واشنطن ـ يوسف مكي
أكّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الجمعة، أن المحادثات مع نظيره الروسي سسيرغي لافروف عن إقامة مؤتمر سلام بشأن سورية سيتم استكمالها في نيويورك في وقت لاحق من هذا الشهر، لكنه قال إن آفاق محادثات السلام ستعتمد بشكل كبير على نتائج الجهود المبذولة لوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية، كجزء من خطة للقضاء عليها.وتحدّث كيري بعد اجتماع، صباح الجمعة، في قصر الأمم، مكتب الأمم المتحدة في جينيف، مع وزير الخارجية
الروسي سيرغي لافروف، ومبعوث الأمم المتحدة بشأن قضية سورية الأخضر الإبراهيمي.وقال كيري "إن الرئيس أوباما ملتزم التزامًا عميقًا بإيجاد حلّ عن طريق التفاوض في ما يتعلق بسورية".وأضاف كيري في مؤتمر صحافي مشترك أن الدبلوماسيين الثلاثة سيواصلون مناقشاتهم في 28 أيلول/ سبتمبر في نيويورك.
وأردف كيري بشأن الاسلحة الكيميائية: "لقد وافقنا على الالتقاء مرة أخرى في نيويورك في وقت قريب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل أن نرى إمكان إيجاد موعد لهذا المؤتمر، والذي سيعتمد بشكل كبير على القدرة على النجاح هنا في الأيام المقبلة"، ولم يتضح ما إذا كانت اجتماعات جنيف من شأنها أن تُختتم الجمعة، أو ستستمر إلى السبت.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية بعد فترة وجيزة من حديث كيري أنه سيتم أيضًا السفر إلى القدس، الأحد، للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
والتقى كيري أخيرا في لندن برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكان هدف اللقاء في إسرائيل هو مناقشة محادثات السلام في الشرق الأوسط.
لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية جين بساكي قال "إن الاجتماع مع نتنياهو يركز أيضًا على التطورات في سورية".
وجادل كيري بقوة في الأسابيع الأخيرة بشأن ضرورة تنفيذ ضربة عسكرية في سورية بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية في 21 آب/ أغسطس بالقرب من دمشق، لتعزيز رسالة إلى إيران بأن إدارة أوباما لن تسمح للإيرانيين بتطوير جهاز الرؤوس النووية، والإبقاء على الخيار العسكري كحل أخير.
وأثار قرار أوباما بتأجيل الضربة العسكرية قلقًا في اسرائيل بشأن مصداقية السياسة الأميركية تجاه إيران، والتي بدأت تتآكل.
ولم يكن كيري الوحيد الذي تحدث علنًا، الجمعة، عن إمكان عقد محادثات سلام بشأن سورية.
وأشاد لافروف بجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناع الرئيس بشار الأسد بانضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائي، وشدد على ضرورة استئناف محادثات السلام في جنيف .
وقال لافروف إنه "من المؤسف جدًا أن وثيقة جنيف تم إهمالها منذ وقت طويل"، في إشارة إلى وثيقة 2012 التي حددت الشروط الأساسية لمحادثات السلام .
وعلى الرغم من الواجهة العامة للوحدة، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة وروسيا منقسمتان بشدة بشأن كيفية تنظيم التسوية السياسية، ومن الذي ينبغي أن يحضر مؤتمر السلام.
وبعد أن حلّقت طائرة كيري إلى موسكو، واقترح عقد مؤتمر للسلام في شهر مايو/ أيار أرادت روسيا أن تضم إيران، وهي حليف للكرملين، ومُورِّدة الأسلحة لحكومة الأسد.
وعارضت الولايات المتحدة وجود إيران، وطالبت بدلاً من ذلك بضم "لندن 11" وهي مجموعة من الدول الأوروبية والعربية التي تدعم المقاومة السورية، ولكن ذلك قوبل بالرفض من قبل موسكو.
وكانت آخر المشكلات المحتملة هو عدم الموافقة على حضور المعارضة السورية. ويشعر زعماء المتمردين السوريين بالمرارة بسبب قرار أوباما بشأن تأجيل الضربة العسكرية المحتملة لحكومة لأسد، ومناقشة خطة نزع السلاح مع الروس.
وفي بيان صدر أخيرًا، رفض رئيس الجناح العسكري للمعارضة السورية الجنرال سالم إدريس المبادرة الروسية، وقال إن السوريين الذين نفذوا الهجوم الكيميائي يوم 21 آب/ أغسطس بالقرب من دمشق، والتي تسبّبت في الأزمة الحالية، يجب أن يعاقبوا.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية إن كيري تحدث، الخميس، مع اللواء إدريس ورئيس المعارضة السورية أحمد الجربا، في محاولة لاحتواء مخاوفهم، وسعي لطمأنتهم بأن الخيار العسكري لا يزال على الطاولة، لكن يبقى أن نرى ما إذا نجح كيري في تهدئة مخاوف المعارضة.
واستأنف كيري ولافروف المحادثات الثنائية بشأن كيفية السيطرة والقضاء على ترسانة سورية من الأسلحة الكيميائية، وقال كيري "إن المحادثات التي أجراها مع لافروف، الخميس، كانت "بناءة".
ولم يكن هناك أي وسيلة لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة وروسيا حققتا تقدمًا كبيرًا، على حسب ما وصفه كيري في السابق بالمهمة "الصعبة للغاية"، وهي وضع خطة ذات مصداقية لتأمين وتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية في سورية.
وفي روسيا، واصل بوتين دوره كصانع سلام، مؤكدًا أن إعلان سورية نواياها للانضمام إلى المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية كان خطوة مهمة من شأنها أن تؤدي إلى حل سلمي للأزمة.
وقال بوتين في العاصمة القرغيزية بيشكيك: "أعتقد أنه ينبغي لنا أن نرحب بهذا القرار من قبل القيادة السورية، وأودّ أن أعرب عن أملي في أن تكون هذه خطوة خطيرة جدًا على الطريق نحو إيجاد حل للأزمة السورية، وهذا يؤكد نوايا جادّة من شركائنا السوريين للسير في هذا الاتجاه".
وتحدّث بوتين في اجتماع "منظمة شنغهاي للتعاون"، حيث أعرب قادة آخرون عن أشكال الدعم للجهود الدبلوماسية الروسية، التي كانت تهدف إلى تجنب ضربة انتقامية تقودها الولايات المتحدة، في أعقاب الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية في هجوم بالقرب من دمشق الشهر الماضي .
والمنظمة عبارة عن تحالف سياسي واقتصادي يضم روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان.
وقال بوتين انه اتفق مع نظرائه على أن أي تدخل عسكري، هو أمر"غير مقبول من دون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "، حيث يصبح لروسيا والصين حق استخدام النقض "الفيتو".
وعلى الرغم من محاولة بوتين إلا أن المسؤولين الأميركيين ما زالوا متشكِّكين في أن الأسد سوف يتخذ خطوات ملموسة في المستقبل القريب لوضع ترسانته تحت رقابة دولية، والموافقة على ترتيبات للتخلص من ذلك.
وفى وقت سابق، الجمعة، أعلن الأسد أن بلاده قدمت طلبًا رسميًا للانضمام الى معاهدة الأسلحة الكيميائية.
ووفقًا لشروط المعاهدة سيكون على سورية تقديم إعلان مفصّل عن أنواع وكميات ومواقع جميع أسلحتها الكيميائية والمرافق التي تنتجها في غضون 60 يومًا من الانضمام رسميا الاتفاق.
لكن كيري قال إن الإجراءات العادية بعيدة وبطيئة جدًا لأن الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.
وأضاف: "ليس هناك شيء تقليديّ عن هذه العملية بسبب الطريقة التي تصرفت بها الحكومة، لذلك وببساط كلام الرئيس السوري بالنسبة إلينا ليس كافيًا"، وأشارت متحدثة باسم بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إلى نقطة مماثلة في بيان.
وأكد كيري أن "التهديد الحقيقي بالقوة العسكرية هو ما دفع الأسد إلى الأعتراف بأن بلاده تمتلك الأسلحة الكيميائية في المقام الأول، وهناك حاجة إلى الخيار العسكري لضمان أن الأسد سيفي بوعوده".
وفي نهاية ظهورهما، بدا لافروف متفاجئًا بطول ونبرة خطاب كيري، وقال لافروف: "أنا لست مستعدًا لبيان سياسي موسع، وأرى أن الدبلوماسية تحب الصمت".
وأشار كيري أنه لم يسمع بعض تصريحات لافروف، التي تم ترجمتها، وطلب من المترجم تكرارها.
والتقى كيري ولافروف في الفندق ذاته في جنيف، حيث التقى وزير الدولة في ذلك الوقت هيلاري رودهام كلينتون، وقدمت للافروف الزر الأحمر "الإعادة" في العام 2009، لترمز لجهود إدارة أوباما لتحسين العلاقات مع موسكو، وهي محاولة أُحبِطت إلى حد كبير منذ استمرار فلاديمير بوتين بصفته رئيسًا لروسيا.
ويقول مسؤولون اميركيون إنهم يأملون أن يعمل كيري ولافروف على خطة فعالة، لكنهم يشعرون بالقلق من أن تنجر الولايات المتحدة إلى محادثات مطوّلة من شأنها أن تكون بمثابة تكتيك لتأخير الضربة، و ربما منعها.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية والذي كان مسافرًا على متن طائرة كيري: "إنه اختبار لمدى استعداد روسيا وسورية قبول بداية سريعة للرقابة الدولية، وهو أمر من شأنه أن يحول دون استخدام حكومة الأسد الأسلحة الكيميائية".
ويُعتبر تنفيذ خطة للتحقق من الأسلحة، والسيطرة والتخلص من الأسلحة الكيميائية في سورية خلال الحرب الأهلية مهمة شاقة، وقال مسؤولون في إدارة أوباما إن مشكلة سورية مع الأسلحة الكيميائية نوقشت مع الروس لأكثر من عام، ولم يتحدث الجانبان عن ذلك بالتفصيل.
ويوجد قلق متزايد بشأن كيفية إجراء عمليات التفتيش بسلام في وسط الحرب الأهلية، للتأكد من أن حكومة الأسد لا تخفي بعض من مخزونها .
وقال المساعد الكبير في قضايا منع الانتشار النووي في مجلس الأمن القومي ، خلال ولاية الرئيس أوباما الأولى غاري سامور، إن حكومة الأسد ستكون مترددة في التخلي عن ترسانتها بالكامل، لأن قيمة الغاز السامّ تكمن في أنه سلاح رادع ضد إسرائيل، وسلاحًا لمهاجمة المتمردين في سورية.
وقال مدير مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد سامور: "ما قد يفعله الأسد هو إعلان جزئي للأسلحة الكيميائية، وهو على استعداد لوضع هذا الجزء تحت الرقابة الدولية، والحفاظ على جزء مهمّ في جيبه الخلفي".
أرسل تعليقك