غيب الموت اليوم المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق، عن عمر يناهز 86 عاما، حيث ولد في 31 أكتوبر لعام 1935م بمنطقة عابدين بوسط القاهرة لأسرة نوبية من أسوان، وتعلم القرآن فى الكتّاب وواصل دراسته حتى حصل على بكالوريوس فى العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1956م، كما درس فى كلية القيادة والأركان عام 1971م، وفى كلية الحرب العليا عام 1982م.
المشير طنطاوى كان بطلا عسكريا من طراز خاص، وخاض أربعة حروب دخلتها مصر ضد إسرائيل، فكان أحد أبطال حرب 56، وشارك فى حرب النكسة سنة 1967، وبعدها فى حرب الاستنزاف، كما كان أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973م، حيث كان قائدا للكتيبة 16 مشاة، التى حققت بطولات كبيرة خلال ملحمة عبور قناة السويس وتحرير سيناء.
وتحدث المشير الراحل "طنطاوي" عندما كان عميد أركان حرب في فيديو نادر، عن البطولات التي حققتها كتيبته، الكتيبة 16 مشاة بحرب أكتوبر، والتي كانت من أوائل الكتائب التي عبرت قناة السويس، وأحد العناصر التي رفعت علم مصر في الضفة الشرقية قبل عبور القوات الرئيسية.
وأكد "طنطاوي" أنه لا يوجد وقت يكفي للتحدث عن بطولات الكتيبة 16، ولكنه ذكر تفاصيل معركة واحدة خاضتها الكتيبة ضد إسرائيل، مستشهدا بكتاب إسرائيلي، يسمى عيد الغفران، الذي روى تفاصيل مواجهته للكتيبة 16 من وجهة نظره.
ويقول كتاب "عيد الغفران"، أنه وعلى بعد عدة كيلو مترات من القناة، كانت ما تزال المعركة دائرة حول المزرعة الصينية، وهي موقع من المواقع الموجودة في شرق الإسماعيلية، وعندما حل يوم 16 أكتوبر كانت المعركة مازالت مستمرة بين القوات الإسرائيلية والكتيبة 16، ويوضح الكتاب، أن القوات الإسرائيلية التي هاجمت موقع الكتيبة 16 قد تعثرت ومنيت بخسائر فادحة.
ويروي قائد القوات الإسرائيلي تفاصيل خسارتهم للمعركة مشيرا إلى أن مهمتهم كانت تطهير الكتيبة 16 من تحصيناتها بأسرع ما يمكن، لأنها تمنع وصول الإمدادات للإسرائيليين، ولهذا تقدم القائد ليلا مع وحدات المظلات حتى بضعة أمتار صوب الهدف، ولكن وجدوا وابلا من الرصاص في استقبالهم، وقال أحد الضباط الإسرائيليين وقتها، أن هذا أمرا جديدا، كيف يمكن أن يكون بين طابورين إسرائيليين وحدة مصرية؟
وذكر الكتاب أن المعركة ظلت محتدمة طوال ساعات الليل، ولم تتمكن عناصر المظلات الإسرائيلية من الهجوم أو الانسحاب، وقد استمرت عمليات إخلاء الجرحى الإسرائيليين طوال الليل، كما أن فرق الإغاثة تعرضت بدورها إلى خسائر فادحة، وعند الفجر كان لابد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من قوات المظلات الإسرائيلية، لإخلاء من تبقى منهم على قيد الحياة.
بعدما روى "طنطاوي" المعركة كما كتبها الإسرائيليون في كتابهم، روى المعركة كما حدثت تحت قيادته داخل موقع الكتيبة 16 قائلا، "كنت مستيقظا لمدة 48 ساعة، وفي هذا اليوم، تحديدا الساعة الواحدة صباحا، كان الجو هادئا، وقررت النوم، ولم أكد أنم إلا نصف ساعة، حتى فوجئت بالضباط يقولون لي أنهم سمعوا أصوات طائرات هليوكوبتر فوق الموقع، فطلبت منهم تزويد المراقبة واستمريت في النوم".
وأضاف، "بعد نصف ساعة قام الضباط بإيقاظي مرة أخرى، وقالوا لي نرى في أجهزة الرؤية الليلة، أن هناك عناصر من القوات الإسرائيلية تحاول عبور حقول الألغام الموجودة في المواجهة، فقمت من نومي على الفور، ورأيت في جهاز الرؤية الليلة أعدادا كبيرة من المشاة، يحاولون عبور ثغرة تجاه مواقع الكتيبة، فأعطيت أوامر بأن جميع أسلحة الكتيبة يتم توجيهها للثغرة، وعندما اقترب العدو، أعطيت الإشارة، فأطلقنا جميع الأسلحة على القوات الإسرائيلية".
وأوضح "طنطاوي" أن المعركة بين الكتيبة 16 والإسرائيليين دامت لمدة ساعتين ونصف حتي مطلع الشمس، وأنه من حسن حظ الإسرائيليين أن ضباب الشروق جعل ضرب النار عليهم أقل كفاءة، مما أمكنهم من سحب خسائرهم وبعض الجنود ممن تبقوا على قيد الحياة، حيث كان كل هدف "طنطاوي" ألاّ يعود أي فرد ممن هاجموا الموقع إلى فرقتهم على قيد الحياة.
وقد انعكس عزوف المشير طنطاوي عن الأضواء- بصورة أو بأخرى - على قلة المصادر التي تتحدث عنه، بحسب ما كتب عنه الإعلامي الإذاعي والمراسل الحربي في حرب أكتوبر 1973، حمدي الكنيسي، في كتابه «السلطة وطول العمر» الصادر في عام 2010، والذي ربط فيه بين طول عمر مجموعة من السياسيين والرؤساء وبين البقاء في السلطة، من خلال عوامل نفسية وفسيولوجية.
ويقول الكنيسي في فصل خاص بعنوان المشير.. العازف عن الأضواء، أنه قد التقي بالمشير طنطاوي في عام 1998 عندما كان يستعد لإجراء حوار مطول معه في ذكرى حرب أكتوبر،إضافة إلى عدة مرات أخرى في الفترة من عام 2000 حتى عام 2005، وأنه وفي كل مرة كانت تتأكد لديه صفاته التي تتسم بالتواضع والجدية والصرامة والدقة ثم العزوف عن الأضواء، رغم أن موقعة - بحسب الكنيسي، «كوزير للدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة، يستنفر حماس الإعلام والإعلاميين للالتقاء به وإلقاء الضوء على أفكاره وتاريخه وإنجازاته».
ويذكر الكنيسي أن طنطاوي كان له رأي أخر في ذلك، مشيرا إلى ما شهده أثناء لقاءه بالمشير في مكتبه، فقد كان يتحدث بلهجة حادة مع أحد مساعديه حول تصريح نسب إليه، موضحا «كان رأيه أن موضوع التصريح لم يكن يستحق نشرة وإذاعته»، وأن ذلك جعل من الطبيعي ألا تظهر صورته أو ينقل عنه تصريح إلا في المناسبات الهامة جدا مثل ذكرى حرب أكتوبر، وفق ما جاء في الكتاب.
ويضيف الكنيسي أنه وبسبب قلة المصادر التي تتحدث عن الرجل، لكان بإمكانه مضاعفة الصفحات التي أفردها له في كتابه، مستعينا بما ذكره الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، الذي قال: «إنني زاملت المشير طنطاوي، وهو من أفضل رجالات مصر، وهو يمتلك رؤية خاصة بأن تحديث القوات المسلحة يجب أن يكون شاملا بمعني أن يتم الاهتمام بالمكون البشري مسكناً وإعاشةً وتدريباً بحيث تكون الرعاية الاجتماعية والصحية مواكبة للتدريبات وكذلك لاحظت أنه من المتابعين بدقة لما يجري في العالم، وفي مجلس الوزراء يحضر الاجتماعات بملفات كاملة في جميع الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال بحيث يكون كل موضوع قد تم إعداد دراسة كاملة عنه ومن الألف إلى الياء، ولذلك فإنه في المناقشات يتكلم عن معرفة بما يثري الحوار، وهو أيضا إنسان مهذب ولا يصدر عنه لفظ أو حركة تقلل من شأن الآخرين».
ويروي الكنيسي في كتابه الدور الذي قامت به الكتيبة 16 مشاة أثناء حرب أكتوبر 1973، والتي كان المقدم محمد حسين طنطاوي قائدا لها، في معارك «المزرعة الصينية»، حيث شهدت المزرعة ملحمة بطولية ومعارك طاحنة، من 14 إلى17 أكتوبر، والتي كانت ضمن الخطة الإسرائيلية لمحاولة العبور إلى غرب قناة السويس وبهدف إقامة رأس كوبري على ضفتي القناة من أجل حصار الجيش الثاني والثالث، وأنه «ولكي تتم هذه الخطة كان من الحتمي أن تكون منطقة شمال نقطة الدفرسوار خالية من أية قوات مصرية إلى مسافة لا تقل عن خمسة كيلومترات شمالا لتأمين معبر الدفرسوار الذي يخططون لإنشائه وحتى لا تتعرض القوة الإسرائيلية لنيران الأسلحة الصغيرة والهاونات والصورايخ المضادة للدبابات وقد قررت القيادة الجنوبية الإسرائيلية تخصيص لواء مظلات بأكمله مدعم بكتيبة دبابات ومساندة جوية لتطهير الطريق من القوات المصرية، وتحولت هذه القوات لكي تشن هجوما ليليا على الكتبية 16 مشاه لهذا الهدف وهنا أصدر المقدم محمد حسين طنطاوي أوامره بحبس نيران قواته لحين وصول القوات.»
ويورد الكنيسي في كتابه رصيدا كبيرا من العمل العسكري للمشير طنطاوي حيث خاض حروب 1956، و1957، و1973، وحرب الخليج الأولى، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية في عام 1956، واجتاز دورة كلية القيادة و الأركان في عام 1971، ودورة كلية الحرب العليا في عام 1982، وحصل على ماجستير وزمالة كلية الحرب العليا، وصار عضوا بهيئة التدريس بالكلية الحربية، وعضوا بالبعثة العسكرية إلى أكاديمية شرشال بالجزائر، كما خدم كضابط في جيش التحرير الفلسطيني بقطاع غزة. إضافة إلى تقلده مناصب قيادية هامة فتولي رئاسة عمليات فرقة مشاة آلية، ثم تم اختياره ملحقا حربيا في السافرة المصرية بباكستان وأفغانستان، وعاد ليتولى رئاسة فرع التخطيط في هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم صار رئيس أركان الجيش الثني الميداني، وصار قائد الجيش الثاني في يونيه 1987، ومن هنا انتقل بعد عام إلى موقع قائد الحرس الجمهوري، ثم رئيس هيئة العمليات إلى أن تم تعيينه وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي في 20- 5 - 1991، وتجدد تعيينه وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي وقائدا عاما للقوات المسلحة في 1993.
ولذا وفق الكنيسي كان من الطبيعي أن يتقلد طنطاوي العديد من الأوسمة والأنواط والتي عددها في كتابه ابتداء من « وسام التحرير، ووسام ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة، ونوط الجلاء العسكري، ونوط الاستقلال العسكري، ونوط النصر، ونوط الشجاعة العسكرية، ونوط الواجب العسكري، ونوط الخدمة الممتازة، وميدالية جرحى أكتوبر، وميدالية السادس من أكتوبر، ووسام الامتياز من باكستان، ووسام تحرير الكويت، ونوط المعركة من السعودية».
وقــــــــــــــد يهمك أيــــــــــــــضًأ :
الطيبي النائب العربي في الكنيست يقول ان المسجد الاقصى لا يقبل القسمة على اثنين
الأردن وفلسطين يحذران من تبعات التطورات الخطيرة التي تشهدها مدينة القدس
أرسل تعليقك