة، وأصر على العمل بأحد محال الملابس الجاهزة لتدبير النفقات».
وكشف بيان أصدرته "يونيسيف" في 17 مايو (أيار) 2017 أن العدد العالمي للأطفال اللاجئين والمهاجرين بمفردهم قد وصل إلى مستوى قياسي، حيث ازداد بما يقارب الخمسة أضعاف منذ 2010. وقد تم تسجيل ما لا يقل عن 300 ألف طفل دون مرافق ومنفصل عن ذويه في 80 دولة خلال السنتين 2015 و2016، بالمقارنة بـ66 ألفاً في 2010 و2011.
وتشير التقارير العالمية إلى أن الصراعات والحروب المسلحة تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على التعليم، حيث يتم استهداف الأبنية التعليمية وتدميرها أو قتل أو اختطاف الأطفال أو المعلمين، مما يؤثر على سير العملية التعليمية وحرمان المزيد من الأطفال من استكمال تعليمهم.
وأبرز الأمثلة تتضح في نيجيريا وسوريا واليمن والعراق وأفغانستان، ففي اليمن يتعرض التلاميذ والمعلمين للقتل والخطف، حتى إنه في عام 2014 فقط تعرضت 163 مدرسة في أفغانستان للهجوم، وفي العراق تم إحصاء 67 مدرسة تعرضت لهجوم. وإذا نظرنا لحال نيجيريا، فإن جماعة «بوكو حرام» قتلت 314 طفلاً ما بين عامي 2012 و2014 أثناء تلقيهم التعليم، كما قتلوا 600 معلم وتم تدمير نحو 1200 مدرسة.
وتتفاقم المآسي لعدد كبير من الأسر في دول اللجوء والمخيمات، خصوصاً اللاجئين من سوريا وليبيا والسودان والصومال واليمن، المنتشرين في أرجاء الوطن العربي. وهو الأمر الذي يدق ناقوس الخطر سواء لتحقيق خطط التنمية الاستراتيجية 2030 أو لتحقيق الأهداف الألفية العالمية المتعلقة بالتنمية المستدامة، التي تطمح بأن يكون التعليم حقّاً مكفولاً لكل طفل.
وتشير بيانات أحدث تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، بعنوان «التقرير الإقليمي بشأن (الأطفال خارج المدرسة)»، فإن 21 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خارج المدرسة، أو مهددون بتركها. ووفقاً للتقرير فإن نحو 12.3 مليون طفل ومراهق الشباب في المنطقة بالفعل خارج المدرسة، و6 ملايين هم في خطر التسرب. كما أن 3 ملايين لا يذهبون إلى المدرسة في سوريا والعراق بسبب الصراعات الدائرة. كما أن الرقم مرشح للارتفاع مع اشتداد النزاع.
تشهد جيبوتي والسودان أكبر نسبة تسرب من المدارس بنحو 41.7 في المائة و48.5 في المائة على التوالي من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية. بينما تتمتع تونس والمغرب بأدنى المعدلات مع 0.1 في المائة و1.3 في المائة من الأطفال في الفئة العمرية نفسها خارج المدرسة.
* سوريا
الأزمة في سوريا نفسها أكبر من أزمات اللاجئين خارجها، حيث يُحرَم يوميّاً آلاف الأطفال من مقاعدهم الدراسية، فوفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، عام 2014: هناك مليونان و945 ألف مبنى مدمر، وتم توثيق ما لا يقل عن 3 آلاف و873 مدرسة إما مدمرة بشكل كامل أو متضررة بأضرار نسبيّة، من بينها ما لا يقل عن 450 مدرسة مدمرة بالكامل، أغلبها في محافظات: حمص وريف دمشق وحلب، وهي مدارس لا يمكن إصلاحها أو ترميمها، وتحتاج إلى جرف وإعادة بناء بحسب تقديرات المهندسين المدنيين العاملين مع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فيما تشهد المدارس المتبقيّة والبالغة 3 آلاف و423 مدرسة دماراً جزئياً، وضرراً متوسطاً ما يسهِّل عملية إعادة ترميمها وتشغيلها.
* السوريون في لبنان والأردن
وفقاً لتقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» الصادر بعنوان «السنوات الضائعة... التعليم الثانوي في حالات الطوارئ 2017»، فإنه في السنة الماضية، رسمت وزارة التربية اللبنانية ومفوضية اللاجئين هدفاً يتمثل في إلحاق نحو 200 ألف طفل لاجئ سوري بالمدارس الابتدائية الحكومية، مقابل 2080 طفلاً فقط بالمدارس الثانوية الحكومية. نُظمت حملة توعية عامة لعودة الأطفال اللبنانيين واللاجئين إلى التعليم، من الصف الأول إلى التاسع، مجاناً وبشكل سهل، ولكن الحملة لم تشمل الصفوف الأخرى.
ويلفت التقرير إلى أنه على الرغم من أن «اليونيسكو» وضعت برنامجاً يُغطي رسوم التعليم الثانوي للأطفال السوريين، فإنه لم يُعلن على نطاق واسع، واستفاد منه فقط 2280 طفلاً من أصل 82744 في سن التعليم الثانوي ومسجلين لدى مفوضية اللاجئين في العام الدراسي 2015 - 2016.
وسلط التقرير الضوء على أن هناك أطفالاً سوريين في الأردن تحدثوا عن عزوفهم عن محاولة إعادة التسجيل بالمدارس الثانوية، لأنهم أمضوا سنوات يحاولون تلبية متطلبات التسجيل الصعبة.
أما في تقرير «اليونيسيف»... «توقف التعليم» فيذكر أنّه «وبعد ثلاث سنوات من بدء الأزمة في سوريا تضرر نحو 5 ملايين و500 ألف طفل سوري بينهم نحو ثلاثة ملايين نازح داخل البلاد ومليون و300 ألف لاجئ خارجها»، وأنّ أكثر من 40 في المائة من الأطفال اللاجئين ليسوا على مقاعد الدراسة، في حين أنّ مليون طفل آخر مهددون بالتسرّب من المدارس بسبب انعدام الأمن.
وفي تقرير، أصدره الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية عام 2014 تحت عنوان «الأطفال السوريون يفقدون حق التعلم»، تشير البيانات إلى أنّ «هناك نحو 5 ملايين طالب تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عاماً، لا يتلقون تعليماً مناسباً»، وأشارت إلى أن «هذه الأعداد تشمل مليونين و300 ألف إلى 5 ملايين و300 ألف طالب لا يتلقون تعليماً على الإطلاق، فيما يحصل الباقون على تعليم في ظروف صعبة للغاية»، وأوضحت أن «20 في المائة ممن يتلقون تعليماً يقصدون مدارس ميدانيّة داخل سوريا، في حين لا تتعدى هذه المدارس كونها غرفاً متواضعة في منزل ما، أو أحد ملاجئ الأبنية».
من ناحية أخرى، فإن عدد المعلمين الذين قُتِلوا في مختلف مناطق سوريا مع بداية عام 2013 وصل إلى 222 بحسب منظمة «اليونيسيف» التابعة للأمم المتحدة.
* بصيص أمل
ورغم كل هذه المعاناة السورية، فإن هناك بارقة أمل متمثلة في مبادرة «منظمة حقوق التعليم» (Edurights) التي تسعى لتوفير الحق في التعليم لأبناء سوريا. يقول د. نجدت واعظ، المنسق العام لمنظمة حقوق التعليم ببلجيكا، لـ«الشرق الأوسط»: «هي منظمة مجتمع مدني تأسست منذ ثلاث سنوات وتهدف إلى التنسيق والربط بين منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التعليم، والمنظمات أو الجهات المانحة لدعم العملية التعليمية لأبنائنا الطلاب في مناطق النزاع والمهجر، وتم عمل مذكرات تعاون وتفاهم وتنسيق مع بعض منظمات المجتمع المدني العاملة»، ويضيف: «منذ بداية الأزمة قمنا بالمشاركة في الهيئة السورية للتربية والتعليم ومقرها تركيا، وكنت عضو أمانة عامة أنا وزوجتي في هذه الهيئة، وبعدها ونتيجة ظروف معينة تم حل الهيئة واحتفظنا بمكتبنا ببلجيكا وسجلنا المنظمة رسميّاً ببلجيكا واكتفينا بعملنا بشكل تنسيقي بين المنظمات، حالياً منظمتنا هي عضو في شبكة إغاثة سوريا، التي لها علاقة مباشرة مع المنظمات الدولية بما فيها (أوتشا)، وكذلك عضو في اتحاد منظمات المجتمع المدني».
* اليمن
كشفت النشرة الإنسانية المقدمة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، عن تزايد تدهور الوضع الإنساني باليمن، نتيجة الحرب. وأن مليونَيْ طفل محرومون من التعليم و8 ملايين شخص عاطل عن العمل. ووفقاً لبيان «أوتشا»، فإن عدد النازحين في اليمن وصل إلى 2.2 مليون، بعد مسح الأمم المتحدة لـ90 في المائة من المناطق، وبلغ عدد العائدين لليمن ما يقارب 1.1 مليون شخص.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن عدد الأطفال الذين قتلوا منذ بداية العمليات العسكرية على اليمن حتى الآن وصل إلى نحو 1400 طفل، وإصابة أكثر من 2140 بجروح، وطالبت المنظمة بحماية الأطفال ووقف الهجمات على البنية التحتية بما فيها المدارس، وأشارت إلى أن عدد الأطفال القتلى «قد يكون في الحقيقة أكبر بكثير».
في حين كشف تقرير حديث لمركز الدراسات والإعلام التربوي (منظمة مستقلة) عن أن ما لا يقل عن ثلاثة ملايين طفل حُرِموا من مواصلة التعليم في العام الدراسي 2016 - 2017 بسبب إغلاق المدارس والتدمير الذي تعرضت له المئات منها، بالإضافة إلى تحويل المئات منها إلى ثكنات عسكرية ومراكز إيواء لاجئين وفارين من الحرب، فضلاً عن المخاطر الأمنية التي تتهدد الأطفال.
* ليبيا
في ليبيا أيضاً الوضع كارثي، بالنسبة للمنتسبين إلى عدد من المراحل التعليمية، وتظهر المشكلة من المراحل الابتدائية وحتى الجامعية، فوفقاً لتقرير نشرته أخيراً منصة «الفنار» الإعلامية المتخصصة في شؤون التعليم العالي «يوجد في ليبيا حالياً، أكثر من 16 جامعة من بينها 12 جامعة حكومية»، بحسب مصادر في وزارة التعليم. لكن الدمار أصاب عدداً منها تحديداً في مدينة بنغازي، «حيث دمر أحد مباني كلية الآداب في الجامعة وتوقفت الدراسة في الكليات الجامعية الأخرى وتحولت إلى ساحة قتال».
* السودان
قدمت المبادرة العالمية للأطفال خارج المدرسة التي بدأتها «اليونيسيف» ومعهد «اليونيسكو» للإحصاء في عام 2010 إحصائيات موحدة ومبتكرة، ربطت فيها البيانات الكمية مع المعوقات الاجتماعية والثقافية التي أدت لاستبعاد الأطفال عن المدرسة. وأوضحت إحصاءات عام 2014 أن هناك أكثر من 3 ملايين طفل تتراوح أعمارهم ما بين 5 و13 سنة خارج المدرسة.
وأشارت الإحصائية إلى أن الاستبعاد من المدرسة يسود في المناطق الريفية أكثر من غيرها وبالأخص بين الفئات المحرومة، مثل: الرحل والسكان المتضررين من الحرب والنازحين داخلياً. في السودان يلعب الفقر دوراً كبيراً في حرمان الأطفال من الدراسة، إذ إن ثلث الأطفال الموجودين حاليا بالمدارس الابتدائية معرضون لخطر التسرب من المدرسة قبل وصولهم للمرحلة الخيرة من التعليم الابتدائي. كما أن عدم كفاية التمويل وتنفيذ سياسات التعليم وعدم التوزيع العادل للموارد يساهم بشكل مباشر في التفاوت بين الولايات السودانية، وتظهر المشكلة جلية في ولايات دارفور وجنوب كردفان.
* فلسطين
أما الحال في فلسطين، فهو مأساوي، حيث يتعرض عد كبير من الأطفال للاعتقال أو القتل أثناء توجههم إلى مدارسهم، ووفقاً لمعطيات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية هناك نحو 10 آلاف طفل فلسطيني غير مسجلين في بطاقات هويات والديهم، مما يحرم ما نسبته 23.6 مائة من الأطفال من الحق في التعليم وتلقي الرعاية الصحية.
كما تشير منظمة «أوتشا» في بيان لها عام 2016 إلى أن النزاع طويل الأمد والاحتلال الإسرائيلي أديا إلى عرقلة الوصول إلى التعليم في الأرض الفلسطينية المحتلة. ففي الضفة الغربية، أدى احتجاز الأطفال، والعمليات العسكرية والحوادث المتعلقة بالمستوطنين، والنقص في البنية التحتية المادية الناتج عن القيود على البناء في المنطقة «ج» والقدس الشرقية، والقيود المفروضة على الحركة مثل الحواجز والجدار إلى تقويض فرص الوصول إلى التعليم.
وفي قطاع غزة، أدت النزاعات المسلحة وما ينتج عنها من أضرار وتدمير للمنشآت، إلى جانب الحصار الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني الداخلي، إلى تعطيل الوصول إلى الخدمات بشكل كبير، بما في ذلك القدرة على تأدية الأنشطة التعليمية بانتظام.
* تونس
ويشير التقرير القطري لحالة التعليم الخاص بـ«اليونيسيف» إلى أن الالتحاق بالتعليم قبل المدرسي يعتبر بتونس مشكلة لنحو طفل واحد من بين كل ثلاثة أو أربعة أطفال. بالإضافة إلى ذلك لا توجد مساواة في إمكانية الوصول إلى التعليم قبل المدرسي. كما تظهر هذا الأرقام ظهور حالات التسرب في المرحلة الإعدادية، وهو أعلى بمرتين منه في المرحلة الابتدائية، أي أن احتمالية التسرّب تزداد بزيادة العمر، وأنّ معدلات الانقطاع والتسرّب من المدرسة تعتبر مرتفعة نسبيا لدى التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع مراحل التعليم، ومن الذين يعيشون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية متدنية.
* مصر
يكشف إصدار «الأطفال في مصر 2016»، وهو تقرير سنوي مشترك، بين «اليونيسيف» والجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، عن إحصاءات أساسية ومهمة للغاية عن وضع الأطفال في مصر وأهم المشكلات التي تواجههم، ومن أبرزها: أن نحو 1.10 مليون طفل يعانون من الفقر متعدد الأبعاد، ونحو 4.1 مليون طفل بين سن ستة وسبعة عشر عاما خارج نظام التعليم. كما توجد تحديات أخرى في مؤشرات سوء التغذية لدى الأطفال، والزواج المبكر للفتيات دون الـ18 عاماً.
وحول نتائج التقرير، تقول د. إيناس حجازي، مسؤولة قطاع التعليم بـ«يونيسيف مصر» لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما تبرز الأرقام نسباً تقديرية وتقريبية وفقاً للبيانات المتاحة التي يمكن للباحثين الحصول عليها في ظل صعوبة الحصول على المعلومات في العالم العربي، وهناك شق آخر يجب وضعه في الاعتبار وهو أن الأرقام لا تتعلق فقط بمن حرموا من التعليم، بل بمن تسربوا منه أيضاً».
وتلفت الانتباه إلى أن «هناك عدداً كبيراً من الأطفال الذين تكون أسماؤهم مسجلة في مراحل تعليمية لكنهم في الواقع متسربون وغير ملتزمين بالذهاب للمدارس، وهي مشكلة خطيرة تهدد المناطق الريفية وصعيد مصر».
* تعطيل لعملية تنمية العالم العربي
من أخطر المشكلات التي تهدد العالم العربي هو الزيادة المطردة في أعداد المحرومين من مقاعد الدراسة، سواء في بلدانهم أو البلدان المضيفة. وحول مدى تأثيرها على عملية التنمية في العالم العربي، يعلق الباحث المغربي، د. حوسى أزارو، المتخصص في علم الاجتماع، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»: «إن تزايد أعداد المحرومين من الولوج للمدرسة وتلقي المعارف والعلوم، والتخلي عن اكتساب المهارات وصقلها، والتوقف عن تنمية الذكاءات المتعددة وتوليدها وتطويرها، سيفضي لا محالة إلى هدر الكينونة البشرية للإنسان العربي ولطاقاته أفرادا وجماعات وشعوب، بل سيفوت على الجميع كل الإمكانيات الكفيلة بمواكبة التحديات والانخراط في صناعة التاريخ».
وأضاف: «لا أحد من الفاعلين اليوم في مختلف الحقول العلمية والمعرفية والسياسية والتربوية يمكنه أن يتغافل عن حقيقة العلاقة الجدلية بين التكوين المدرسي وتربية النشء والتنمية المستدامة في مختلف المجالات، لأن الرهان هو رهان أخلاقي وتربوي بالدرجة الأولى، يمس تكوين الإنسان الفرد والجماعة على حد سواء، لذا فإن أي تزايد في أعداد المحرومين بسبب الحروب أو الفقر أو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا بد أن يزيد من وطأة مشكلاتنا المجتمعية وحدتها، ويضاعف من تحدياتنا مستقبلاً. وإن كنت أعتقد أن الأهداف العالمية المرصودة للسنوات المقبلة في حدود 2030 لا تعدّ سوى الحد الأدنى لما يمكن أن نواجهه في المقبل من الأعوام، وما يمكن أن نبلغه من مستويات اقتصادية، اجتماعية، ثقافية معرفية وحضارية».
ويؤكد أزارو: «كل حرمان من التعليم والتعلم سيكون بالضرورة هدراً لقوة المجتمع وتهديداً للدولة، لأن حشوداً من الأميين والبسطاء سيكونون عالة على الوطن وبدل أن يتم تأهيلهم ليستعين بهم على نوائب الدهر يتحولون إلى عبء تهدر بسببه كل الإمكانات، فيصاب الاقتصاد بالانكماش، والمجتمع بالتخلف، والناس بالبلادة. حيث سيكتفي هؤلاء بحياة قطيعية وحشدية، فيكون أعز ما يطلب لديها هو استهلاك منتجات باقي الشعوب بنوع من الغباء والسلبية فتذهب فطنتهم وتتهاوى فطرتهم».
أرسل تعليقك