لندن ـ سليم كرم
لندن ـ سليم كرم
حذَّرَت وكالة استخبارات المملكة المتحدة "جي سي اتش كيو" مرارًا من تَخَوُّفها من خطورة النقاش العام لأنشطتها، لأن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى تحديات قانونية ضد برامجها الشاملة للمراقبة، أو الكشف عن وثائق داخلية سريَّة، قد يتم اتخاذ الأدلَّة المأخوذة من خلالها كوثائق مقبولة في المحاكمات الجنائيَّة. وتحوي المذكرات
التي كشف عنها الواشي الأميركي إدوارد سنودن، تفاصيل معركة طويلة خاضتها الوكالة لعدم اتخاذ الأدلة المأخوذة من خلال المراقبة كأدلة مقبولة ومسموح بها في المحاكمات الجنائية، وهي سياسة مدعومة من قبل الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة، لكن تغلب في النهاية رأي وكالة الاستخبارات في المملكة المتحدة. وتُظْهِر وثائق سنودن أنه كان من بين الأسباب الرئيسية للرفض رغبة وكالة الاستخبارات في تقليل احتمال التحديات التي يمكن أن تواجهها برامجها للمراقبة التي تمارسها على نطاق واسع، أكثر من خوفها من أيّ تهديد جوهريّ للأمن.
وتكشف الأوراق أيضًا أن:
• وكالة الاستخبارات البريطانية ضغطت بشراسة للحفاظ على سرية حقيقة أن شركات الاتصالات "تجاوزت بشكل كبير" ما كان مطلوبًا منهم قانونَا القيام به لمساعدة وكالات الاستخبارات على اعتراض ومراقبة الاتصالات، سواء في المملكة المتحدة أو في الخارج، وأنها كانت تخشى المساءلة القانونية في إطار حق الخصوصية في قانون حقوق الإنسان إذا ما ظهر دليل على ما تنتهجه من أساليب للمراقبة أمام المحكمة، كما قامت الاستخبارات البريطانية بمساعدة وزارة الداخلية في استقطاب الناس المتعاطفة للمساعدة في "التعامل مع الصحافة"، بما في ذلك ضابط المخابرات السابق اللورد كارلايل، الذي انتقد صحيفة "غارديان"، هذا الأسبوع، لتغطيتها لعمليات المراقبة من قِبل وكالة الاستخبارات البريطانية، ووكالة الأمن القومي الأميركي.
وآخر محاولة لجعل المعلومات التي تم جمعها من خلال برامج المراقبة أدلة مقبولة في المحاكم، اقترحتها حكومة حزب العمال الماضية العام 2009، ولكن تم احباط هذه المحاولة من قِبل وكالات الاستخبارات.
وكشفت مذكرة الإحاطة التي أعدتها وكالة الاستخبارات قبل فترة وجيزة من اتخاذ القرار أن أحد الأسباب التي ذكرتها الوكالة لقمع هذه المقترحات هي الخوف من أن مجرد الإشارة العابرة إلى ما تمارسه الاستخبارات من مراقبة على نطاق واسع يمكن أن تبدأ نقاشًا عامًا "ضارًا".
وأكدت المذكرة في إشارة الى قرار نشر تقارير بشأن المراقبة كدليل من دون تصنيف "قلقنا بشكل رئيسي هو أن أي إشارة لممارسات الوكالة يمكن أن تؤدي إلى نقاش عامّ ضارّ يؤدّي إلى تحديات قانونية ضد النظام الحالي".
وفي عملية تحديث لاحقة، بتاريخ أيار/ مايو 2012، تم الكشف عن المزيد من "مخاطر" جعل بيانات عمليات المراقبة مقبولة، بما في ذلك "الأضرار التي يمكن أن تلحق بعلاقات الشراكة إذا أُفرِج عن معلومات حسّاسة عن طريق الخطأ في جلسة علنية".
وأشاروا أيضًا إلى أن "حجم ما يتم من مراقبة واعتراض للاتصالات يمكن أن يؤدي لمساءلة قانونية في ظل المادة 8 (الحق في الخصوصية)".
وفي اشارة الى النقاش العام بشأن الأدلة المأخوذة من بيانات المراقبة توضح المذكرة "أن رئيس النيابات العامة السابق السير كين ماكدونالد، والمدعي العام السابق اللورد غولدسميث، ووزير الداخلية السابق ديفيد ديفيس جددوا دعوات سابقة لهم من أجل استخدام المعلومات المأخوذة من عمليات المراقبة كأدلة في المحاكمات.
وأعلنت "نحن نعمل بشكل وثيق مع وزارة الداخلية بشأن خططها للتعامل مع الصحافة عندما يتم نشر التقرير النهائي، على سبيل المثال، استقطاب ساسة مثل اللورد كارلايل، اللورد ستيفنز، السير ستيفن لاندر، سير سوينتون توماس)".
وكان من الأولويات القصوى لوكالة الاستخبارات حفظ سرية العلاقات التعاونية للوكالة مع شركات الاتصالات - بما في ذلك منحهم للوكالة إمكان الوصول إلى شبكات الاتصالات في الخارج.
وفي حزيران/ يونيو كشفت صحيفة "غارديان" وجود برنامج لمراقبة الانترنت. ويَستخدم البرنامج تقنية اعتراض كابلات الألياف البصرية التي تشكل العمود الفقري لشبكة الإنترنت للوصول إلى الكثير من البيانات الشخصية لمستخدمي الانترنت"، عمليات المراقبة تتم داخل المملكة المتحدة وفي الخارج، مع علم الشركات التي تمتلك كابلات ومحطات الهبوط.
ويتناقض ما تم كشفه عن التعاون الطوعي مع بعض شركات الاتصالات بشكل ملحوظ مع التصريحات التي أدلت بها شركات الاتصالات الكبيرة، والتي شددوا فيها على أنهم كانوا ببساطة يمتثلون لقانون البلدان التي يعملون فيها.
ولكن في الواقع، العديد من شركات الاتصالات تفعل أكثر من ذلك بكثير، كما هو مبيَّن في وثيقة سرية أُعِدت في العام 2009.
واعتبر تقرير وكالة الاستخبارات أن السماح باستخدام بيانات المراقبة كدليل يمكن أن يُلحق الضرر بالعلاقات مع "مقدمي خدمة الاتصالات".
ومراقبة وكالة الاستخبارات للإنترنت موضع مساءلة قانونية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بعد ان قامت ثلاث مجموعات لحقوق الانسان بإثارة هذا الامر في المحكمة قائلين إن "المراقبة من دون رادع" لشبكة الانترنت تشّكل تحديًا للحق في الخصوصية، على النحو المبيَّن في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وبرنامج مراقبة الانترنت والذي يعتمد ولو جزئيًا على الأقل، على التعاون الطوعي من شركات الاتصالات، يمكن أن يصبح عاملاً رئيسيًا في هذه الحالة، ويمكن أن يُشعِل من جديد الجدل الذي طال أمده بشأن السماح باستخدام المعلومات المأخوذة من خلال المراقبة كأدلة في المحكمة.
ويوضح التقرير انه كان من الضروري "الدخول في اتفاقات مع مقدمي خدمة الاتصالات في كل من المملكة المتحدة وعبر البحار لتمنح الاستخبارات في المملكة المتحدة تفويضًا قانونيًا مناسبًا، للاطلاع على الاتصالات التي تحملها لخارج المملكة المتحدة".
ولكن لم يتحدد الشركات في الخارج التي دخلت في علاقات تعاون تطوعية مع المملكة المتحدة، أو حتى البلدان التي تعمل فيها، على الرغم من ان الوثائق توضح ان برنامج المراقبة يعتمد على مواقع موجودة على تراب المملكة المتحدة وفي الخارج.
ولا توجد أي إشارة بشأن ما إذا كانت حكومات البلدان التي تم فيها عقد صفقات مع شركات الاتصالات على بينة بما تقوم به الاستخبارات البريطانية.
والأدلة على أن شركات الاتصالات والاستخبارات البريطانية منخرطون في عملية تجسس واسعة في الخارج يمكنها ان تغذي الخلاف الدبلوماسي الحالي الذي اشتعل هذا الأسبوع، بعد أن اتهمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وكالة الأمن القومي الاميركي برصد مكالماتها الهاتفية، وكذلك ما تم الكشف عنه لاحقًا من أن الوكالة تقوم بمراقبة اتصالات ما لايقل عن 35 آخرين من زعماء العالم.
وقد اتفق، الجمعة، كل من ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على قيادة الجهود الرامية إلى جعل وكالة الامن القومي الاميركي توقّع على مدونة قواعد جديدة للسلوك بشأن كيفية تنفيذها لعملياتها الاستخباراتية داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن حذر قادة الاتحاد الأوروبي من أن الكفاح الدولي ضد الإرهاب أصبح في خطر بسبب التصور بأن المراقبة الاميركية الشاملة باتت خارج نطاق السيطرة.
وكان الخوف من التداعيات الدبلوماسية أحد الأسباب الرئيسية لإصرار الاستخبارات البريطانية على أن تظل علاقاتها مع شركات الاتصالات خاصة وسرية.
وتحذر مذكرة الاستخبارات من أن شركات الاتصالات تخشى أن يتضرر اسمها التجاري على الصعيد الدولي، إذا ما انكشف حجم تعاونهم مع حكومة المملكة المتحدة.
وتوضح "أنه إذا تمت الموافقة على قبول المعلومات المأخوذة من عمليات المراقبة كدليل في المحاكم البريطانية فإن العديد من تلك الشركات ستسحب دعمها التطوعي".
وأكد التقرير أنه في حين أن الشركات تتجاوز ما يُطلب منها القيام به بموجب قانون المملكة المتحدة، الا أنه لم يُطلب منها أن تنتهك تلك القوانين.
أرسل تعليقك