لندن - سليم كرم
ترفرف أعلام تنظيم "القاعدة" على الميدان الرئيسي في مدينة الرقة السورية، كما يجوب شوارعها مقاتلون في زي أسود إما في شكل دوريات أو يتخذوا مواقعهم وراء السواتر الرملية.
ونشرت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية تحقيقًا تناولت فيه ما يحدث في مدينة الرقة، حيث يقوم المتطرفون الإسلاميون في المدينة بتحطيم أحد المحلات التي تبيع الخمور، وإلى اضطرار بعد المحال الأخرى إلى غلق أبوابها، وكذلك الكازينو الذي يقع
على أطراف المدينة.
كما جاء هؤلاء بأحد الشيوخ المتشددين من مصر ليخطب في الناس في صلاة الجمعة، وأنشؤوا كذلك محكمة شرعية في مركز ألعاب المدينة الجديد.
وفي إحدى الليالي قام عشرة من الرجال لأخذ كل من نغم ونور الرفاعي وهما اختان في سن المراهقة من عائلة ليبرالية، وكانتا بالمنزل وبصحبتهما يسرا عمران وهي صديقة للعائلة في سن 30 وابن عمهما البالغ من العمر 32 عامًا.
وتقول نغم وهي طالبة تدرس الهندسة المدنية وعمرها 19 سنة "جاء هؤلاء بأسلحتهم وهم يرتدون الأقنعة ويحملون معهم أصفادًا لتقييد الأيدي، وبدؤوا في تفتيش المكان وهم يتصايحون".
وكانوا يقولون لها "ضعي المزيد من الملابس على جسمك وغطي رأسك بالحجاب"، وكانت ترد بقولها إنها ترتدي القدر الكافي من ملابسها وإنها تضع على رأسها غطاء الرأس.
وقام مجموعة الرجال المسلحين باصطحاب الجميع إلى مركز الألعاب حيث المحكمة الشرعية، وقاموا باستجواب البنات بتهمة التواجد وحدهن في صحبة رجل.
وتقول نغم الرفاعي "أن الرجل الذي كان يستجوبهم كان وضيعًا للغاية، وكان يتحدث بطريقة فظيعة للغاية، كما لو كان مشمئزًا للتواجد معنا".
ويعروف عن مدينة الرقة أنها كانت مدينة محافظة ولكنها لم تكن يومًا ما متشددة، ولكن وعلى ما يبدو وكما تقول الصحيفة فإن انتصار جبهة "النصرة" في المدنية وهي الجبهة المرتبطة بتنظيم "القاعدة" بات مطلقًا.
ولم يكن معروفًا قبل عام تقريبًا الكثير عن جبهة "النصرة"، ويتردد أنها تشكلت على يد تنظيم "القاعدة" في العراق، وأن مكانتها في سورية تعاظمت، وهي تقود المقاومة السورية في تحقيق أكثر العمليات القتالية نجاحًا.
وأعلنت الجبهة خلال الشهر الماضي عن ولائها التام لزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري.
ولعل أبرز معالم القوة الجديدة التي اكتسبتها هو أنها استطاعت أن تغير من الحسابات الدولية في الصراع الدائر في سورية الآن، فقد اضطرت بريطانيا إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها الدبلوماسية.
وقام رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بطرح ذلك الأمر على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة الماضية، كما أنه بصدد مناقشته خلال الأسبوع المقبل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ويرى المسؤولون في حكومة ديفيد كاميرون ضرور هزيمة جبهة "النصرة" من خلال الدعم القوي والفعال للمقاومة السورية الأقل قوة، ويتضمن ذلك الدعم تزويدها بالسلاح.
وتقول الصحيفة إن العديد من مليشيات المقاومة المنافسة لجبهة النصرة تم تهميشها في الكثير من المدن السورية مثلما يحدث في مدينة الرقة شمال البلاد، وسوف تسعى بريطانيا، الثلاثاء المقبل، لوضع جبهة "النصرة" ضمن قائمة رسمية للعقوبات في الأمم المتحدة.
واستطاعت "القاعدة" بعد السيطرة على مدينة الرقة قبل شهرين تحقيق أكبر انقلاب في الحرب الأهلية السورية حتى الآن، فقد كانت الرقة هي أول عاصمة إقليمية تسقط بأكملها في أيدي المقاومة السورية، مما سمح لجبهة "النصرة" بأن تلعب دورًا قياديًا على مساحة واسعة شمال شرقي سورية وحتى الحدود مع العراق.
ويوجد الكثيرون الذين يرحبون بذلك، حيث يصف عبد الله محمد وهو رجل من قرية المنصورة القريبة جبهة "النصرة" بقوله "إنها ممتازة بالنسبة إلينا فقد استطاعت ان تتعامل معنا وفقًا للشريعة الإسلامية، ولهذا فنحن لا نرى أي مشاكل في التعامل مع أفرادها".
كما يقول الرجل الذي كان يعمل شرطيًا إنه في وضع يجعله قادرًا على معرفة الفرق بين الحياة في ظل تنظيم "القاعدة"، والحياة في ظل نظام الأسد، ويشير في ذلك إلى أنه كان مسجونًا في الفترة التي اندلعت فيها الثورة، وأنه دخل السجن بسبب قيامه بتغريم سيارة تخطت الإشارة الحمراء، ولكنه ولسوء حظه أن السيارة كان يقودها أحد المسؤولين في نظام الأسد.
وقال أيضًا إنه كان داخل زنزانة مع أربعة من الشيعة العلويين، وعندما اندلعت الثورة غادر حرس السجن للمشاركة في قمع الثورة وتحول المساجين الشيعة إلى حرس داخل السجن.
ويقول آخرون من سكان المدينة وخاصة أصحاب المحال التجارية أن الفساد الذي كان منتشرًا في عهد الأسد اختفى"، ويقول أحمد الهندي صاحب محل لبيع النظارات "أنا أحب جبهة النصرة إنهم أفضل من نظام السد بأي حال من الأحوال".
ويلعب المال دورًا كبيرًا في هذا السياق إذ إن جبهة "النصرة" دائًما ما يتوافر لها الدعم المالي مقارنة بغيرها من المليشيات، وذلك كما يفترض البعض بسبب دعم أثرياء الخليج. وهم الآن لديهم قدر هائل من الدخل وانهم قادرون على دفع رواتب، فهم يقومون بتزيد المخابز كافة المهمة من المطحن الرئيسي في المدينة، وقد قاموا بالسيطرة على البعض منها، وفي المساء تقوم تقف طوابير من النساء لشراء زادهم اليومي تحت رقابة وعيون حراس جبهة "النصرة".
كما يسيطر هؤلاء على حقول النفط في دير الزور ويقومون ببيع القدر الكافي من انتاجها إلى السوق المحلية من أجل مزيد من السيولة النقدية.
ومع ذلك فإن الأمور لا تسير بهذا القدر من السهولة في الرقة إذ انه لا يمكن لمليشيا وحدها أن تملك زمام الأمور ، ويسري ذلك ايضا على جبهة النصرة إذ أن الجميع يعتمد على تحالف مع جماعة أحرار الشام وهي جماعة أخرى إسلامية متشددة. ويتوجب عليهم جميعا أن يتعاملوا مع عدد كبير من الألوية ومع أيديولوجيات مختلفة ومتنوعة.
وتقول الصحيفة إن ديناميكية جبهة "النصرة" ونهضتها تواجه بتحدّ يتمثل في الحسد والخوف، الأمر الذي أسفر عن صدامات. فقد شهدت العشرة الأيام الأخيرة اغتيال اثنين من كبار المليشيات المنافسة وهو أبو عوض التابع للواء الفاروق وأبو الزين زعيم جماعة أحفاد الرسول. وكانت طريقة الاغتيال في الحادثين واحدة حيث قام ثلاثة من الرجال المقنعين في ملابس سوداء بملاحقة سيارة الضحية وإطلاق النار عليه.
ويعتبر البعض أنهم ربما كانوا من بقايا شبيحة الأسد إلا أن أعضاء مليشياتهم تشير إلى أن كليهما كان من مؤيدي الدولة المدنية وليس الدولة الدينية.
ويوم الثلاثاء الماضي تم اعتقال أبو ديب وهو من جماعة "أسود الإسلام" في أعقاب معركة مع جبهة "النصرة" وهي المعركة التي أصابت المدينة بشلل مؤقت. وهي الكثير من التفسيرات ولكن عبد الله خليل وهو رجل مدني يتولي قيادة المدنية يقول بأن المعركة كانت من أجل السيطرة على أكبر مخابز المدينة.
ويقول عمار أبو ياسر أحد قادة لواء الفاروق "بعد سقوط الأسد سوف تكون هناك ثورة ثانية ضد جبهة النصرة"، والمعروف أن لواء الفاروق كان أشهر ألوية الثورة السورية، حيث ينتشر من قاعدته في حمص وحتى شمال البلاد، حيث لا يزال يدير عمليات عبور عبر الحدود التركية بما في ذلك تل أبيض، إلا أنه فقد الكثير من نفوذه وسطوته على يد جبهة "النصرة".
ونجا قائد اللواء في تل أبيض أبو عزام من محاولة اغتيال عندما انفجرت قنبلة تحت سيارته.
ويقول أبو ياسر الذي كان قبل عامين يدرس الأدب العربي ولكنه تحول الآن إلى مقاتل ملتحٍ وعلى راسه عمامة سوداء "إن المشكلة تكمن في اختلاف الأيديولوجيات، كما أن هناك صراعًا بين الراية السوداء وبين علم وراية الثورة".
يذكر أن علم الثورة الأخضر في الأبيض والأسود ويتخلله ثلاث نجوم حمراء لا يزال يرفرف في مدينة الرقة ولكنه في مكان ثانوي.
ويضيف "ليس من الحكمة أن تقيم دولة إسلامية هنا، فهناك مسيحيون وعلويون ودروز يعيشون في هذا المكان، وهذا في حد ذاته سوف يمثل مشكلة كبرى".
ويواصل "إن جبهة النصرة لا تتمتع بالأمانة أو سمات الإسلام كما يبدو من مظهرها، حيث إنها قامت بنهب مصانع المدينة وقامت بتهريب سلع وبضائع تلك المصانع بما في ذلك ما يقرب من 200 طن من السكر إلى تركيا بهدف تحقيق ربح.
وباتت جبهة النصرة" منغلقة على نفسها في ظل تصاعد التوتر، لا سيما منذ إعلانها الولاء والطاعة لتنظيم "القاعدة"، وتأكد وضعها كجماعة إرهابية دولية. فلم تعد الجبهة تدلي بتصريحات أو تجري مقابلات تدافع بها عن نفسها المزاعم الموجهة إليها، كما أنها تحظر على أفرادها التحدث إلى صحافيين أجانب.
ويوجد بعض سكان المدينة الذين يحلمون بفكرة عودة لواء الفاروق وغيره من الجماعات إلى سابق عهدهم من القوة، وطرد جبهة النصرة ، ويؤكد هؤلاء على أن سورية لا يمكن أن تصبح دولة إسلامية راديكالية.
أما المسؤول في المدينة عمر الخليل فهو يعرب عن سعادته للتعاون مع جبهة "النصرة" لأنه يسعى لإقامة مدارس والحفاظ على ضخ المياه الجارية في المدنية.
ويقول أحد نشطاء حقوق الإنسان الذي عانوا من السجن على يد نظام الأسد إنه يستطيع أن يتسامح مع أصحاب الرايات السوداء الآن ولكنه يعتقد بأن المشروع الإسلامي المعتدل الحديث سوف ينتصر في النهاية، وهو يقصد بذلك الدولة المدنية مثل تلك التي تعيشها تركيا المجاورة، ولكنه عاد وقال أنه لا يمكن إخراج هؤلاء من سوريا ما لم يأت الغرب ويساعد في إقامة الدولة المدنية.
ويقول الرجل وهو من أتباع أبو ديب "إن هذا تحالف مع الشيطان وكان أولى بنا أن نتحالف مع أوباما، ولا أن نتحالف مع جبهة النصرة".
وتبدو جبهة "النصرة" من الوهلة الأولى وهي تحاول أن تمارس نشاطها بحرص وحذر، فهناك عدد قليل من النساء وإن كان واضحا لا يرتدي الحجاب أو غطاء الرأس فقد تبقت حفنة من العائلات المسيحية في المدنية ولم يغادروها، وعلى الرغم من أن الكنائس غير مفتوحة إلا أن أحد لم يمسها بسوء من أفراد جبهة "النصرة".
ولكن الجبهة ربما ارتكبت خطأ استراتيجيًا عندما أعلنت ولائها لتنظيم "القاعدة"، إذ إن ذلك لم يحدث صدمة كبيرة في الغرب حين أن الغرب كان يفترض وجود هذه العلاقة "القاعدة"، ولكنه أحدث صدمة لدي الكثيرين في سورية، الذي سبق وأن تسامحوا مع وجود جبهة "النصرة" في البلاد.
ودان الحليف الرئيس لها وهو جماعة "أحرار الشام"، هذا التصرف، وعلق على ذلك أبو عبد الله وهو مقاتل في "أحرار الشام" بقوله "إنه أشبه بالصاعقة لقد أصابني بالدهشة وهو أمر غير مقبول، إ ذ أن هدفنا الرئيسي هو تحرير سورية، ولا يعنينا غيرها من الدول، فنحن لا نرغب في القتال في العراق أو أي مكان آخر".
ثم جاء بعد ذلك اعتقال نغم الرفاعي ونور وابن عمهم وصديقتهم يسرا، ويقول محمد شويب وهو طالب ومؤسس جماعة حقنا للدفاع عن حقوق الإنسان "لقد كان ذلك بمثابة لحظة التبرم والسخط فقد أدى ذلك إلى قيام مظاهرة من 500 فرد توجهوا إلى المحكمة الشرعية في صباح اليوم التالي للاعتقال، إلا أن البنات كان قد تم الإفراج عنهن آنذاك.
وتقول نغم إنهم أبلغوها بضرورة ارتداء غطاء للرأس لأنها في طريقها إلى المحكمة الشرعية ولكنها رفضت. وتقول أنهن وقفن أمام المحكمة بدون ارتداء غطاء الرأس. وفي تلك الأثناء قام أحد القضاة واسمه محمد العمر بتلاوة لائحة الاتهامات الموجهة إليهن وقال إنكن متهمات بالتواجد وحدكن مع رجل فما قولكن؟ وتقول نغم إنها ردت عليه بقولها "إن هذا ليس من شأنهم". ورد القاضي قائلاً وأنا أوافق على ذلك، وعلى الفور تم إطلاق سراح البنات اللاتي تساءلن عن ماهية الرجال الذين قاموا بالقبض عليهن، ولكنهن لم يجدن جوابًا.
والسؤال الذ ي يطرح نفسه في ظل هذه الأحوال هو هل يمكن لبقية مدينة الرقة أن تنجو من مثل هذا الموقف بمثل هذه البساطة؟ وتقول نغم الرفاعي التي كانت تجلس الأسبوع الماضي مع والدها على أحد المقاهي "إنها على يقين من أن الأمور سوف تصبح أكثر صعوبة" يذكر أن والدها يعمل كناشط في مجال حقوق الإنسان. وتضيف نغم أن المشكلة تكمن في الناس بسبب نظام الأسد ولكنها تعلمت من والدها كما تقول أن تعبر عن رأيها ولا يمكن ان تكتمه.
أرسل تعليقك