كشفت دراسة إعلاميَّة حديثة عن تعدد وتنوع الانتهاكات التي تعرضت لها أخلاقيات الممارسة المهنية في الصحافة الإلكترونيَّة الفلسطينية، مع تفاوت في عدد تلك الانتهاكات من صحيفة إلى أخرى، وفقاً لـ"السياسة التحريرية".
وبينت دراسة "الدكتوراة" للصحافي من قطاع غزة حسن دوحان، أن الانقسام الفلسطيني لعب دورًاً أساسيًاً ورئيسًاً في ارتفاع عدد الانتهاكات لأخلاقيات المهنة في صحف الدراسة التابعة لحركتي "فتح" و"حماس".
وذكرت الدراسة أن معظم الانتهاكات التي تتعلق بالقذف والتشهير والآداب العامة والذوق العام تركزت في خدمة التعليقات، لذلك نجدها مرتفعة في الصحف الإلكترونيَّة التي تتيح خدمة التعليقات .
واكدت الدراسة أن صحف الدراسة الإلكترونيَّة اشتركت في انتهاكها لمبادئ مصادر الأخبار، واستخدام مصطلحات الانقسام وفقاً لتوجهاتها السياسية بحسب الدراستين التحليلية والميدانية، وأضافت "رغم اتفاق القائمين بالاتصال على المعايير الأخلاقية الواجب اتباعها في صحف الدراسة الإلكترونيَّة، إلا أن تلك المعايير جاءت الأكثر انتهاكًا وفقاً للدراسة التحليلية وخصوصًا مبدأ احترام الكرامة الإنسانية".
وتابعت "لعبت حالة الاستقطاب الحادة في ظل الانقسام الفلسطيني دورًا ملحوظًا في تأثر الصحافيين بها، ولذلك يعملون وفق قناعاتهم الشخصية أولاً لعدم الالتزام بأخلاقيات الممارسة المهنية في نشر أخبار الطرف الآخر، وساهمت السياسة التحريرية وتوجيهات المسؤولين عن الصحف الإلكترونيَّة في تعزيز عدم الالتزام بأخلاقيات الممارسة المهنية".
وقالت الدراسة العلمية إن أعداد خدمة الردود والتعليقات والوسائط المتعددة التي تقدمها عدد من صحف الدراسة الإلكترونيَّة جاءت ما يزيد عن ضعف عدد المواد الإخبارية في صحف الدراسة الإلكترونيَّة، فقد بلغت أعداد الردود والتعليقات 537419، بينما بلغت أعداد المواد الإخبارية المجتمعية 259437.
وبينت الدراسة التحليلية أن انتهاك مبدأ احترام حق الشعوب في اختيار نظمها جاء في مقدمة مبادئ الأخلاقيات المرتبطة بالمسؤولية الإنسانية لوسائل الإعلام التي يتم انتهاكها في صحف الدراسة الإلكترونيَّة بنسبة 52.11%، فيما جاء مبدأ احترام سيادة الدول واستقلالها في المرتبة الخامسة بنسبة 3.31% من حيث الانتهاك من صحف الدراسة، وتركزت تلك الانتهاكات في صحف الدراسة الإلكترونيَّة ذات التوجهات السياسية التابعة لحركتي "فتح" و"حماس" إضافة إلى صحيفة "دنيا الوطن" المستقلة ذات الميول الليبرالية.
واتفقت الدراستان التحليلية والميدانية بأن الانتهاكات في الأخلاقيات المرتبطة بمسؤولية الصحافيين نحو مصادر المعلومات تشكل ظاهرة في صحف الدراسة الإلكترونيَّة لأسباب منها قلة عدد العاملين في تلك الصحف، وقلة العائد المادي الذي يتقاضاه العاملون، فقد بلغت نسبة الانتهاكات في صحف الدراسة 27.22% من إجمالي عدد المواد الإخبارية المنشورة خلال فترة الدراسة والبالغة 259437، وبمقارنة نتائج الدراستين الميدأنية والتحليلية نجد أن هناك توافقاً في الاعتماد على معلومات دوائر العلاقات العامة واستخدام المصادر المجهلة
واختلفت الدراستان التحليلية والميدانية بين الرؤية النظرية للقائمين بالاتصال والممارسة الفعلية في صحف الدراسة فيما يتعلق بمبادئ الأخلاقيات المرتبطة بمسؤولية وسائل الإعلام نحو المواطنين، فقد جاء عدد الانتهاكات في الأخلاقيات المرتبطة بمسؤولية وسائل الإعلام نحو المواطنين مرتفعة إذ بلغت 85030 بنسبة 10.7% فقط مقارنة بعدد المواد الإخبارية والعناصر التفاعلية المنشورة والتي بلغ عددها 796856 أنتهاكاً، وتركزت الانتهاكات في الصحف الإلكترونيَّة التي يوجد فيها خدمة التعليق على المواد المنشورة، وجاء انتهاك مبدأ احترام الكرامة الإنسانية للفرد (عدم السب والقذف) في مقدمة المبادئ التي يتم أنتهاكها بنسبة 49.86%، وجاء مبدأ احترام الآداب العامة في المرتبة الثأنية بنسبة 49.53% من حيث الانتهاك من صحف الدراسة، أما في الدراسة الميدانية فاحتل مبدأ "الابتعاد عن السب والقذف والتشهير" المرتبة الأولى من بين المعايير والضوابط الأخلاقية التي يفضل العاملون في الصحف الإلكترونيَّة الفلسطينية الالتزام بها في عملية النشر الصحفي وبوزن نسبي (100%).
واتفقت الدراستين التحليلية والميدانية على أن صحف الدراسة التابعة لطرفي الانقسام فتح وحماس أفرطت في استخدام مصطلحات الانقسام، وجاء استخدام مصطلحات الحكومة المقالة أو حكومة غزة أو حكومة هنية في مقدمة مبادئ المصطلحات المستخدمة في وصف الانقسام الفلسطيني واستخدمتها الصحف الإلكترونيَّة الغير محسوبة على حركة حماس، وجاءت مصطلحات أجهزة أو سلطة حماس المرتبة الثأنية بنسبة 21.1% ولم تستخدمها الصحف الإلكترونيَّة المحسوبة على حركة حماس وصحيفة دنيا الوطن.
واحتل غياب الحرية للعمل الصحفي المرتبة الأولى من بين الأسباب التي تجعل الصحافيين الالكترونيين لا يلتزمون بأخلاقيات المهنة، وهو ما يتوافق مع ارتفاع حجم الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الصحافية والتي اقتربت من 700 انتهاكاً منذ عام 2006م، وجاء الانقسام الفلسطيني في المرتبة الثانية وهو ما أدى إلى وجود اصطفاف حاد في صفوف المؤسسات الإعلاميَّة والصحفيين، ثم جاء عدم وجود قوانين وعدم وجود نقابة مهنية للعاملين في الصحافة الإلكترونيَّة في آخر المراتب.
واكدت الدراسة أن حالة الصراع والاستقطاب أوجدت نوعاً من عدم الانضباط وانعدام المسؤولية والمصداقية في الصحافة الإلكترونيَّة في الأراضي الفلسطينية وخصوصًا في ظل الأنقسام، ولعبت الصحف الإلكترونيَّة الإخبارية الفلسطينية دوراً ملموساً في تأجيج الصراع الفلسطيني الداخلي من خلال المقالات المناوئة والأخبار الملفقة وكيل الاتهامات المتبادلة وغير ذلك.
وأشارت الى تعرض المواقع والصحف الإلكترونيَّة في فلسطين للقرصنة من جانب (إسرائيل)، إضافة إلى تعرض العاملين فيها للمطاردات والملاحقات القضائية وغيرها.
ودعا الباحث دوحان إلى تفعيل أدوات التنظيم الذاتي مثل مواثيق الشرف ومدونات السلوك الصحفية واللوائح التنظيمية والتأديبية في إطار نقابة الصحافيين لتحديد أخلاقيات الممارسة الصحفية التي يجب الالتزام بها من قبل القائمين بالاتصال.
وشدد على ضرورة رفض أي محاولات لفرض قوانين جديدة تحد من حرية الصحافة، والعمل على إلغاء قانون النشر والمطبوعات الفلسطيني لسنة 1995.
وطالب بوضع ميثاق شرف يشمل وسائل الإعلام بما فيها وسائل الإعلام الجديد، ويكون بالتوافق بين الأطراف ومشاركتهم لضمان الالتزام به من قبل طرفي الانقسام الصحفي فتح وحماس، وكذلك وضع مدونات سلوكية خاصة ومعلنة بالمؤسسات الإعلاميَّة وخصوصً الصحف الإلكترونيَّة لضمأن النزاهة والشفافية، حتى يتم الرجوع إليها من قبل المواطنين والمتضررين كمدونات يجب الالتزام بها من فبل واضعيها.
ودعا دوحان إللى تحسين العائد المالي للعاملين في الصحف الإلكترونيَّة الفلسطينية، ووضع حد من قبل نقابة الصحفيين للمؤسسات الإعلاميَّة التي تعمل على استغلال الصحفيين الجدد وتشغيلهم بدون مقابل بحجة التدريب، ووضع حد أدنى للأجور لضمأن حياة كريمة للصحفيين مع إلزام المؤسسات الصحفية بتوقيع عقود عمل معهم وتوفير ضمأن صحي واجتماعي لهم.
وشدد دوحان على ضرورة توفير التدريب والتأهيل اللازمين من قبل المؤسسات الصحفية للخريجين أو العاملين الجدد خصوصا فيما يتعلق بكيفية الالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي عموما والعمل في الصحافة الإلكترونيَّة على وجه التحديد، وزيادة أعداد العاملين في الصحف الإلكترونيَّة ليكون هناك احتراف وتخصص، والابتعاد عن السرقات أو الاقتباس غير المهني من المواقع والصحف الإلكترونيَّة ووسائل الإعلام الأخرى.
وطالب بالتحقق من التعليقات التي يرسلها المتابعون للصحف الإلكترونيَّة قبل نشرها لتخفيض عدد الانتهاكات لأخلاقيات المهنة، وإثراء أخبار العلاقات العامة والتأكد منها قبل نشرها، وتقليل الاعتماد على الأخبار ذات المصادر المجهلة، وذكر مصادر الأخبار التي يتم النقل عنها تحقيقاً للأمأنة الصحفية.
وطالب بوضع مدونة سلوكية أخلاقية عامة تلتزم بها وسائل الإعلام الفلسطينية عموما، مع ضرورة وضع المؤسسات الإعلاميَّة مدونات أكثر تفصيلاً للعاملين فيها تلتزم بالمبادئ الأساسية التي تم وضعها في مدونة المبادئ السلوكية العامة.
أرسل تعليقك