واشنطن ـ عادل سلامة
تتصاعد الفوضى في الشرق الأوسط، فما زالت تواصل قوات الحكومة السورية في دمشق هجومها الشرس على المقاومة في حرب أهلية يقترب عدد ضحاياها من 100 ألف قتيل. وفي القاهرة ثورة عارمة جديدة تهدد من جديد رئيسًا مصريًا، وفي ظل تلك الأجواء وفي تل أبيب التي تنعم بالهدوء
يستغرق وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جولة محمومة من الدبلوماسية المكوكية في محاولة جديدة لاستئناف مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهي محاولات امتدت على مدى 3 عقود سابقة. وقد قال كيري في إلحاح، الأحد، إنه حقق "تقدمًا حقيقيًا".
هذا وقد قوبلت الجهود التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي الجديد، التي تعيد إلى الأذهان الجولات المكوكية التي كان يقوم بها أسلافهم مثل هنري كيسنغر وجيمس بيكر، بخليط من الأمل والتشكيك.
فيما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" تقول "إن جولة كيري المكوكية الأخيرة تثير علامات استفهام بشأن أولويات إدارة أوباما في وقت يشهد تجدد الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط التي لازالت تعاني من آثار ما بعد ثورات الربيع العربي".
وتضيف الصحيفة "إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي كان يوما ما مصدر الشكوى الأولى في العالم العربي، قد بات الآن تقريبا على هامش اهتمامات بلدان الشرق الأوسط المستغرقة في موجة من الصراع الطائفي والبؤس الاقتصادي بالإضافة إلى صراع الرئيس المصري المنتخب ديمقراطيًا ومن أجل الشرعية ضد الكثيرين من شعبه".
ويعلق الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الدولي للأزمات الدولية روبرت بليتشر، على جولات كيري المكوكية "إن هذا النوع من الدبلوماسية قد عفا عليه الزمن فهو يتعامل مع ممثلين سبق وأن لعبوا تلك الأدوار في هذا الفيلم من قبل، بسيناريو وحوار مكرر ولكن على مسرح للشرق الأوسط جديد ومختلف فالمنطقة قد تحولت تماما إلى مكان مختلف اليوم".
ولم يعد المسؤولون في الإدارة الأميركية يرددون كما كانوا في بداية عهد أوباما أن نهاية الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية هو مفتاح لتحسين وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إذ أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بات اليوم أزمة ضمن الكثير من الأزمات في المنطقة.
ومع ذلك فإن كيري بدعم من أوباما لايزال يعتقد بأن التعامل مع المشكلة الفلسطينية يستحق كل هذا المجهود المتمثل في 5 زيارات للمنطقة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وخلال الزيارة الأخرى أجرى محادثات استمرت ما يقرب من عشرين ساعة امتدت إلى الفجر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
ومن جانبهم يدافع مسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية عن هذا النهج بالقول "إن تركيز كيري ينطوي على قدر من العقلانية بسبب الفوضى المنتشرة في كل مكان. ففي الوقت الذي قل تأثير ونفوذ الولايات المتحدة على مصر وترددها الكبير في التدخل في الشأن السوري ، أصبح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمثابة الساحة التي يمكن للولايات المتحدة أن تمارس فيها نفوذها وقد تستطيع أن تسفر تلك المحاولة عن انفراجة والخروج بحل لهذا الصراع.
وفي السياق ذاته يقول المستشار السابق لأوباما دينس روس" إنه وعلى الرغم من أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يشهد الآن حالة من عدم الاستقرار إلا أن الخطر يكمن في احتمال تهاوي وانهيار السلطة الفلسطينية الأمر الذي سوف يترك فراغا وتتمثل خطورة فراغ السلطة حاليا في الشرق الأوسط فإن أن سده لن ببدائل طيبة".
و يضيف "إن إحياء عملية السلام تمثل أهمية كبرى وحيوية بالنسبة للأردن التي تعاني من موجات اللاجئين السوريين والتي يمكن أن تزداد معاناتها في ظل موجة جديدة من الاضطرابات الفلسطينية في الضفة الغربية".
ولم يعرف بعد ما إذا كانت الثورات العربية قد جعلت من إمكانية إبرام اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أقل صعوبة. يقول بعد المحللين أن عدم الاستقرار قد دفع بكل من نتنياهو وعباس إلى التطلع إلى حل خلافاتهم ، بينما يؤكد البعض الآخر على أن كلاهما يمكن أن يستخدم ذلك كشرط مسبق لتجنب اتخاذ قرارات صعبة يتطلبها اتفاق السلام.
كما يقول أحد كبار الدبلوماسيين الغربيين رفض ذكر اسمه "إنه يعتقد بأن كلا الطرفين ينظر إلى ما يحدث في المنطقة الآن ويقول لنفسه أنه أفضل حالا الآن من وضع نفسه في موقف يكونا فيه أكثر استقرار مع بعضهما البعض".
بينما بعض المحللين في إسرائيل يقولون "إن العكس هو الصحيح إذ أن الاضطرابات الحالية في المنطقة قد جعلت إسرائيل أكثر قلقا حول أمنها من المخاطرة بالتقدم في العملية السلمية ويقول سالاي ميريدور سفير إسرائيل الأسبق في الولايات المتحدة أن أغلب الإسرائيليين يصنفون سورية وإيران ومصر والأردن في مرتبة أكثر أهمية وأكثر إلحاحا من مرتبة الفلسطينيين".
وفي اليوم التالي لجولة محادثات أجراها كيري مع نتنياهو استمرت 13 ساعة على الصحف الإسرائيلية صور التظاهرات في مصر ولم تشر 6 صحف إسرائيلية كبرى إلى محادثات كيري في صفحتها الأولى.
ويضيف ميريدور "إنه إذا ما سألنا أفراد القيادة الفلسطينية والإسرائيلية عما إذا كانوا يعتقدون بقرب حل الصراع الآن في ضوء ما يحدث في المنطقة من تطورات فإن أغلبهم سيقولون بأن ذلك بعيد الاحتمال تماما".
وبالنسبة إلى لفلسطينيين فإن بعض المحللين يقولون بأن عباس يشعر بأنه غير حصين إزاء المفاوضات المطولة مع نتنياهو وخاصة دون شروط مسبقة. كما أن انشغال مصر سيترك السلطة الفلسطينية دون دعم سياسي مصير
ويقول الخبير في الشأن الفلسطيني "إن عباس سوف يقول أن الوصول إلى اتفاق يتطلب دعم عربي من السعودية ومصر وهذا ما قد لا يتحقق في ظل الفوضى والاضطرابات التي تشهدها المنطقة حاليا".
و تواصل صحيفة "نيويورك تايمز" "إنه وعلى الرغم من أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يكون بمثابة الحل السحري للمنطقة كما يعتقد البعض إلا أنه لايزال يتردد صداه سواء في جماهير ميدان التحرير أو على لسان مليشيات "حزب الله". وتقول استطلاع للرأي شمل 20 ألف فرد في 14 دولة عربية وأجراه المركز العربي لأبحاث والدراسات السياسية في العاصمة القطرية الدوحة، أن إسرائيل والولايات المتحدة يشكلان رأس التهديدات الأمنية".
و من جانبه أوضح كيرى أنه لن يتنازل عن سعيه لتحقيق السلام، ولكن محللين يقولون "إن ثقل الأزمة في مصر سيجبره هو وغيره من المسؤولين نحو تحويل الأنظار إلى القاهرة التي فشلت السياسة الأميركية كما يقول البعض في مواكبة الأحداث فيها.
و أخيرًا يعلق الخبير في الشأن المصري في مركز التقدم الأميركي "إن تركيز كيري على العملية السلمية أمر جيد ولكن الشيء الأهم والأكبر هو أن الإدارة الأميركية لم تسع لمراجعة إستراتيجية بشأن مصر".
أرسل تعليقك