أكد مدير عام الأرشيف الوطني الدكتور عبد الله الريس أنَّه أولى اهتمامًا كبيرًا لأرشيف العمل الإنساني للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إذ عمل على توثيق جوانب كثيرة من هذا العمل في إصداراته العديدة، مشيرًا إلى أنَّ كتاب "زايد رجل بنا أمة" على سبيل المثال يستعرض العديد من المواقف الإنسانية للراحل منذ تسلمه مقاليد الحكم في أبوظبي ثم تأسيس دولة الاتحاد.
وأوضح أنَّ الراحل كان يتسم بالطابع الإنساني وكانت نظرته موجهة دائما إلى معاناة السكان والبشر عموما حيثما كانوا وذلك حينما تسلم أول تقرير شامل ومبشر عن الأوضاع المالية لأبوظبي بعد أيام من توليه الحكم في أبوظبي، أرسل موظفي القصر إلى المناطق الفقيرة من المدينة لدعوة الفئات الفقيرة من قاطنيها إلى مجلس الحاكم، وكانت هذه الدعوة سابقة إذ لم توجه من قبل إلى هذه الفئة من المجتمع التي كانت منقطعة تماما عن النخبة الحاكمة، مضيفًا: لما دخل المواطنون المجلس استقبلهم المغفور له ورحب بهم وقدم لكل واحد منهم مبلغا يوازي ما يحصله الواحد منهم في سنة كاملة كما أوصى كل منهم بأن ينفق ما أعطي بحكمة وحرص على عائلته.
ويورد الكتاب أنَّ الناس تقاطروا إلى المجلس بينما ظل موظفو القصر منتشرين في أرجاء المدينة بحثا عن المزيد من ذوي الحاجة وبعد ذلك امتدت يد الراحل إلى مناطق البدو، وهكذا زحف الآلاف إلى القصر لمدة أسبوع وكان كل واحد منهم يمر بالشيخ زايد ليتسلم هديته المالية ولم يعد أحد منهم من القصر خائبا وبلغ ما وزعه الشيخ زايد في تلك الفترة نحو 20 مليون دولار تقريبا.
وأضاف الدكتور الريس أنَّ إنشاء صندوق أبوظبي للتنمية الاقتصادية العربية جاء في إطار هذه المساعدات الإنسانية بهدف تمويل مشاريع التنمية في البلدان العربية المحتاجة وكان المؤسسة الإماراتية الرئيسية المعلن عنها لتقديم المساعدات، ثم في مرحلة تالية توسع عمل الصندوق متبنيا مشاريع في أفريقيا وآسيا بعد أن رفع الشيخ زايد رأس مال الصندوق ليصل إلى 4,4 مليار دولار وبذلك تمكن الصندوق من رفع وتيرة نشاطه، واشتمل على هبات وقروض ميسرة توزعت على أكثر من 50 مشروعا بين عامي 1974 و1975 منها 31 مشروعا في الوطن العربي و10 مشاريع في إفريقيا وتسعة في آسيا.
وأشار الدكتور الريس إلى أنَّ الشيخ زايد كان حريصا على حسن إدارة الصندوق والاهتمام بمشاريع البني التحتية التي من شأنها الارتقاء بحياة الإنسان وأنه كثيرا ما كان يلغي بعض الديون المترتبة شريطة عدم الإعلان عن ذلك، وبعد زيارة رسمية إلى السودان العام 1972 عبر المغفور له عن تعاطفه مع ذلك البلد وأهله ووجه بأن قدم صندوق أبوظبي الدعم والعون لتخفيف معاناة أبناء السودان من الحرب والجفاف عبر دعم مشاريعهم الزراعية ومشاريع البني التحتية ما أدى إلى إنعاش اقتصاد السودان.
وأكد مدير عام الأرشيف أنَّ الشيخ زايد لم يكن يأبه لاسم الدولة أو نوع أو معتقد الناس عند تقديم المساعدة لهم بل كان بكل بساطة ملتزما بتقديم العون بدلالة الدعم الذي قدمه إلى سيريلانكا حين طلبت حكومتها من الصندوق مساعدة مالية لتحديث عمليات صيد الأسماك التي يعتمد عليها قرابة 72 ألف نسمة.
وتابع أنَّ الشيخ زايد يعتقد ويؤمن أن الثروة التي تتمتع بها أبوظبي جعلت من واجبه تقديم المساعدة حيثما استطاع في الداخل والخارج وأنها رفعت من سمعة الإمارات في المجتمع الدولي وأنه كان رحمه الله يتعاطف كثيرا مع الناس العاديين في أوقات المحنة والمعاناة.
ويدلل على ذلك بأنَّ الراحل كان يدرك المعاناة التي كابدها الفلسطينيون فصار نصيرا لقضيتهم وقدم الكثير من المعونات لتمويل الإغاثة والإسعافات الطبية في المخيمات وكما انتشرت المدارس والمستشفيات التي تحمل اسمه والكثير سواها مما لا يحمل اسمه يعود الفضل في إنشائها إلى أياديه البيضاء.
ويصف الكتاب الشيخ زايد بأنه شديد التعاطف مع الناس العاديين الذي عانوا ويلات الحروب، لافتا إلى أن حسه الإنساني المرهف كان يتجلى عندما يعبر عن ألمه حيال معاناة الأطفال ولذلك يسارع إلى مداواة جراحهم وتخفيف آلامهم.
ففي العام 1973م على سبيل المثال أمر الراحل بنقل المساعدات إلى سورية ومصر دون إعلانها في وسائل الإعلام وهكذا تم نقل مئات الجرحى بالطائرات من سورية ولا سيما الأطفال إلى مستشفيات أبوظبي وإلى مستشفيات أوروبية ليحصلوا على العناية الطبية اللازمة.
وفي تسعينيات القرن الماضي وضع الشيخ زايد وحكومته ملايين الدولارات بتصرف الحكومة البوسنية وضخت الحكومة الإماراتية المساعدات المالية لإنعاش مشاريع الطوارئ الاجتماعية والمستشفيات في العاصمة سراييفو المحاصرة.
وعندما انتشر مرض الدودة الغينية في منتصف التسعينيات إلى مستوى الوباء في بلدان كباكستان والهند واليمن ومناطق واسعة جدا من إفريقيا لاسيما المناطق الصحراوية تبرع الشيخ زايد دعما للجهود التي تكافح وباء هذه الدودة التي تعرف أيضا باسم الأفعى النارية وبدأت مصادر المياه العذبة بالانتشار وهجر الناس المياه الموبوءة التي كانت سببا بانتشار المرض.
يورد الكتاب أنه حين تعرضت دولة الكويت الشقيقة للغزو وقفت الإمارات بقيادة الشيخ زايد إلى جانبها وساندتها بأشكال الدعم كافة ولاسيما الدعم الإنساني إذ أمر الشيخ زايد بعد تحريرها بإرسال الفرق الطبية إليها.
ووجه بشحن ما أمكن من مياه الشرب على وجه السرعة وبتحميل الشاحنات بالمولدات الكهربائية وتوزيعها على السكان والمقيمين في الكويت هذا فضلا عما قدمته الإمارات لضيوفها الكويتيين على أرضها.
ويورد الكتاب أن الصومال تلقت في مطلع تسعينيات القرن الماضي المساعدات ومواد الإغاثة من الإمارات لتوزعها على ذوي الحاجة أما في اليمن فقد كان الشيخ زايد أشبه بالأب الروحي وكانت يده البيضاء في هذا البلد حاضرة دوما.
ويشدد الشيخ زايد على ضرورة تقديم المساعدات والإغاثة إلى البلدان التي تتعرض للكوارث الطبيعية دون اعتبار للدين أو المعتقد وبغض النظر عن كونها حليفة للإمارات أم لا.
ولذلك لم تتقاعس الإمارات عن تقديم المساعدات الإنسانية ممثلة بآلاف الخيم وعشرات آلاف البطانيات والمصابيح وأطنان من حاجات الأطفال غذاء وملابس وأدوية إلى إيران إثر الزلزال العنيف الذي ضرب إقليم أردبيل عام 2003م وأدى إلى تشريد أربعين ألف نسمة.
وبحسب التقديرات فقد أنفقت الإمارات على المساعدات الخارجية بين عامي 1971 و1996 ما يزيد على 17,4 مليار دولار استفاد منها أكثر من 40 بلدا في ثلاث قارات.
ومن الصور الإنسانية التي سطرها الكتاب أن الشيخ زايد رحمه الله كان لا يطيق أن يرى إنسانا معاقا جسديا أو عقليا مقيدا بالعوائق الاجتماعية والتقليدية.. وفي أحد الأيام كان يقود سيارته على طريق المطار في أبوظبي وإذا به وسط زحمة مرور خانقة وكان الزحام مركزا حول أحد المباني فخرج من سيارته ليستكشف السبب.
أرسل تعليقك