كشف الصحافي الشاب لين تينهونغ، 29 عامًا، تخليه عن مهنة الصحافة بسبب السأم والملل، وتطوع تينهونج عام 2008 عندما وقع زلزال بقوة 7.9 على مقياس ريختر في مقاطعة سيتشوان بالذهاب إلى المقاطعة لتغطية الكارثة، وعلى مدار أسبوعين قدم تينهونج المزيد من القصص عن الحادث، وكان بينها قصة مؤثرة لزوجين حملا جثة ابنهما تشين لي، في سن المراهقة، إلى المنزل لدفنه بعد إخراجه من تحت أنقاض مدرسته المكونة من ستة طوابق.
ونجح تينهونغ في الفوز بتقدير رؤساءه من خلال هذه القصة المؤثرة، وتملق الكثير من الصحفيين في الصين، ولكن بعد 7 سنوات تخلى الصحفي عن المهنة ككل؛ معللًا ذلك بإصابته بالملل، ويعمل تينهونغ حاليًا في مجال العلاقات العامة في مركز World Profit Center في بكين، وعند سؤاله عن سبب تخليه عن الصحافة أوضح: "استيقظت في أحد الأيام وسألت نفسي هل من الممتع فعل نفس الشيء يوميًا"، وتحطمت معنويات المراسلين الأجانب في الصين بعد قرار طرد الصحفية الفرنسية أورسولا غوتي، في دسيمبر/ كانون الأول، إلا أن الصحفيين الصينيين يواجهون تحديات أكبر بكثير ما يجعل الكثير منهم يديرون ظهرهم للمهنة.
وأفاد خبير الصحافة الصينية من جامعة هونغ كونغ ديفيد باندورسكي، أن الصحفيين الشباب الموهوبين يجرون المهنة لاعتقادهم بأن ليس لها مستقبل، مضيفًا "لدينا صحفيين في الثلاثينات والأربعينات في أوج حياتهم المهنية ويتركون المهنة، وأصبح المزاج العام كئيب جدًا في الإعلام الصيني، إنها حقًا ضربة مزدوجة"، ما أدى إلى تصاعد سلطة الرئيس الصيني شي جين بينغ في أواخر عام 2012 .
ويقول الخبراء أن هناك عاملان أساسيان يقودان الصحفيين إلى ترك المهنة أحدم الوضع المالي للصحف التي تعاني للتكيف مع العصر الرقمي، وزيادة القيود المفروضة على ما ينشر في الصحف بواسطة الحزب الشيوعي الاستبدادي بواسطة الرئيس بينغ، ومنذ تولي الزعيم شي الرئاسة بدأت بكين هجوم شامل على حرية التعبير وسجن الصحفيين والمدونين والمحاميين المدافعين عن الحقوق المدنية مثل يو تشي تشيانغ الذي أدين مؤخرًا بسبب تغريدات ساخرة، وفي واحدة من أكثر الحالات شهرة تعرضت الصحفية غاو يو، 70 عامًا، للسجن لتسريب أسرار الدولة بعد أن مررت وثيقة داخلية للحزب الشيوعي إلى وسائل الإعلام الأجنبية، واعتقل صحفي الأعمال التجارية وانغ اكسيلو، وأجبر على تقديم اعتراف متلفز بكتابة قصة عن اضطراب سوق الأسهم العام الماضي، وتحتل الصين الترتيب 176 من بين 180 دولة بشأن حرية التعبير في تصنيف منظمة مراسلون بلاد حدود.
ونفى الصحفى لين أن تكون السياسة وراء قرار اعتزاله الصحافة، لكنه أشار إلى انخفاض القراءة وأثر الصحف الصينية، مضيفًا: "يعيش القراء في الوقت الحاضر داخل هواتفهم الذكية أو وي شات"، وتمثلت خيبة أمله كصحفي في الرقابة المفروضة على المشاركة في التدوين عام 2014 عندما هاجم تدمير جريدة Southern Weekly الليبرالية التي ألهمته أن يكون صحفيًا.
وأفاد لين: "على مدار هذه السنوات شاهدت أشخاص قتلوا وأصوات تم إسكاتها وبدأنا نعتاد على ذلك، وقدمنا العديد من التنازلات وفرضنا الرقابة على أنفسنا"، وعلى الرغم من تخلي لين عن الصحافة منذ أبريل/ نيسان 2014، لكنه أوضح أن من الممكن أن يكون للصحافة الجديرة بالاهتمام في الصين، موضحًا إن الأمر يشبه شخص لديه 10 أصابع يمنع من استخدام واحد ولكن لا يزال يمكنه استخدام التسعة المتبقية".
وبدى صحفيون شباب أخرون أقل تفاؤلًا حيث قال أحد الصحفيين لدى أحد وكالات الأنباء الرائدة: "أن تكون صحفيًا أصبح أمر ليس له أى معنى، في السنوات الأخيرة وصلت الحريات في هذه الصناعة إلى أدنى مستوياتها".
وكان يستطيع الصحفيون اختيار العناوين الخاصة بهم قبل عصر شى جين بينغ، ولكن الأن فرض على الصحف والمواقع نوع من الثناء الممل على القادة الشيوعيين في الصين، وأضاف أحد المحررين: "يجب أن يكون العنوان الرئيسي عن الرئيس والثاني عن رئيس الوزراء، وإذا قرأت جريدة واحدة فكأنك قرأتهم جميعًا".
وأوضح باندرسكي، مؤلف كتاب عن الصحافة الاستقصائية، أن تعصب إدارة شي جين تجاه التقارير الناقدة زاد في هذا الشهر، مضيفًا أن الصحافة الصينية عانت من فترة قمع من الحكومة لمدة ستة أشهر ظلت في صمت لكنها خرجت من هذه الفترة بنشر تحقيق قوي عن إحدى الفضائح، ولكن لم تعد هذ الأمثلة تظهر حاليًا، ولكننا أصبحنا نشهد المزيد من الصمت.
وبيّن باندرسكى أن "الشتاء تحول إلى العصر الجليدي من حيث وسائل الإعلام، وأصبح الأمر أكثر سوء بالنسبة للصحافة الاستقصائية منذ عام 2005، ولكن في عام 2012 تحت قيادة شي أصبح الوضع أسوء بكثير".
ولفت لين إلى أنه لا يشعر بأي ندم على قراره في اعتزال الصحافه، مضيفًاك "وسائل الإعلام الصينية تعد كارثة الآن حتى إذا بقى الصحفيين الموهوبين، ماذا في إمكانهم أن يفعلوا"، وأضاف أحد الحصفيين الذي رفض ذكر اسمه: "الحرية هي أهم شيء، ولكنها ليست موجودة لدينا في مجال الصحافة في الصين، لا يمكنك كتابة ما تريد أو مقابلة من تريد، وحتى لو قمت بذلك لا يمكنك نشره، ستشعر عند العمل في وسائل الإعلام الصينية وكأنك تضيع حياتك".
أرسل تعليقك