كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وزير الدفاع، بنيامين نتنياهو، عبر عن قلق حكومته الشديد من تطورات الأوضاع في الشمال السوري، في أعقاب الانسحاب الأميركي والاتفاق مع تركيا على إجلاء الأكراد.
ونقل على لسان نتنياهو أنه طلب من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في لقائه معه بمقره في القدس الغربية، ألا تنسحب الولايات المتحدة من مناطق أخرى في سوريا.
وقد حضر اللقاء المبعوث الأميركي للشأن السوري جيم جيفري، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، ورئيس جهاز المخابرات الخارجية في إسرائيل (الموساد) يوسي كوهين، ورئيس هيئة الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء مئير بن شبات، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء العميد أفي بلوت.
وكتب بومبيو النظر تغريدة على «تويتر» قبيل وصوله إلى إسرائيل، جاء فيها: «إذا كنتم قلقين من سلوك إيران الآن، فتخيلوا ما الذي ستفعله إيران بطائرات مسيرة وصواريخ متقدمة وطائرات ودبابات؟».
وأصدر نتنياهو بياناً أشاد فيه باللقاء مع بومبيو، وأظهره ودياً حميماً. وقال: «أجرينا مباحثات مهمة حول تعزيز التحالف بيننا وحول المنطقة والتحديات المختلفة التي نتعامل معها. أود أن أشكرك يا مايك وأشكر الرئيس ترمب لدعمكما المتواصل لإسرائيل. الشرق الأوسط ساحة من المشاكل والاهتزازات والتقلبات، ولكن إن كان هناك شيء ثابت يبرز فوق كل هذا، فهو استقرار ومتانة التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة». وقال نتنياهو إنه تحدث مع بومبيو عن مواصلة تعزيز هذا التحالف.
ولكن الأجواء التي أحاطت اللقاء بدت قاتمة، إذ عبّر كثير من قادة الجيش والمخابرات عن قلقهم من التطورات في سوريا وتبعاتها على مستقبل المنطقة. وهم يسربون موقفهم إلى جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية وحتى الأجنبية. فيؤكدون أن هذه التطورات ستقود حتماً إلى مواجهة حربية بين إسرائيل والمحور الإيراني، الذي يستمد تشجيعاً كبيراً من الانسحاب الأميركي من شمال سوريا والتخلي عن الأكراد. ويقولون إنه، وبعد 13 سنة من الهدوء المبارك على الحدود مع لبنان، يرى الجهاز الأمني أن هذه الحدود ستعود لتكون حدود مواجهة. فالآلاف من رجال حزب الله، الذين عادوا من المعارك في سوريا وتمكنوا من الراحة والانتعاش، ينتشرون الآن في جنوب لبنان وبدأوا ينظرون من زاوية جديدة على العدو القديم.
وفي سوريا نفسها، يرون أنه «في ضوء الكتف الباردة من واشنطن والتهكم المتصاعد من موسكو سيكون أصعب على إسرائيل بكثير الإبقاء على حريتها في العمل في سوريا. فقد حل محل الشرطي الإقليمي الأميركي رئيس روسيا فلاديمير بوتين. وهذا لم يعد منذ الآن لطيفاً جداً. فذات يوم من شأنه أن يقرر أنه مل أيضاً النشاطات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا، فيضع أمام سلاح الجو لدينا تحديات لم يصطدم بها منذ زمن بعيد».
وجاء أن مسؤولين سياسيين وأمنيين قلقون جداً من إمكانية أن يبادر ترمب إلى «مفاجأة إسرائيل» بتصريح مفاده أنه سيسحب القوات الأميركية من قاعدة التنف ومواقع أخرى في سوريا، التي تعدّها إسرائيل حساسة جداً على حدود سوريا مع العراق، التي تسيطر على «محاور التهريب».
ونقلت صحيفة «هآرتس» على لسان مسؤول عسكري رفيع قوله إنه «من ناحية إسرائيل، فإن الخيانة الأميركية للأكراد ليست موضوعاً محلياً، بل فصل مقلق آخر في آثار السياسة الأميركية على التطورات الإقليمية. إن الصورة الاستراتيجية الآخذة في الاستيضاح في هذه اللحظة ليست في صالح إسرائيل: ففي ختام سنوات من الحرب الأهلية والصراع ضد (داعش)، يلوح انتصار للمحور الشيعي بدعم الروس، الذين أصبحوا العامل السائد للغاية في المنطقة. أما الأميركيون فقد أصبحوا لاعباً أضعف مما في الماضي، ما سمح لإردوغان لأن يستفزهم مؤخراً بشكل علني».
وتتركز المخاوف الإسرائيلية، في أعقاب قرار الرئيس الأميركي الانسحاب من شمال سوريا، على أنه سيكون جزءاً من انسحاب استراتيجي من الشرق الأوسط، يشمل أيضاً الانسحاب من الشرق، خصوصاً من قاعدة التنف، التي تستغلها إسرائيل لجمع المعلومات الاستخبارية وشن هجمات. وترى ضرورة إجراء تغييرات في خطط الجيش الإسرائيلي، تتطلب ميزانيات أكبر، على مستوى الخطط بعيدة المدى، وبضمنها رفع قدرات العمل في الحيزين الجوي والاستخباري.
وعدّ المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أمس (الجمعة)، أن أجندة الرئيس الأميركي تتلخص في «جعل الولايات المتحدة صغيرة مرة أخرى»، وأن انسحابه من الشرق الأوسط يعني تسليم مفاتيح النفوذ لإيران. وأشار إلى جملة من الأحداث بوصفها جزءاً من عملية بعيدة المدى. وبضمن هذه الأحداث الزيارة الخاطفة لوزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، لإسرائيل في إطار عملية «تهدئة شرق أوسطية»، واتهامات إيرانية جديدة بشأن هجوم إسرائيلي، واللقاء الاستثنائي لرئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، مع رئيس «كاحول لافان» بيني غانتس، على خلفية تقارير تتحدث عن هجوم إيراني محتمل. وبحسبه، فإن ما يربط بين هذه الأحداث هو عملية بعيدة المدى، باعتبار أن التغيير الأساسي هو استراتيجي أكثر مما هو عملاني أو تكتيكي، فالولايات المتحدة تسارع انسحابها من الشرق الأوسط، بينما يتصاعد نفوذ إيران الإقليمي.
وأضاف أن هذا هو سبب زيارة بومبيو الخاطفة، وهذا هو السبب المركزي للقاء كوخافي - غانتس في أوج مفاوضات ائتلافية.
وكتب مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة «معريب»، طال ليف رام، أن أداء الولايات المتحدة سيؤدي إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والمخاوف من التخلي الأميركي تتصاعد، حيث إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قلقة جداً من هذا الأداء الأميركي في المنطقة، ومن أبعاد ذلك على إسرائيل، وتطلق انتقادات بشأن عدم متابعة الإدارة الأميركية، وعدم جاهزيتها لتفعيل القوة في أعقاب «أحداث كبيرة وجدية ذات تأثير بعيد المدى».
وتوقع المحلل العسكري في موقع «والا» الإلكتروني، أمير بوحبوط، أن تتواصل التغييرات في الشرق الأوسط، وإمكانية أن تنفذ الولايات المتحدة انسحابات أخرى ترفع من حالة التأهب في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وبحسبه، فإن «هجوم إيران والحوثيين» على السعودية بواسطة صواريخ موجهة وطائرات مسيرة، وانسحاب القوات الأميركية من سوريا، وفتح المعبر البري بين العراق وسوريا، وحرب تركيا على الأكراد، كل ذلك يزيد من احتمالات حصول تغييرات على الحدود، إضافة إلى التهديدات الناجمة عن هروب أسرى تنظيم «داعش»، من السجن، والجهود الإيرانية في استغلال الأحداث الإقليمية لتغيير موازين القوى، وشن هجوم على أهداف إسرائيلية.
قد يهمك ايضاً :
الأمم المتحدة تبحث تنظيم المنتدى الحضري العالمي العاشر في أبوظبي
أرسل تعليقك