استيقظت بغداد الخميس، على مئات من القتلى والمصابين بعد أن أطلقت القوات الأمنية العراقية الرصاص الحي لتفريق عشرات المتظاهرين الذين تجمعوا في وسط بغداد وأشعلوا إطارات في ساحة التحرير في وسط العاصمة رغم حظر التجوال الذي دخل حيز التنفيذ فعليا من الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي من صباح الخميس حتى إشعار آخر.
وارتفعت حصيلة الاحتجاجات المطلبية التي تشهدها البلاد منذ الثلاثاء الماضي إلى 28 قتيلا بينهم شرطيان، 17 منهم في محافظة ذي قار الجنوبية وحدها حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، حظر التجوال ليل (الأربعاء - الخميس) وفرض حظر التجوال التام للمركبات والأفراد في بغداد باستثناء العاملين في الدوائر الخدمية كالمستشفيات ودوائر الكهرباء والمسافرين من وإلى مطار بغداد وسيارات الإسعاف والحالات المرضية من القرار وقطع شامل للإنترنت.
وأوضح أن قرار حظر التجوال في المحافظات الأخرى يترك تقديره للمحافظين حسبما أفادت به وكالة الأنباء العراقية (واع)، بينما أعلن مجلس محافظة بغداد أنّه قرّر تعطيل العمل الخميس في كلّ الدوائر التابعة له، الأمر الذي سيسمح لقوّات الأمن بتعزيز نفسها وتشديد قبضتها في مواجهة المتظاهرين.
ووفقا إلى المعلومات التي حصلت عليها "الشرق الأوسط" من مصدر حكومي مسؤول أن «الحكومة العراقية وبالتعاون مع رئاسة البرلمان تعد الآن خططا ومبادرات سيتم إطلاقها خلال الأيام القليلة القادمة لاستيعاب أزمة المظاهرات مع مساع لإيجاد حلول عاجلة لما يمكن تحقيقه من مطالب المتظاهرين». وردا على سؤال في ما إذا كان سيستمر حظر الجوال وقطع الإنترنت أفاد المصدر الحكومي أن «هذا الإجراء طارئ وكان الهدف منه توفير أجواء مناسبة للتهدئة للعمل في مسارين الأول هو محاولة بحث مطالب المتظاهرين مع ممثلين عنهم وقطع الطريق أمام المندسين الذين بدأوا بممارسات ضارة مثل الاعتداء على الممتلكات العامة أو حرق المقرات فضلا عن الجهات التي بدأت تبحث عن فرصة لركوب موجة المظاهرات».
وامتدت الاحتجاجات في العراق لتطال معظم المدن الجنوبية، ولكنها لم تمتد إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصاً المناطق السنية التي دمرتها الحرب ضد تنظيم «داعش»، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي. وتشكل هذه الاحتجاجات اختبارا حقيقيا لحكومة عادل عبد المهدي الذي تولى رئاسة الحكومة منذ عام ويبدو هذا الحراك حتى الساعة عفوياً، إذ لم يعلن أي حزب أو زعيم سياسي أو ديني عن دعمه له، فيما يعتبر سابقة في العراق. لكن ليل الأربعاء، قرر مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات داعياً أنصاره الذين سبق أن شلوا مفاصل البلاد في العام 2016 باحتجاجات في العاصمة، إلى تنظيم «اعتصامات سلمية» و«إضراب عام»، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع.
وعملت القوات العراقية بالتصدي للمتظاهرين باستخدام الهراوات والعصي الكهربائية والغازات المسيلة للدموع، وإطلاق الرصاص الحي في الهواء. وقال أحد المتظاهرين إنه قضى الليل في الساحة «حتى لا تسيطر الشرطة على المكان»، قبل أن تصد القوات الأمنية المحتجين إلى الشوارع الفرعية المجاورة.
وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي مدن عدة، يواصل المحتجون إغلاق الطرقات أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسمية في النجف أو الناصرية جنوباً. وفي الناصرية نفسها، التي تبعد 300 كيلومتر جنوب بغداد، قتل تسعة أشخاص منذ الثلاثاء، بينهم شرطي، بحسب ما أعلن مسؤول محلي، في المقابل، قتل متظاهران في بغداد وآخران في الكوت بشرق البلاد، فيما أصيب أكثر من 400 شخص بجروح في أنحاء البلاد. ويبدو أن الحكومة العراقية، التي اتهمت «معتدين» و«مندسين» بالتسبب «عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين»، قد اتخذت خيار الحزم، كما بدا الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي صعبا مع بطء شديد في شبكة الإنترنت. ويسعى المحتجون في بغداد للتوجه إلى ساحة التحرير في وسط العاصمة، التي تعتبر نقطة انطلاق تقليدية للمظاهرات في المدينة، ويفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهورية حيث ضربت القوات الأمنية طوقاً مشدداً منذ الثلاثاء.
وقال المتظاهر علي، وهو خريج عاطل عن العمل يبلغ من العمر 22 عاماً «نحن مستمرون حتى إسقاط النظام». وأضاف «أنا من دون عمل، أريد أن أتزوج، لدي 250 ديناراً (أقل من ربع دولار) فقط في جيبي، والمسؤولون في الدولة لديهم الملايين»، في بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظمة الشفافية الدولية، أما أبو جعفر، وهو متقاعد غزا الشيب رأسه، فقال «أنا أدعم الشباب. لماذا تطلق الشرطة النار على عراقيين مثلهم؟ هم مثلنا مظلومون. عليهم أن يساعدونا ويحمونا».
وقررت السلطات العراقية التي أعادت في يونيو (حزيران) افتتاح المنطقة الخضراء التي تعتبر شديدة التحصين وتضم المقار الحكومية والسفارة الأميركية إعادة إغلاقها مساء الأربعاء، منعاً لوصول المحتجين. وعادة ما يتخذ المحتجون من المنطقة الخضراء وجهة لهم لرمزيتها السياسية. وكان التحالف الدولي بالعراق أعلن أن انفجارا وقع في المنطقة الخضراء شديدة التحصين ليلة الخميس ولكنه لم يطل أيا من منشآته. جاء ذلك في بيان للمتحدث باسم قوات التحالف مايلز كاجينز، حسبما ذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء. ولم يتضح على الفور سبب الانفجار، ويجرى تحقيق حاليا في ملابساته، بحسب بلومبرغ.
وقال الكولونيل باتريك رايدر مساعد رئيس أركان القوات الأميركية المشتركة لشؤون العلاقات العامة، إن القوات الأميركية والعاملين والموظفين الأميركيين في العراق يواصلون عملهم ودورهم كالمعتاد، وإنه لم تصدر أوامر بمغادرة أي منهم.
وأكد رايدر أن الولايات المتحدة لا تتدخل فيما يجري في العراق، نافيا في الوقت نفسه ربط بلاده بما يتناقله الإعلام المحلي في العراق عن وجود خلافات بعد إقالة اللواء عبد الوهاب الساعدي من قيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب من قبل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من منصبه.
كانت وسائل إعلام عراقية وعربية عدة قد تحدثت عن أن إقالة الساعدي المعروف بعلاقته الجيدة مع القوات الأميركية، تمت بضغط من إيران، في خضم المواجهة السياسية المندلعة بين طهران وواشنطن، وأن إقالته قد تكون من بين الأسباب الرئيسية وراء اندلاع المظاهرات التي يشهدها العراق.
وأعلنت طهران أنها أغلقت معبرا حدوديا من المنتظر أن يستخدمه مئات الآلاف للزوار الشيعة من إيران، وقال مسؤول إيراني كبير في شؤون الزيارات الدينية للتلفزيون الرسمي إنه تقرر إغلاق معبر خسروي لكن المعابر الأخرى ظلت مفتوحة، وقالت وكالة أنباء الإيرانية إن السلطات أعادت فتح معبر جذابة بعد إغلاقه في ساعة متأخرة الليلة الماضية، كما دعت البحرين مواطنيها عدم السفر للعراق في الوقت الراهن بسبب الظروف الأمنية، كما دعت الخارجية البحرينية جميع المواطنين البحرينيين في العراق «إلى ضرورة المغادرة فورا وذلك ضمانا لأمنهم وحفاظا على سلامتهم».
قـــــــــــد يهمك أيــــــضًأ :
غازي عنتاب تتصدر قائمة الولايات التركية الأكثر احتضانًا للشركات السورية
مجموعة استثمارية عالمية تؤكّد أنّ تركيا تندفع نحو "الانهيار الاقتصادي"
أرسل تعليقك