أكد عدد من المسؤولين في المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالأطفال على أهمية تمكين اللاجئين الأطفال والشباب من المشاركة في حماية أنفسهم، عبر تزويدهم بالمهارات اللازمة لتدريب نظرائهم في مخيمات اللجوء، والاستماع إلى آرائهم بشأن حاجاتهم اليومية والمستقبلية، وإشراكهم في الجهود والمبادرات التي تطلقها هذه المنظمات.
جاء ذلك أثناء الحلقة النقاشية التي أقيمت في مؤتمر "الاستثمار في المستقبل" لحماية الأطفال اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي استضافته إمارة الشارقة بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يومي 15 و16 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
وشارك في الجلسة التي أقيمت تحت عنوان "مشاركة الأطفال والمراهقين اللاجئين في حمايتهم الشخصية" كلٌ من مدير المناصرة الإقليمي لمنظمة إنقاذ الطفل في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا ميستي بسويل، ورئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل الدكتور معاذ شريف، ومنسق الاستجابة للطوارئ في "كويستسكوب الأردن" مايك نيكونتشك، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون البرلمانية في إدارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة لين فيثرستون، وأدارتها مستشارة قضايا الأطفال في المفوضية السامية للأمم المتحدة
لشؤون اللاجئين مونيكا ساندفيك نيلوند.
وشاهد المشاركون والحضور في بداية الجلسة فيلمًا قصيرًا عن شاب سوري لاجئ، في العشرين من عمره، تحدّث فيه عن جوانب من حياته ومعاناته بعد مغادرته وأسرته منزلهم في مدينة حمص، حيث اضطروا جميعًا إلى الإقامة في مخيم صغير، لا يوجد فيه أي وسائل للتسلية أو الترفيه، فأصبح هذا الشاب يعيش أيام الروتين والملل، وصار هاتفه الذكي عالمه الصغير، الذي يتواصل من خلاله مع أصدقائه الذين فرقتهم الحرب أيضًا، ووجَّه الشاب في نهاية الفيلم نداءً إلى "البشرية" بالتحرك من أجل إيقاف الحرب، كي تنتهي الظروف القاسية التي يمر فيها الشباب والأطفال في أماكن اللجوء، ويعودوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية من جديد.
وتحدثت يستي بسويل في كلمتها أثناء الجلسة عن تجربة منظمة "أنقذوا الأطفال" في العمل في مخيمات اللاجئين السوريين في سوريا ومصر ولبنان، قائلة "إنَّ المنظمة تسعى إلى مشاركة الأطفال والشباب وأفراد أسرهم والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية التي تعمل مع اللاجئين، في عملياتها من خلال الاستماع إلى آرائهم والتعرف على حاجاتهم بشأن كيفية حماية الأطفال والشباب.
وأشارت إلى أنَّهم يعملون على غرس قيم التعايش السلمي، وتقبل الرأي الآخر، في هؤلاء اللاجئين لتخليصهم من أسباب الكره والخلاف التي أفضت إلى الأزمة في بلدهم.
وأكدت بسويل أنَّ مبادرة "لا لضياع جيل" التي أطلقتها منظمات دولية عدة، ومن بينها "أنقذوا الأطفال"، بهدف حماية الأطفال المتضررين بسبب الأحداث في سوريا، تركز على ثلاثة جوانب أساسية لتعزيز الحماية المطلوبة وهي: زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس بين اللاجئين، وتوفير بيئة داعمة لهم في مختلف مواقع تواجدهم، وتوسيع الفرص المتاحة لهم بما يشمل بناء المهارات الحياتية والتدريب المهني، مضيفة أنَّ المبادرة تمكنت من تزويد الأطفال بالأمل اللازم لمساعدتهم على تجاوز الظروف السيئة التي مروا فيها.
وتناول الدكتور معاذ شريف التجربة التونسية في التعريف بحقوق الطفل، مركزًا في هذا الإطار على الجانب القانوني في ترسيخ احترام هذه الحقوق، وعلى دور وسائل الإعلام في نشرها والتركيز على الصورة الإيجابية للأطفال والشباب في تغطياتها.
وأكد أنَّ عدم انتشار ثقافة حقوق الطفل في بعض البلدان العربية، والنظر إليه باعتباره قاصرًا غير قادر على اتخاذ القرار، يسهم في حرمان الطفل من حقوقه، ويزيد من صعوبة إشراكه في الجهود التنموية لبلده.
وطالب شريف بضرورة تمكين الأطفال من المشاركة الفاعلة في قضايا مجتمعاتهم، مع الأخذ بآرائهم في المشاكل والقضايا التي تخصهم، إضافة إلى عدم تضخيم مسألة إثقال اللاجئين لموازنة الدول المستضيفة لهم، وأشار إلى أنَّ الحق في المشاركة هو الدرع لحماية الأطفال والشباب في البلاد العربية من مخاطر الضياع والأفكار السلبية، مضيفاً أنَّ الإعلام مطالب بتمكين الأطفال من التعبير عن رأيهم بحرية، في القضايا الخاصة بهم، كي يكونوا طرفًا فاعلًا في مسيرة البناء والتطور بمجتمعاتهم.
من ناحيته، استعرض مايك نيكونتشك بعض القصص التي صادفها أثناء معايشته للاجئين في الأردن، مؤكدًا أنَّ عبارة سمعها من أحد اللاجئين الشباب هناك، ساوى فيها بين "المتطرفين والأبطال"، شكّلت صدمة كبيرة له، وأكدت على أهمية حماية الأطفال والشباب في المخيمات من الأفكار المتطرفة والعنيفة التي ربما تصبح صفة شخصية لهم بعد 20 أو 30 عامًا، وهو ما يتطلب تحركًا جادًا وفاعلًا من قبل المنظمات الدولية لحماية الأطفال من هذه الأفكار، وتوفير وسائل الترفيه التي تشغلهم بما يفيدهم ويسهم في تطوير شخصياتهم.
ولفت نيكونتشك إلى ضرورة تأهيل الشباب اللاجئين على الإرشاد والتوجيه كي يكونوا شركاء للمنظمات العاملة في المخيمات، خصوصًا في ضوء ارتفاع أعداد اللاجئين وعدم قدرة الأفراد العاملين في هذه المنظمات على الوصول إلى جميع المقيمين في المخيمات، ما يتطلب تعاوناً من الشباب في هذا الأمر. مشيراً إلى منح الأطفال والشباب أدوارًا أكبر تساعد في سرعة تأهيلهم، وتوفير الحماية اللازمة لهم، لتخليصهم من التأثيرات السلبية للحرب.
واختتمت لين فيثرستون الجلسة بتجربة رائدة في المملكة المتحدة، تتمثل في إطلاق مبادرة "شباب من أجل التغيير" عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإشراكهم في تطوير وتحسين جوانب الحياة، حيث تلقت هذه المبادرة نحو 50 مليون مشاركة في أسبوعين، وهو رقم ضخم جدًا لم يكن من المتوقع الوصول إليه بهذه السرعة، ما يعكس قدرة الشباب على المساهمة في تطوير مجتمعاتهم، وإلهام قادة بلدانهم والمؤسسات العاملة فيها بالأفكار الإيجابية.
وأكدت فيثرستون أنَّ التعليم يمنح الأطفال فرصة الحصول على المعرفة الضرورية التي تساعدهم على بناء مستقبلهم، وتبعدهم عن الكراهية، مضيفة أنَّ آراء الأطفال والشباب مهمة لتطوير إستراتيجيات عمل المنظمات الدولية، ولذلك يجب أن تمنحهم هذه المنظمات فرصة استكشاف مواهبهم.
أرسل تعليقك