ظهرت تقارير عن عملية تجسس إسرائيلية جديدة على الولايات المتحدة في قصة حصرية لموقع "بوليتيكو" الإخباري الأميركي الخميس، وهو الأمر الذي نفاه كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وجاء في تقرير الموقع أن أجهزة الأمن الأميركية، عثرت على أجهزة تعقب هوية مشتركي الهاتف المحمول الدوليين "صائدي آي إم إس آي" والتي تعرف باسم ستينغراي، بالقرب من مقر الرئاسة ومواقع حساسة أخرى في جميع أنحاء العاصمة واشنطن قبل عامين.
وتعمل هذه الأجهزة مثل أبراج الهواتف المحمولة، وتخدع الهواتف لإرسال مواقعها ومعلومات الهوية الخاصة بها، وكذلك محتوى الاتصال والبيانات المستخدمة.
وقال أحد المسؤولين السابقين الذين تحدثوا للموقع دون الكشف عن هويتهم، إن أبراج ستينغراي كانت مصممة للتجسس على الرئيس ترامب. وأضاف أنه "ليس من الواضح إذا ما كانوا قد نجحوا".
وأكد مسؤول رفيع سابق في المخابرات لـ"بوليتيكو" أن عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي لمكافحة التجسس أجروا تحليلات لمعرفة من أين أتت الأبراج، "وبدا من الواضح أن الإسرائيليين كانوا مسؤولين".
وانتقد المسؤول إدارة ترامب قائلًا إنهم لم يوبخوا الحكومة الإسرائيلية على ذلك علنًا ولا سرًا. وأضاف "لست على علم بأي مساءلة على الإطلاق".
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمر صحافي، "إنه لا يصدق الادعاءات بأن إسرائيل تتجسس على الولايات المتحدة".
كما نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفيا قاطعا، ما جاء في تقرير "بوليتيكو"، وقال مكتب نتنياهو، في بيان له، "إن هذا كذب صارخ".
تاريخ من التجسس
وعلى الرغم من نفي ترامب ونتنياهو، إلا أن إسرائيل تجسست على الولايات المتحدة في الماضي.
وقال بول بيلار ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق لمجلة "نيوزويك"، في هذا الإطار، "إن الصهاينة أرسلوا الجواسيس لأمريكا حتى قبل قيام دولة إسرائيل لجمع المال والدعاية لقضيتهم، كما أن المكونات الرئيسية لقنابلهم النووية حصلوا عليها من أمريكا، لقد نجحوا في الحصول على ما يريدون بطرق خلاقة ومبتكرة".
وأضاف قائلا، "لقد كانوا عدوانيين في كل أوجه علاقتهم بأمريكا، فلماذا ستكون استخباراتهم مختلفة؟".
فعلى سبيل المثال في عام 2006، تلقى الموظف السابق في وزارة الدفاع الأميركية لورانس فرانكلين عقوبة بالسجن لمدة 13 عاما بسبب تمريره وثائق سرية حول السياسة الأمريكية تجاه إيران إلى إسرائيل. وخُفض الحكم في وقت لاحق إلى الإقامة الجبرية لمدة عشرة أشهر.
أبرز القضايا
وكان قد كُشف في ثمانينات القرن الماضي عن عميل الموساد، رافي ايتان، الذي أسر النازي أدولف ايخمان في عام 1960، بصفته المسؤول عن جوناثان بولارد، المحلل الأمريكي الذي أعطى آلاف الوثائق السرية لإسرائيل.
وكانت السلطات الأميركية، "أفرجت عام 2015 عن جوناثان بولارد، المدان بالتجسس لصالح إسرائيل، بعد أن قضى 30 عاما في السجن".
وكان قد قبض على جوناثان بولارد، وهو ضابط سابق في استخبارات البحرية الأمريكية، وهو يبيع وثائق أمريكية سرية لإسرائيل عام 1985.
وحسب شروط إطلاق سراحه المشروط، منع بولارد من مغادرة الأراضي الأمريكية بدون إذن لمدة خمس سنوات.
وكان الجاسوس الأمريكي قد قال إنه يرغب في الانتقال إلى إسرائيل للانضمام إلى زوجته التي تعيش هناك. ويحمل بولارد الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الأمريكية.
وجاء الإفراج عن بولارد، الذي يبلغ من العمر حاليا 64 عاما ، بعد ضغوط مكثفة مارستها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على أمريكا.
وكان بولارد قد اعترف، تحت ضغط من محققي النيابة، بضلوعه في التجسس لصالح إسرائيل مقابل إسقاط حكم الإعدام عنه، وذلك تحت ضغط مارسته النيابة على المتهم عام 1985.
لكن بعد مراجعة قاض أمريكي للتقرير الذي أعدته وزارة الدفاع الأمريكية عن حجم الضرر الذي تسبب به بولارد للولايات المتحدة، حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
منذ ذلك الحين، طالب رؤساء الحكومات الاسرائيلية وجماعات أخرى في الولايات المتحدة وإسرائيل بالعفو عن بولارد، وهو الطلب الذي وُجه إلى عدد من رؤساء الولايات المتحدة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
محطات بارزة عن جوناثان بولارد
وُلد بولارد عام 1954، والتحق بالعمل في وظيفة محلل للشؤون المدنية في المخابرات البحرية بالقرب من العاصمة واشنطن عام 1979.
وخلال سبع سنوات، بدأ الاتصال بينه وبين المخابرات الإسرائيلية من خلال تقديمه لمواد سرية.
وسرعان ما تولى مسؤولون بالسفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة إدارة بولارد بشكل مباشر، ما أدى إلى نقل عدد كبير من الوثائق للجانب الإسرائيلي مقابل أموال تقاضاها الجاسوس علاوة على نفقات سفرات له ولزوجته.
وقال وولف بلتزر، مراسل صحيفة جورزاليم بوست، إن هذا الموظف بالبحرية الأمريكية قدم كنزا من المعلومات الاستخباراتية لإسرائيل، بما في ذلك تقارير استطلاع عن مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، وأخرى عن العراق، وتقارير عن القدرات الإنتاجية السورية للسلاح الكيماوي، وشحنات السلاح الروسية إلى سوريا وغيرها من الدول العربية.
وكان بولارد عضوا في وفد أمريكي للتعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ما مكنه من الاطلاع على ما لم تتمكن البلدان الحليفتان من تبادله من معلومات.
وقال بولارد لبليتزر، "لقد كنت محبطا جدا في نهاية الجلستين. واستمر إحباطي، إذ أن المعلومات التي لم يتبادلها الجانبان كانت مرعبة".
وفي عام 1985، أجرى مسؤولون بالبحرية الأمريكية والمباحث الفيدرالية تحقيقا مع الجاسوس الإسرائيلي بعد ظهور معلومات ترجح أنه نقل وثائق سرية من مكتبه.
واضطر وزوجته، بعد تهديد بمواجهة اتهامات بالتجسس، إلى طلب اللجوء إلى السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، لكن طلبه قوبل بالرفض.
وألقت المباحث الفيدرالية القبض عليهما بعد محاولة اللجوء الفاشلة. واعترف بولارد بالتجسس لصالح إسرائيل مقابل وعد من وزارة العدل بتخفيف الحكم عليه إلى حكم بالسجن لمدة محددة بدلا من الحكم بالإعدام.
ونفت إسرائيل في البداية كونه جاسوسا يعمل لصالحها، مؤكدة أنه تعامل مع مسؤولين فاسدين؛ لكن بحلول عام 1985، منحت إسرائيل جنسيتها لبولارد، وبعد مرور عامين، اعترفت بأنه كان عميلا يعمل لصالحها في الولايات المتحدة.
وقضى بولارد حوالي ثلاثين عاما في السجن، كانت الفترة الأخيرة منها في سجن متوسط الحراسة بالقرب من كارولينا الشمالية.
كما حُكم على زوجته، آن، بالسجن لخمس سنوات، قضت منها سنتين ونصف فقط في السجن، ثم توجهت إلى إسرائيل بعد إطلاق سراحها.
وتزوج بولارد مرة ثانية أثناء المدة التي قضاها بالسجن، وسافرت زوجته الثانية، إستر، أيضا إلى إسرائيل حيث استمرت في حملتها التي تطالب بالإفراج عنه.
وفي عام 1996، أعلنت إستر إضرابا عن الطعام استمر لتسعة عشر يوما للضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل بذل المزيد من الجهود للوقوف مع زوجها في محنته.
وقالت إسرائيل، "إن الحكم على بولارد كان قاسيا للغاية، مؤكدة على أنه ينبغي الأخذ في الاعتبار أنه كان عميلا لأحد أقوى حلفاء الولايات المتحدة".
وعارض مسؤولون بوزارة الدفاع والاستخبارات الأمريكية بشدة إطلاق سراح بولارد لسنوات طويلة.
وفي عام 1998، هدد مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية آنذاك جورج تينيت بالاستقالة إذا اتخذ الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، في ذلك الوقت، القرار بالعفو عن ذلك الجاسوس.
وأنهى الإفراج النهائي عن الجاسوس الإسرائيلي أزمة مزمنة كانت تؤورق العلاقات الأمريكية الإسرائيلية منذ عشرات السنوات.
قد يهمك ايضا
اللجنة العليا للأخوة الإنسانية تعقد اجتماعها الأول في الفاتيكان
"الطرق والمواصلات" الإماراتية تبحث تعزيز تبادل الخبرات مع نظيرتها في ألمانيا
أرسل تعليقك