غزة ـ محمد حبيب
أكد مسؤولون فلسطينيون، الإثنين، أن الأولوية بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ستكون تشكيل حكومة كفاءات انتقالية برئاسته، تعد لانتخابات رئاسية وتشريعية تُجرى بعد 90 يومًا، ولكن في غياب التوافق مع "حماس" على هذه الحكومة المنصوص عليها في إعلان الدوحة، فإن الرئيس لن يجد مناصًا من تكليف شخصية مستقلة بتشكيل حكومة جديدة، ريثما تكون "حماس" مستعدة لتطبيق الإعلان.
وقد ظهرت أسماء شخصيات عدة مرشحة لتشكيل الحكومة الجديدة، مع قبول عباس استقالة رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض، ومع ذلك فقد أكد مسؤول فلسطيني أن عباس، الذي غادر الأحد إلى عمّان في طريقه إلى الكويت في زيارة رسمية يفتتح خلالها سفارة فلسطين هناك، لم يتحدث فعليًا عن أي شخصية محتملة لتشكيل الحكومة الجديدة.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عزام الأحمد، "بموجب القانون فإن على الرئيس عباس خلال فترة الأسبوعين، منذ قبول الاستقالة، أن يُكلف شخصية بتشكيل حكومة، وحال صدور هذا التكليف، فإن أمام الشخصية المكلفة فترة 3 أسابيع يمكن تمديدها بأسبوعين لتشكيل الحكومة، أما في حال إخفاق هذه الشخصية في تشكيل الحكومة، فإنه يمكن للرئيس أن يكلف شخصية أخرى بتشكيل الحكومة، ولكن المدة الزمنية التي ستمنح لهذه الشخصية ستكون أسبوعين فقط، وهذا ما ينص عليه القانون الأساسي".
ومن المرتقب أن يبدأ محمود عباس المشاورات بشأن توجهه المقبل، إن كان في اتجاه تطبيق إعلان الدوحة بتشكيل حكومة انتقالية برئاسته، أو تكليف شخصية أخرى بتشكيل الحكومة، بعد اختتام زيارته الرسمية إلى الكويت، حيث أوضح عباس، مساء الأحد، استعداده الفوري لتشكيل حكومة انتقالية وفقًا للاتفاق مع حركة "حماس"، وإصدار مرسومين بتشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات بعد 3 أشهر من الإعلان عن تشكيل الحكومة، مشددًا على أنه في حال موافقة "حماس" التي وافقت على ذلك في القاهرة والدوحة، "فلا توجد عقبات على الإطلاق"، وذلك حسبما ذكر عباس لوكالة الأنباء الكويتية عشية زيارته إلى الكويت.
ويواجه تشكيل حكومة التوافق المهنية عقبات، إذ تشير المصادر إلى أن حركة "حماس" طلبت مهلة حتى نهاية الشهر الجاري، حيث ينعقد اجتماع المكتب السياسي للحركة من أجل توزيع المهام على أعضاء المكتب بعد الانتخابات الأخيرة لمجلس شورى "حماس"، والإشكالية الثانية، فهي رفض "حماس" أن تكون الحكومة المهنية برئاسة عباس لفترة 90 يومًا، بحيث يكون الإعلان عنها بالتزامن مع إعلان موعد الانتخابات، حيث ترى "حماس" أن هذه الفترة غير كافية لجلب ضمانات إسرائيلية بعدم التعرض للمرشحين من الحركة في الضفة، واستكمال التحضيرات لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، إضافة إلى تهيئة الأجواء داخليًا لانتخابات بعد فترة 6 سنوات من الانقسام.
وتسير الأمور وفقًا للمعطيات القائمة، في اتجاه تكليف شخصية مستقلة بتشكيل الحكومة، علمًا بأن مصادر مطلعة أكدت لصحيفة "الأيام" أن "فياض يرفض على الإطلاق إعادة تكليفه بهذه المهمة، فهو لم يقدم استقالته من هذا المنصب كي يعود له من جديد"، فيما تساءل مسؤول في حركة "فتح"، لقد أجرت "حماس" في الفترة الماضية تعديلات عدة على حكومتها في غزة، واعتبرت أن ذلك ليس عقبة في طريق المصالحة، فلماذا يكون تغيير الحكومة، الذي فرضته الظروف، عائقًا أمام المصالحة؟"، مضيفًا "بالإمكان تشكيل حكومة، وعندما تعلن (حماس) جاهزيتها لحكومة التوافق، نتوجه فورًا إلى تشكيل تلك الحكومة وإلغاء الحكومة الجديدة التي تُشكل".
وقال مراقبون، "ربما يفضل الرئيس عباس تكليف شخصية مستقلة بتشكيل الحكومة لتفادي اتهام القيادة الفلسطينية بعرقلة الجهود التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي من المرتقب أن يعلن في غضون أيام عن رزمة مشاريع اقتصادية يجري تنفيذها في الضفة الغربية لتهيئة الأجواء لعملية سياسية، وإن فترة 7 أسابيع، وهي الفترة الممتدة من قبول الاستقالة إلى نهاية الفترة الممنوحة لشخصية لتشكيل حكومة، ولاحقًا فترة 5 أسابيع للشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة، هي أكثر من كافية لوزير الخارجية الأميركي لمواصلة مساعيه، علمًا بأنه طلب قبل أكثر من 3 أسابيع فترة شهرين لاستكشاف فرص إعادة إحياء المسار الفلسطيني الإسرائيلي".
ورأت محافل سياسية رفيعة المستوى في تل أبيب، الأحد، أن استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض من منصبه، وقبول رئيس السلطة محمود عباس الاستقالة، هي تطور دراماتيكي، مؤكدة أن "تداعيات الاستقالة لن تقتصر على المناطق المسماة وفق اتفاق أوسلو بمناطق A، إنما ستصل إلى إسرائيل، وستمس مسًا سافرًا بالجهود الأميركية الهادفة لإعادة إحياء العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها ستؤثر على سياسة الاتحاد الأوروبي في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني"، على حد تعبيرها.
وأضافت المصادر عينها، كما قال مراسل الشؤون السياسية في صحيفة "هآرتس" العبرية، "إن فياض كان بالنسبة للحكومة الإسرائيلية وللمنظومة الأمنية في الدولة العبرية ولدول الاتحاد الأوروبي، التي تقوم بتزويد الفلسطينيين بالمعونات الاقتصادية، وللإدارة الأميركية، كان العنوان، ذلك أن الموظف السابق في صندوق النقد الدولي، الذي درس في الجامعات الأميركية، كان رمزًا للاستقامة ومكافحة الفساد في السلطة الفلسطينية، كما أن برنامجه لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية من الأساس إلى فوق، حاز تأييدًا عارمًا في الحلبة الدولية".
وأفادت مصادر إسرائيلية، أن نجاح فياض كان سببًا في بدء المعركة ضده، فعلاقاته مع عباس وصلت إلى الحضيض بسبب أزمة الثقة بينهما، كذلك فإن عباس والحرس القديم المحيط به من حركة "فتح" رأوا في رئيس الوزراء فياض منافسًا سياسيًا، ويجب العمل على عزله من منصبه، وإن استقالته هي خطوة أخرى على طريق انهيار السلطة الفلسطينية في رام الله، وتأكيد على عمق الأزمة السياسية التي تعيشها"، فيما اتهمت المصادر الإسرائيلية عباس بأنه "ينتهج حكمًا قريبًا جدًا من الديكتاتورية"، لافتةً إلى أن "صحافيين يُزجون في السجن، والتظاهرات تُقمع بشدة، والانتقادات تُواجه بعقوبات أشد، كما أن الحكومة لا تقوم بمهامها، في حين أن الزعيم يُواصل رحلاته خارج البلاد"، على حد قولها.
وتابعت المصادر ذاتها، "إن عباس يرى بأم عينيه كيف ترتفع شعبية فياض في بروكسل وفي واشنطن وفي الضفة الغربية، وبالتالي فإنه رأى فيه، مع قادة حركة (فتح)، عائقًا أمام طموحاته السياسية والاقتصادية، ذلك أن فياض رفض تعيين قادة كبار من الحركة في منصب وزراء، كما رفض تحويل الأموال لهم، وأن الأزمة المالية التي عصفت وتعصف بالسلطة الفلسطينية، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، ذلك أن عباس والمحيطين به استغلوا هذه الأزمة لتوجيه الغضب الشعبي على ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة البطالة إلى رئاسة الوزراء، وإلى فياض بشكل شخصي، وأن الخلاف بين عباس وفياض احتد بعد إعلان الأخير عن معارضته لتوجه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في المنظمة الأممية العام الماضي، فقد اعتقد رئيس الوزراء الفلسطيني، أن هذا التوجه، لا يتعدى كونه عملاً رمزيًا، وحذر من تداعيات التوجه إلى الأمم المتحدة، وتحديدًا فرض العقوبات على السلطة الفلسطينية من قبل الدولة العبرية، وأنه في حقيقة الأمر فقد كان فياض على حق، فتجميد الأموال الفلسطينية من قبل الحكومة الإسرائيلية أدى إلى تأجج الأزمة الاقتصادية، ولم يكن الأمر بعيدًا عن أنْ يؤدي إلى انهيار السلطة بشكل كامل"، بحسب المصادر الإسرائيلية.
ونوهت "هارتس" نقلا عن المصادر نفسها، إلى أنه "في العام الماضي كان فياض على حافة تقديم استقالته، ولكنه في كل مرة عدل عن تهديده بالاستقالة، وأن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لفياض، كانت استقالة وزير المال نبيل قسيس من منصبه في بداية آذار/مارس الماضي، فوزير المال كان يتعرض لحملة انتقادات واسعة من قبل المواطنين لسبب الأزمة الاقتصادية، وبالتالي قام بتقديم استقالته، وفياض، من منطلق صلاحياته كرئيس وزراء، وافق عليها، وفي ذلك الوقت، كان عباس كعادته خارج رام الله، وغضب وطالب فياض بإعادة قسيس إلى منصبه، ولكن فياض رفض الإذعان لمطلب الرئيس عباس، وادعى بأن خطوة من هذا القبيل تمس مسًا سافرًا بصلاحياته كرئيس للوزراء، وهي الصلاحيات نفسها التي طلبها عباس من الرئيس الراحل ياسر عرفات، عندما تسلم منصب رئيس الوزراء في العام 2003".
وكشفت المصادر الإسرائيلية النقاب عن أنه في الأيام الأخيرة، بعدما تحولت استقالة فياض إلى مسألة وقت فقط، حاول وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ونظراؤه الأوروبيون التوسط بين رئيس الوزراء وعباس، ولكن المحاولات كان مصيرها الفشل منذ البداية، لافتةً إلى أن استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني من منصبه ستضع علامة سؤال كبيرة بشأن المعونات الاقتصادية الأوروبية للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستقالة ستدفع الدولة العبرية إلى التردد في العودة إلى طاولة المفاوضات وتطوير مشاريع اقتصادية مشتركة مع الفلسطينيين من دون فياض، مشيرةً إلى أنه من دون الحارس على الموازنة، فمن المحتمل جدًا أنْ تتوقف الدول الغربية عن دعم السلطة، وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن الأزمة الاقتصادية في السلطة ستتفاقم، ومن هنا وحتى اندلاع أعمال العنف الطريق ستكون قصيرة جدًا، على حد قولها.
وتابعت المصادر الإسرائيلية، "إن استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني من منصبه، تُعتبر ضربةً قاسيةً للأميركيين، الذين يُحاولون إعادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، كما أن الاستقالة ستُربك الإدارة الأميركية التي رأت في فياض عنوانًا وشخصًا مسؤولاً"، فيا نقلت الصحيفة العبرية عن مصادر رفيعة المستوى في تل أبيب، مساء الأحد، تعبيرها عن أسفها العميق لاستقالة فياض، وهذا الأسف جاء متأخرًا للغاية، ذلك أن الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، كان تتعامل مع حكومة فياض بازدواجية، فمن ناحية رأوا فيه رجلاً يمكن الثقة فيه في مجالي التنسيق الأمني والمجال الاقتصادي، ولكن بالمقابل خشيت الحكومة الإسرائيلية منه لسبب مساعيه لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية العتيدة".
وخلصت الصحيفة العبرية إلى القول "إن حكومة نتنياهو غير مسؤولة عن الاستقالة، ولكن تصرفاتها لم تُساعد فياض في الاستمرار بتبوؤ منصب رئيس الوزراء في السلطة"، على حد تعبيرها.
أرسل تعليقك