القاهرة ـ محمد الدوي
انطلقت فعاليات الملتقى الثامن لحقوق الإنسان في مصر، والذي يُركز على عددٍ من القضايا المجتمعية ذات الأولوية والاهتمام المشترك بين قوى المجتمع المختلفة، الحكومية منها وغير الحكومية.ويناقش الملتقى، عددًا من القضايا المهمة منها: الحق في محاكمة عادلة ومنصفة في الظروف الراهنة، ففي سياق ما تمر به البلاد في الفترة الأخيرة من حالات عنف في محافظات مصر كافة، مما أدى إلى فرض حالة الطوارئ
وحظر التجوال, تتعرض المادة الرابعة عشر من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى انتهاكات، حيث تشهد مصر حالات عدة لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والذي يؤثر على ضمانات الشخص المكفولة له أمام قاضيه الطبيعي من جهة، وعلى اختصاصات المحاكم العامة من جهة أخرى، وكذلك يتناول تطوير التعليم ما قبل الجامعي، ويوضح من خلاله كيفية شغل التعليم مكانًا مركزيًا في مجال حقوق الإنسان، ويُعتبر أمرًا أساسياً لضمان ممارسة حقوق الإنسان الأخرى, حيث يُعزز التعليم القدرات الفردية للأشخاص، مما يضمن معرفته بحقوقه كافة، ومن ثَم المطالبة بها، بيد أن ملايين الأطفال والكبار لا يزالون محرومين من الفرص التعليمية الجيدة، ومن بين هؤلاء كثيرون لا يتمتعون بهذه الفرص نتيجة للفقر، مما يُكرِّس توسيع الفجوات الطبقية في المجتمع، ومن يحصلون عليها يستمرون في خط الفقر لازدواجية التعليم في مصر، فمن لديه الإمكانات يتمتع بجودة تعليم تؤهله لفرص عمل مناسبة، وكأن نظام التعليم يُكرِّس لتقسيم المجتمع بين غني وفقير واستمرار تلك الأوضاع مستقبلاً.
كما يتناول الملتقى، نظام عادل للأجور، فقد ناضل العمال على مدار السنوات الأخيرة كي يحصلون على قرار بحد أدني للدخل، يتناسب مع المستوى المعيشي المرتفع, ثم جاءت ثورة كانون الثاني/يناير لتُكلل تلك الجهود، حيث كانت مطالبها الأساسية هي (عيش, حرية, عدالة اجتماعية).
وقد أصدر مجلس الوزراء قرارًا في 18 أيلول/سبتمبر 2013، بتحديد حد أدنى للأجور في القطاع الحكومي مبلغ وقدره 1200 جنيه مصري، على أن يكون سريان هذا القرار بدءًا من كانون الثاني/يناير 2014, بيد أن هذا القرار على الرغم من أنه يُعتبر في جوهره انتصارًا لمطالبات سنين فائتة، إلا أنه قد لاقى بعض الانتقادات، لما به من ثغرات، من شأنها الإضرار بالعمال، فيما يناقش أيضًا عشوائيات القاهرة "القنبلة الموقوتة"، والتي تُعتبر من أهم المشاكل التي تواجه المجتمع المصري، ومن أهم أسباب ظهور تلك المشكلة هي : الزيادة السكانية, الهجرة غير المنظمة وغير المخططة من الريف إلى المدينة، وعدم قدرة الدولة على تخصيص استثمارات كافية لإنشاء وحدات سكنية كافية لمحدودي الدخل المهاجرين من المناطق الريفية، بالاضافة إلى قصور التشريعات والقوانين المنظمة لتقسيم الأراضي، وقد بدأ اهتمام الدولة بهذه المشكلة منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، لما ترتب على هذه المشكلة من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية على درجة كبيرة من الخطورة، منها التعدي على الأراضى الزراعية, وانتشار الجرائم والإرهاب، وما إلى ذلك من تهميش نسبة سكانية مهمة في مصر، ومن التداعيات الخطرة لذلك ازدياد شعورهم بالظلم وعدم الانتماء، مما يُنذر بعواقب وخيمة، وتُمثل القاهرة الكبرى بعشوائياتها المنتشرة حول المحافظات الثلاث، القنبلة الموقوتة التي تؤثر بشكل سلبي على مناحي الحياة المجتمعية في مصر.
ويبحث الملتقى أيضًا في سبل نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، حيث شهدت السنوات القليلة الأخيرة بعد ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، موجات من العنف المجتمعي وعدم قبول الآخر, مما يستلزم التأكيد على نشر ثقافة التسامح، وهو ما دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، بدعوتها إلى اعتبار يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر من العام، يومًا عالميًا للتسامح، وذلك بهدف تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب، وماهو الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب، فالموازنة بين حماية الأمن القومي وحماية الحقوق والحريات العامة هي التحدي الأكبر الذي يفرض ذاته علي المشروع الوطني، أثناء التصدي لخطر الإرهاب بوسائل قانونية، وتتحقق تلك الموازنة عن طريق ثلاثة ضوابط هي التعريف المنضبط للجريمة الإرهابية، وأن تكون الإجراءات الاستثنائية لمكافحة الجريمة الإرهابية محكومة بمبدأ اللزوم والتناسب، أي أن تكون لازمة للتصدي لخطر الجريمة ومتناسبة مع هذا الخطر غير مبالغ فيها، وثالثها أن تكون هذه الإجراءات بإذن مسبق من القضاء الطبيعي المستقل وتحت إشرافه.
ويستعرض الملتقى، التشريعات المقارنة في عددٍ من الدول، ومنها مصر فنرى أن تعديلات نصوص قانون العقوبات والإجراءات الجنائية المصري التي أُدخلت في العام ١٩٩٢ احتوت على أحكامٍ موضوعية وإجرائية للجريمة الإرهابية، هي من أكثر الأحكام تشددًا علي مستوى التشريعات العالمية، فهل لم تكن هذه الأحكام كافية لمواجهة الإرهاب في مصر في الفترة الأخيرة منذ صدورها، أم أن النظام السياسي في تلك الفترة لم يرغب في إنهاء حالة الطوارئ، وفي ظل ما تواجهه مصر من عمليات إرهابية تطالب عدد من القوى المجتمعية بضرورة إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب.
يحضر الملتقى الرئيس الشرفي للمجلس القومي لحقوق الإنسان الدكتور بطرس بطرس غالي، ورئيس المجلس محمد فائق، ونائب رئيس المجلس عبدالغفار شكر.
أرسل تعليقك